غوايات

فستان الريح

وأخيراً توقفت الريحُ لتأخذَ قيلولة

ألقَتْ بجسدها المتهالك على سرير الوقت

يا لها من لوحةٍ مهيبة لمَّا تجترئُ فرشاةٌ على اقتنائها

يا له من سبقٍ صحفيٍّ تتهافت عليه ببغاواتُ قريتنا الصغيرة

تبدو متعبة هذه الريحُ التي أتعبتنا

إنها عاريةٌ تماماً

لقد خلعتْ أثوابها ونامت

عيوننا لصوصٌ تتربص بفستانها الملقى على أرضيةِ الصمت

تتسابقُ الأيدي ثم يُفتحُ مزادٌ في الفضاء الأخرس :

من يشتري فستان الريحِ بـ……

– أحدهم: ساقٍ خشبيةٍ لجنديٍّ على هيئةِ فلامنكو حزين

– ثانٍ: ضحكةٍ مائيةٍ لشفاهٍ يابسة

– ثالثٌ: وجبةٍ غنيَّةٍ بالمجاز لخيالٍ فقير

– رابعٌ: كرسيٍّ لامرأةٍ تعبتْ من البحث عن جثة زوجها

– خامسٌ: قُبلةٍ لحبٍ بلا شفاه

– سادسٌ: عشاءٍ سماويٍّ لملائكةٍ صائمين

– ……. : …………………

والذي استقر عنده الحظ وحالفه المزاد كان قد دفع مقابل هذا الفستان قلبَهُ

لفتاةٍ دهستها عجلات الحرب ومزقتْ فستانها

أسندتُ رأسي إلى جدار ضحكةٍ شريرة – أفقدتِ الريحَ أعصابَها-

 وأنا أشهدُ النهايةَ المأساويةَ

فهبَّتْ كالملدوغة وظلت تدور حول نفسها

تدور فندور

دخنا وتطايرنا كحبات الرمل لكننا لم نغادر محيطها

كان جسدها يجذبنا كالمغناطيس إنما مداراً مدارا

شعورٌ مقيتٌ بالغثيان ونحن ندور حولها مقتربين منها شيئاً فشيئاً

صرنا غباراً كثيفاً تلتف به وتخصفُ به عريها

نلتصقُ بها وهي تكبر وتعلو وتتحول إلى عاصفةٍ رمليةٍ مخيفة

يفتحُ فمَهُ كأفعى جسدٌ يترنحُ بإيقاعٍ منتظم

إعصارٌ نتداخل معه حتى صرنا فستانها الجديد

الذي أطلق صرخته المدوية والتهم كل شيء

نحن / الغبارُ الذي ترتديه

لو لم تمتد أيادينا إلى فستانها لكنا الآن ننعمُ بالهدوء

الذنبُ لم يكنْ ذنبي عندما ضحكتْ.

أمنياتٌ معطلة

أهداني سندبادٌ متقاعدٌ بساط الريح

لكنني لم أتمكن من الطيران

كانت الريح تفتح صوان عزاءٍ أبديٍّ لزوجها المتوفى للتَّو

وعندما آل إليَّ مصباح علاء الدين كجزءٍ من وصيته

كان مارد المصباح قد أصيب بالصمم والبدانة جراء التقدم في السن

فعلَّقت آمالي على سروةٍ في حوش منزلي حتى حين

لكن خفاشاً أعمى اصطدم بها وهو في طريقه إلى مغارة علي بابا

فتناثرت وبقي منها أمنيةٌ وحيدة

وبعد أن تبعته تعثرتُ بخاتمِ سليمان على عتبة الباب

وقبل أن ألتقطه خطفه غرابٌ جشعٌ وطار

إلا أنه سقط من بين مخالبه

وعندها صرخت : تدحرج أيها الخاتم

فضحك الشتاء وأنبأني هدهدٌ عجوزٌ بوفاة الساحرة

وهكذا وصلت المغارة متأخرة

افتح يا سمسم لم تعد تعمل

تم تغيير كلمة السر

في طريق عودتي صادفت رجالاً من الإلدورادو

مهاجرين إلى جنوب إفريقيا للعمل بالزراعة

فتذكرت سروتي وأمنيتي المعلقة

وصلت إلى بيتي فلم أجد السروة

كان فيلٌ ضخمٌ قد اقتلعها بخرطومه ليكنس بها حوش منزلي

ويؤمن لأطفاله الهاربين من حديقة الحيوان بيئةً نظيفةً وهادئة

بعيدةً عن سجن الشهرة والأضواء

لاحظت لتوي في الفراغ الذي خلفته السروة غيمةً تشبه أمي

مسحتْ بيدها على رأسي ثم قالت :

” الأمنيات القاصرة على الجنسية لن تعمل لديك يا عزيزتي

ولكنني سأمنحك كنزاً عظيماً

أنتم اليمنيون ينبغي فقط ألا تموتوا جوعاً ” ..

 ثم أمطرَتني خبزا .

بعين ٍواحدةٍ يُنَظِّرون

قراصنةٌ في عمق المحيط سرقوا صوتي قبيل غروب الشمس

مزقوا النسيج السيمفوني لصداه الغارق في الأعماق

أسروا حنجرتي في صدفة سلطعون محنط تحت أكوام ٍ من الملح

كورالٌ جنائزي ..

حورياتٌ تنشج ..

غرغرة أغانٍ مرجانية ..

شهوةُ أسماك القرش ..

خشخشة عظام الغرقى ..

وسنارةٌ عالقةٌ في جوف الحب الثمين

الحب الأخرس

المنطوي كرسالةٍ ورقيةٍ في زجاجةٍ معتمةٍ

محكمة الغلق تطفو على هدوء السطح

تحت حمرة الشفق ورقص الظلال والدلافين

لا يقرأها البحارةُ

ولا تلتقطها البجع

غاق غاق

الغربانِ تخدش وجه اليابسة

والنخيل يمد بصره للأعلى

في الأعلى

ثمة حبٌ يطيل التأمل في موجةٍ ضالة

حبٌ معلقٌ من لسانه

يحدق في العاصفة

يحدق فيه قراصنةٌ بعينٍ واحدة

يُنَظِّرون :

الحب شعورْ

شعورٌ ينبثق من أعماق الخلود .

نجود القاضي

شاعرة من اليمن
زر الذهاب إلى الأعلى