السابعة
الثانية عشرة منتصف النهار، جلسة طارئة، عادة ما تُعقد هذا الجلسات لأمر جلل لم أكثرت بها. عدت من المدرسة منهكة، يوم دراسي ممل وشاق، كأنهم كانوا على إتفاق معلم اللغة العربية والقرآن والرياضيات، كان عنوانهم “تسميع ” يعني ” الجلد من طرف ” أنا من بين الذين يحفظون كل شيء خشية الجلد نلت لقب ” جبانة، الجبن أهون من الجلد في فصل الشتاء. وضعت حقيبتي في مكانها المعتاد داخل الخزانة الخشبية التي صنعها لي شقيقي الأكبر كهدية لتفوقي في العام الماضي، لم يكن باب النجار “مخلوعاً” كما يقال، أخي خصص لكل واحد منا خزانة تكفي ثيابه التي تعد على أصابع اليد.
بعد وجبة ” النص ” المعتادة ، بدأت في البحث عن الطشت والصابون لغسل ملابس المدرسة قبل البدء في حل الواجبات، سحبتني أمي من يدي وهي تقول:
_خليكِ من الهدوم دي هسي في موضوع مهم.
لم أكن أرى أيّ موضوع أهم مما أنوي فعله، تبعت خطوتها ،كنت أسمع أصوات لم أميز ما يقولو ، تساءلت ما الأمر ،ابتسمت و قالت: ما ده الموضوع ذاتو العايزة أكلمك بيه.
لم أكن أفهم ما تخفيه خلف ابتسامتها تلك، قضيت ذلك اليوم أفكر، الطريق إلى الترعة مع الفتيات لجلب الماء أو لغسل الثياب، السباحة لساعات، اللعب ليلاً على ضوء القمر، صديقاتي في المدرسة، المدرسة والمعلمات، الحقيبة وبعض الأحلام التي بداخلها، مرّ كل ذلك على عجل، ساعات من التفكير المتواصل، لم أستطع استيعاب ما قالته..
الخامسة فجراً سمعت صوت خالتي وهي تطلب منها أن توقظني؛ يا الله لماذا تطلب منها ذلك ووقت المدرسة لم يحن بعد؟؟ لمسات يدها على خصلاتي كأنها في ذلك الوقت تعتذر، شعرت الذي لم تستطع قوله، المحبة التي تخفيها في الشتائم شعرت بها في ذلك الوقت مختلفة كأنها لم تكن هي ذاتها، لم أكن أنوي التحرك حتى لا أفسد تلك اللحظات ربما لن يحالفني الحظ بها ثانية، نهضت بعد إصرار خالتي، ماهذا كورة من مديدة الدخن بالعطورن!! وأخرى بالحلبة!؟
أي فخ هذا؟ لم يكن الوقت مناسباً للتساؤل أبدًا بالنسبة لهن،حفرة الدخان بانتظاري، جهزن كل شيء ولا سبيل للرفض، تذكرت ما حدث لابنة عمي التي حاولت الرفض، نالت نصيبها من الضرب حتى كادت تقطع النفس، أخشى الضرب كثيراً ، ذلك الخمسيني الذي يتحسس لحيته للتو وهو يستقبل التهاني بخطبته السادسة، طلق ثلاثة مرات، وفي عصمته اثنتان منهن بلا ذرية والسادسة فقدت أسنانها بسبب لكمة نالتها منه بعد أن قالت ما لا يستطيع أحد قوله، معروف لدينا أن الرجل لا عيب فيه، قالت ما يتحاشى سماعه. السابعة ذات الأربعة عشر عاماً التي هي أنا، في ليلتها الأولى، كانت ليلة تشبه العاصفة وربما هي أقرب للبركان، كان رجلاً ضخماً جداً، لو أن طيراً اقترب منه لسقط ميتاً من رائحته، له كرش كأن أطفال القرية كلهم بداخلها، كان يجب عليّ فعل ما لم تستطع الأخريات فعله، زينت المنديل بدمه.