غوايات

اللوحةُ الحاديةُ عشرة للمدينة وهي توغل في العراء

نحو محمد محي الدين وهو قد رآها تخرج من النهر عشر مرات

المدينةُ وهي مبللةٌ بالندى

مكللةٌ بالهدى

نضاحةٌ بالمطائبِ

ممراحةٌ بالعجائبِ

بالنهرِ والسحرِ والشعرِ

 قد وَدَعَتْك

هي الآن عاريةٌ في الثياب التي لا تريد

وراعيةٌ للغيابِ الذي لا تريد

وجاريةٌ لا تزال تَعُدُ السياط على ظهرها

كي ترتضي بالجلالاتِ زَيَّاً

بالضرورةِ في الفِقهِ رَبطَةَ عنُقٍ

لتثملَ ديناً

أتانا بهِ الربُ كيما نُفيقْ

المدينةُ قد فرَّ أبناؤها

وخَلُّوا حبيباتِهم والمساءات في شارع النيل

فرَّت بشاشاتُهم

والعناق القديم

حيث يلاقيكَ من ليس تعرفُ

وهو يحدقُ في وجهك المدنيّ احتفاءً

برائحة القطنِ طعم الجزيرة

بالنيلِ يلثمُ ثغر الرمال

يلوّحُ من موجهِ المشرئبِ

لمحبوبةٍ جامحة

لها أن تتوب

لها أن تؤوب

تتوبُ من التيهِ عما قريب

المدينةُ خرَّت بناياتُها

والحواري تغيّرُ سُكانها كل يوم

ومشروعُها آثر الصمتَ وهو يناقشُ أمواتَهُ والبَوار

بالمحالجِ غارقةً في الصدأ

بالسنابلِ موغلة بالرياحِ

وتستقبلك هكذا عارية

في الثيابِ التي لا تريد

هكذا راعية للغيابِ الذي لا تريد

هكذا جارية للسياطِ التي لا تريد

المدينةُ ليستْ كما قد رَسَمتَ ملامحَها

ونَحَتَّ لها النيلَ خصراً

لتخرجَ من مائهِ ثورةً من شَبَق

المدينةُ صارتْ عراءً

وصارت صلاةُ الضحى فرضَ عينْ

يُصلونَ بالمايكرفون

يدفعُ الجائعون الزكاة

إقاماتهم في الوطن

والمدينةُ صارت هباءً

كما لم تكُن

الشعرُ يبدأ يا سيدي من هنا

ولا ينتهي

وما قد تَبَقى بكأسكَ

حينَ ذُهِلتْ

يُدينُ المساءَ وحشرجتي والغناء

فدخّن لُفافَتَك المنتقاة

تَنَفَس معي من دخانِك واسكب

تفاؤلك القُزحيُّ بكأسي

ودَعني أنام

دعني أنام

مُصاباً بهذا الدُوارِ اللعين

وهذا الفصام

هكذا والمساءاتُ تسجنني في الفراغ

وأقنعة الميّتينَ تغازلُ وجهي

فهل في الفراغِ حياةٌ

وهل في الرحيل عزاءْ

أنا والذي لا يكونُ

 اتفقنا

عرفنا تفاصيلَ هذا النشيجْ

وصُغنا فكاكاً يحيل اشتباه القنوطِ

اشتباكاً

جَلَسنا نحاورَ لوحاتكَ الدافئة

نصطادُ ما قد تيسّر منها

ونرجئ ما قد تبقى علينا من البرد

لليل

والمعطفِ الحالماتُ نوافذه

في غضون الشتاء

الشتاءُ الذي ليس يغفرُ للدفء

أنْ قد تسللَ بالمعطف الساجداتِ نوافذه

في صلاةِ الشتاء

والشعرُ لا ينتهي

والقصيدةُ في غُبنها لا تزالُ

ولا تزدهي

والبذاءةُ ماكثةٌ في العراء

في الهواء

في النقاء الذي قد تكدّر

العمامةُ تخنقُ رأسَ المسيح

الذي كم يصيح

ويبكي

بطولِ الذي قد تقاطرَ من دمعهِ

وأنبتَ من تحتِه لحيةً سافرة

وأنبتَ في جرحهِ عشبةً

لا تداوي الجريح

هكذا والمساءات لا تنتهي

والبذاءاتِ لا تنتهي

والمسيحُ ينيبُ إلى الله:

خُذني إليك

هلِ النارُ يومَ القيامة

أم القيامةُ قد فاجأتها طقوسُ البكورِ

فقامت هنا

هل الشعرُ صوتُ الذين يجوعون

أم عاد حيثُ يُريدُ الخليفة

هل الليلُ قد قال ربّي لباسٌ

أم الليلُ باتَ احتفاء الجنود

وهم يطلقون الرصاص

أنا والمساء وما قد تبقى بكأسكِ

يا سيدي لا نوافق

دعنا وأقنعةِ الميتيِّن

لنفصلَ بين المماتِ

وبين البقاء

والشعرُ لا ينتهي

الشعرُ لا ينتهي

كُتبت في ٢٠٠٠م

زر الذهاب إلى الأعلى