ثمار

جهنمية

تقرير : فايز حسن

للفنون دور مهم ومؤثر في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمعات وتمليكها الأدوات التي تمكنها من إدارة التمايزات الإثنية والثقافية المختلفة واكتشاف الآخرالمختلف، كما أن الفنون تعتبر لغة يمكن من خلالها التواصل مع مجتمعات مختلفة جغرافياً وثقافياً؛ كما يمكنها أيضاً توحيد الرؤى المتباينة حول قضايا وهموم مشتركة وإحدى أهم هذه القضايا هي الثورات.

للفن تاريخ حافل ومثمر مع الثورات والمتأمل لمسار الثورة الفرنسية سيتعرف على الدور الكبير الذي لعبته الفنون في تلك المرحلة المهمة من تاريخ الأمة الفرنسية، وكذلك لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ننسى مساهمة الفنانين الأوربيين في التأسيس لأعظم ثورة معاصرة فيما عرف بعصر النهضة الأوروبية.

عقب انتصار ثورة ديسمبر السودانية وإطاحتها بنظام الإنقاذ الديكتاتوري الذي شهدت الأمة السودانية في عهده حالة من الجهل والظلامية والتدمير الممنهج لكل ماهو فني وثقافي؛ انتظم الشباب في أجسام ومشاريع فنية وثقافية إيماناً منهم بأن التغيير الشامل لن يحدثه فقط إسقاط الحكومة ولكن بمواصلة العمل على تشكيل الوعي الجمعي للمجتمع وتوسيع دائرة الفعل الثقافي ستصل الثورة لغاياتها في خلق ذاكرة ورؤى مشتركة للأمة السودانية.

هديل بنداري، إيلا منعم، وشيماء عباس ثلاث بنات سودانيات يعتبرن امتدادا لنضال المرأة السودانية عبر الحقب المختلفة وتجسيداً لمقولة “صوت المرآة ثورة”، قبل اشتعال ثورة ديسمبر كان لكل واحدة منهن حلمها الخاص في تأسيس جاليري يمكنها من خلاله تقديم أعمالها الفنية للعالم؛ ولكن كما وحدت ثورة ديسمبر كل السودانيين تحت راية “تسقط بس” أيضاً وحدت أحلامهن الثلاثة في حلم أكثر تجذراً ومعاصرة فكان ميلاد “جهنمية” المشروع.

جهنمية آرت جاليري منصة تهتم بالفنون والأعمال اليدوية وتهدف لنشرها لتكون متاحة لجميع فئات المجتمع؛ كما تدعم أصحاب المواهب والمشاريع الصغيرة في تطوير مشاريعهم وتوفر لهم فرص عمل ومساحات لعرض أعمالهم.

يحتوي المكان على كوفي كورنر وجاليري لأعمال الهاند كرافت، ووتر كلر، ريزن، مكرمية.

به أيضاً “الشماعة” وهي غرفة مخصصة لعرض الأزياء المصنوعة بأيادي سودانية.

Friends وهي غرفة مجهزة بكل سبل الراحة ومخصصة لعرض الأفلام.

bee room غرفة مفتوحة لتدريب الفنانين على كل أنواع الرسم والهاند كرافت.

تنظم جهنمية العديد من الفعاليات الثقافية والترفيهية وتعقد ورشا تدريبية مختلفة بصورة مستمرة منذ افتتاحها في مطلع العام 2020.

نظمت جهنمية في سبتمبر ورشة تدريب مهني لمجموعة من الشابات النازحات من مناطق الحروب واستمرت الورشة لأربعة أيام تخللتها مجموعة مختلفة من الفعاليات، حيث قدمت الاختصاصية النفسية إسلام عبدالرازق محاضرة تحفيزية وجلسة دعم نفسي للمتدربات.

كما شاركت في الورشة كمدرب الفنانة ميادة الحسن المدير العام ل “قرنفلة هاند كرافت” وقدمت للمتدربات تعريف عن الكروشيه وأساسياته، ودربتهم على عمل نماذج من الكروشيه وابتكار مشغولات مختلفه منه.

أما إيلا منعم وهديل بنداري فقدمتا للمتدربات تعريفاً بأدوات ومواد صنع الإكسسوارات، أساسيات صنع الإكسسوارات، التنسيق والألوان، وضع المشغولات في شكلها النهائي.

في اليوم الختامي للورشة أقيم معرض عرضت فيه المنتجات التي قام المتدربات بصنعها خلال الورشة ولقت المشغولات الإشادة والاستحسان من كل الجمهور؛ كما تم تمليك كل واحدة من المتدربات أدوات لصناعة الهاندكرافت والإكسسوارات كل حسب رغبتها؛ هذه الورشة كانت بدعم من مؤسسة عديلة.

تقول هديل بنداري وهي واحدة من مؤسسي جهنمية آرت جاليري كما أنها أيضاً طالبة في السنه الأخيرة بكلية الطب وفنانة مشتغلة في حقل الهاندكرافت وصناعة الإكسسوارات والفنون البصرية الأخرى:

كما هو معروف عن تفجير الثورات للفنون جهنمية هي ثورتنا الخاصة الصغيرة والتي ولدت من رحم ثورتنا الكبيرة ثورة ديسمبرالسودانية؛ اندلعت ثورتنا الصغيرة بعد توديع السودان لعهد بائد ساهم بشكل كبير في انحسار الفنون وجاهد بشتى السبل لمحاربتها ولكن ها نحن كطائر الفينيق انتفضنا من تحت الرماد وحلقنا في سماء الخرطوم حرية وجمالاً.

جهنمية هو معرض للوحات الفنانين ولكل أنواع الأعمال اليدوية التي إن استمر الحال على عدم وجود سوق لها ستندثر؛ كما أنه أيضاً ركن ثقافي للاحتفاء بأغانينا وأشعارنا من مختلف بقاع السودان والذي هو غني وثر بالتنوع. أيضاً هو مدرسة لتعلم كل ما يمكن تعلمه عن الفنون كما أنه أولاً وقبل كل شيء هو متنفس لنا نحن كفنانات سودانيات شابات وناشئات في مجال تطوير أعمالنا.

الاسم جهنمية له رمزية خاصة وهي شجرة الجهنمية التي تزدهر بكل الألق والجمال وتزين بيوتنا؛ في مكان صنع منه النظام البائد مكاناً يصعب العيش فيه جاءت جهنمية آرت جاليري لتجعله مزهراً بعد ثورة مجيدة، لذلك نأمل أن تساهم جهنمية في تطوير حركة الفنون في السودان والتي قد عانت من التهميش والعطب لفترة طويلة جداً.

من الآثار التي أحدثها المشروع وقد رأيتها بوضوح من خلال متابعتي أنه قام بتوفير مساحات عرض بأسعار مريحة وفي متناول اليد للكثير من الشباب أصحاب المشاريع الصغيرة والفنانين الذين يبحثون عن معرض دائم لأعمالهم كما شجعهم هذا العرض على زيادة الإنتاج وحفزهم للعمل.

جهنمية عمل على خلق مجتمع للفتيات اللائي يمثل لهن المشروع ملاذاً ونمثل لهن أنا وشريكاتي قدوة ومصدر إلهام؛ مجتمع تجد فيه الفتيات مواضيع مختلفة حول اهتماماتهن وتطويرهن لأنفسهن وصنع نساء قائدات ملهمات وقادرات على تجاوز كل التحديات وخلق التغيير.

زر الذهاب إلى الأعلى