غوايات

الجمال لحظة

الجمال لحظة؛ كما يقول صديقي.

اللحظة التي تمر فيها فتاة جميلة، والصمت في حرم ذلك جمال هو ليس بصمت كامل، بل نصفه تأمل ودهشة، أو ربما افتقاد لكلمات تناسب اللحظة.

هذا ما اتخذته موقفا لي وأخذت انطباع الآخرين تعبيراً عن ما سوف أختزله وأمجده للحظة هكذه.

بلا مس وأثناء مروري بأشهر شوارع الخرطوم كانت تسير فتاة  تبدو جميلة؛ لكنها تخطو مسرعة للحاق بشيء ما، وكذلك كنت أهرول خلفها – باتجاه يخصني لا مجاراة لمشاكستها-، رغم أنني لم أر ملامحها لكن لمسته في أعين من عبَرَتهم قبلي. في ثرثرة نساء كن يجلسن عند اإحدى المساطب. في همس فتيات مرت بهم. في التفاتة صبي “الورنيش”. في تحديق رجل مسن كان خارجا من “صيدلية” . في دهشة مجموعة شباب مصطفين للحاق بوظيفة أمام “مكتب سفريات واستخدام خارجي”. في قهقات “ست الشاي” . وما عكسته مريا السيارات وازدحامها التي هدأت كلها أمام إشارات وجهها.. وهي تحاول العبور بينها.

كنت أتلفت وألتقط من أعينهم وكلماتهم  اللحظة المشعة بالجمال الفاتن، هذا ماجعل المسافة بيني وبين اللحاق لرؤية وجهها مستحيلة، وهي تتمايل -بجسدها الممشوق -أو منحوت كما يصف صديقي الفتيات الجميلات الأنيقات- بين السيارات المتكدسة أمام الضوء الأحمر.

حاولت أن أسرع خطوتي، وألملم في نفس الوقت ما خلفتهُ من بريق وهالة في المكان، لكنها ذابت بينهم كفراشة ابتلعها شعاع الشمس القائظ، بين زخم المدينة الذي لا يعرف الرأفة، مخلفةً ظلا كبيرا نزع سطوة الأشياء، وداهم شبح القبح الممدد في أخيلة الجميع. ظللت أُردد :

– لا شيء يساوي جمال اللحظة.

على هذا بدأت أقتبس مما أودعته في المكان من هدوء وضجيج؛ وصف شيء منها؛ من ملامحها، عيونها، خصلاتها التي تصارع النسيم، شفتيها، أو ربما غمازات تكتنز عتمة، وخد بَرَقَ وخطف ألباب العابرين والجالسين على الرصيف.

وكأنها نقشت على الوجوه ابتسامة وحديث يعبئ ويلون الطريق.. الإسفلت.. إشارة المرور.. والبنايات الشاهقة التي ربما اانحنت لذلك، لكني لم ألحظ لشيء :هو أني نسيت إلى أين أتجه، وما أقصد من مكان، وأمر خرجت مبكرا من أجله.

زر الذهاب إلى الأعلى