غوايات

رسائل النوم

“أرغبُ في أن أكون الليل، لأرى نومكِ بألف عين”

شاعر مجهول

(1)

يا حَقلَ الرقة أنتِ، يا معجزة تتحقق، يا مُطفِئة كل ضوء محتمل بنومتك، أنا أحوج ما أكون إليك، إلى ضحكتك الموسيقى، وعينيك السهام المنطلقة إلى نقطة قصية في داخلي.

سأنتظر صوتكِ في أي لحظة بعدما تستيقظينْ.

(2)

يا رئة تنفخ هواء الوجود فينا لكنها نائمة، يا ربة متوجة على عروش القلب كلها، يا نداء السكينة المراق في تجليات الذات على مرآة السماء، يا سابحة في نهر هو الليل، يا مدركة لتصاريف الوقت، يا حذاقة الماء الكامن في التمر، يا ضوء منثال من أرقي إلى الآخرين، يا المذاق الخالص للوجود، يا سفينة مبحرة بشراع وحيد هو التجربة.

(3)

يا لعذوبة الأيدي التي أبدعت طينك، يا العيون التي أود لو تعيريني إياها حتى أرى العالم من خلالك، يا ظمئي السرمدي للارتواء من فراديسك، يا شعاع مسبوك من ضوء الرِقة، يا الكمال الباعث أسراب من النسور تحلق في البال، يا مدى الرؤية وعين اللون المتحقق في ابتسامتك الحقل، يا أخضر أيامي، يا يانعة في لحظة النضار الصافي للحياة، يا مصيرة إياي نبعا من الدهشة.

(4)

تُعرفينْ الشارع بما تمنحينه من نظر، بالمدى الناشئ من عينيك، ثم تمسدين المسافة كلها بحنو أشبه بتحليق ريشة منفصلة تواً عن جناح طائر، فنكون ما تخلقينه من تصاوير للكون، ما تخبئينه من معانً في ذهنك، هو نفسه المتعذر قوله، المتسامي على حدود اللغة، هو المعنى المكتمل عندك، الذي تعبرينْ عنه بالصمت المهول، وأحياناً نادرة بأصوات أفهمهما جيداً؛ على شاكلة ال “أنو” أو “أممممم”.

(5)

لليل فاكهة، وللفاكهة طعم لذيذ، لاذع يتجلى في شفاه البنت، البنت المانحة إياي شهدا يقطر من خلية مخبئة في ثنايا فردوسها المجيد، الماسحة ضباب متكاثف حول روحي المهجسة، البنت الصاعدة مدارج الاخضرار وهي تغني لحن النشوة؛ محيلة الطين كله إلى أهوال فادحة، يحجبها البنفسج.

(6)

ما نأخذه من حصالة الوقت، ننفقه سخياً – أحدنا على أحدنا – هو عين العطاء والمنح، كل متعة تصيبنا من فكرة حضور الآخر، ونحن نرمقه في لهيب مستعر، والتقاء النظرة بالنظرة في صعودنا وهبوطنا أدراج التجربة، التي تذهلنا بإمكانيات ما كنا نظُن نبلغها، التجربة كاحتفاء بثمار طيننا، كتجاوز للا معنى الأشياء الضاربة طوقاً من الكآبة حولنا.

(7)

تقيمينْ مهرجانا من الجفون المغمضة، تشعلين عتمة تطوق كل المستيقظ من كائنات قد تبصر، في باحة الذاكرة حيث ما أنتِ دائماً بوشائح من كؤوس عطر مغلقة، من الارتباك المرتجف لأنه في يديك، من المذاق المتطلع ليسري في شفاهك، من سنارة الانتظار؛ تأكل عقاربها لأنها تحسب خطوك لكل الذي تحول، وصير نفسه شارعاً لكِ.

ثم تمضين في نهرك الظهيرة، قاصدة الخفة في مشي مهمل الخطوات، هذا الإهمال يوخز الانتباه فيّ.

مجاهد الدومة

كاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى