غوايات

أَيُّهَا

فإنهم:

يقعدون، على المشتهى حانقين، برغبة في الكمال وبهاق العظمة.

إنهم أصدقائي؛ طالما اختارهم لي المكان.

بداخل كل منا مدينة، مكان يشبه الماء، إحداثيات تتغير مع بوصلة العدم المتحول كل حينِ التفاتةٍ خضراءَ صوب خضرةٍ تمر عابئة بمن لا يمر.

كلهم أصدقائي في مماكناتٍ لا تضلُّ إلى الهدف.

يقولون ما يجيء عابراً، مثخناً بالاستخدام: أصدقائي القتلة، ناحرو الوقت، صحبة الرعب من عريهم، فحول اللغة الهشة، الذاكرة المنخورة بالغناء، ولولب الآدميين.

على المكان الذي فيك، يجلس الهدف، التساؤلات عن أصل الأصول، عما يحرك القدرة، وما يجعل شجرتك تتحجر إذ تمسها المدينة.

وكأنني من ماء جعدته تقطيبات مدهوشة بالماء، بسريان التيار الأسود اللذيذ إذ تتقشر طبقات الرؤية، فتجلو بازلاً مخفياًفي طيات اللغة ناعسة الجذور، ومنتبهة الحاجة للتفرع.

أتقتل اللغة ولداً يتخلق في الطريق الميت خلف العقل؟

اللغة، يا لوليد المدينة الشيطان.

ترسل المدينة غوايتها أولاً: لغتها، لسانها الغني بالضوء ليغطي بصيرة فجة، ليغملك، ينضجك بالسحر، بضجته، تلونه الميت، فتركض خلف أغنية المدينة، وتسقط الأماكن الصغيرة من جيبك، تحتل المدينة ما يتبقى من منافذ للهرب.

أيها الوجود العرضي، إنها المدينة، كنيسة جاليليو، وخرافة الجهات.

ثم..

ضد كل شيء، يبدأ الشيء، يُسمى، يندرج ضمن أشياء ليست ضد شيء.

ضد كل شيء، يجعل الغريب مقامه واحداً يتعدد، ضد اسمه، ضد غربته، ولكن..

تعرف الغريب من رائحة ضحكة في طيات لونه، ضحكة لا تسكن مكاناً بعينه، هي مسافة سيقطعها الغريب، تاركاً في كل ثنية من غربته أثراً ما.

تعرف الغريب؛ حين تعرف المدينة. بينهما حلف الدم للدم، وما يُبقي المدينة كوةً للغربة، ما يجعل الغريب مكاناً لذاته.

أيها الغريب النظيف، إنها المدينة، القريب منها مُدان.

أيها الغريب الطفل:

مثلما يرتد طرف المكان إلى صدى المكان الذي فيه؛ يكون البشر.

مثلما يرعب الظل النهائي المسمى الليل؛ تكون الوحدة.

مثلما يسقط طفل ما، في غواية ما، لسبب ما؛ نتعلم كيف تبدأ الأشياء، لكننا لن نتعلم كيف تنتهي، ولا كيف نجعلها تسير.

أيها الطفل الخبير، إنها المدينة، مَضْحَكَةُ الصغار في المملكة، مِضْحَكَةُ المملكة للصغار.

فلأحدثك إذن:

اغتلامٌ كاسرٌ يُنجي من مساءلاتٍ مودية إلى هلاك. اغتلام المدينة بمن هو دميتها، المدينة الشريرة ذات العرش الزاجِّ فيه كل مقترب. المدينة المغتلمة باغتلام من ينامون على صفحتها، ينظِّرون عن التوجس وذاتٍ تغترب في وجعها، إذ المدينة وطن، البلاد التي تقتل لونها كما تُقتل لمبات الجاز، والنار الرمادية، وحفر الطلح، يكون للناس ما ليس للمدينة: مقعدها على خيال المستنعسين لها.

أيها المغتلم الشَّبِق المُستَضرِب، إنها المدينة، خيال كل عنين.

أيها القانص، المقنوص، إنها المدينة، الروح الشاذَّة، والهدف الضنين.

إنها مملوكة الـ لا أحد.

وها الأصدقاء يتسلون بحيواتهم وأنا وحيد.

الأصدقاء يبهتون، تتشقق بورتريهاتهم المحقونة في قواميس الباطن، الباطن يستلذ عتمته، رطوبة ما يخفي الذي هو ليس باطناً، أقدامه المشعرة تتحسس وجه الجدوى لتدرك ألَّا جدوى من النزوع إلى الجدوى.

حين اكتمال الدائرة؛ يسقط أول ما يسقط صديق قديم اصفرَّ قبل أن يهوي إلى حيث الكنايات، يسقط الصديق وتبقى ندبة خلف الأعين التي تراه خفيفاً خفياً في الزمن، حين ذكرى تهبّ بلا دفاع، تهاجم ما تآكل من مخزون الأصدقاء.

الأصدقاء كتمة سرٍّ لا يقال، يذبلون به، يسقطون به، يسمِّدون به الذاكرة فلا ينبت صديق جديد.

الأصدقاء أغنية عبرت التوهج الأولِّي لتقذف جيناتها فتصدأ الرغبة قبل اكتمالها، يصدأ الخليط.

هي مجازفة مباشرة، أن ترين على أصواتهم فجاجة مباغتة، أن ترى بهم كيف أنت تسير.

الأصدقاء تكرار لا يعلِّم، وفاء محدود الصلاحية، ارتباط يدشن لارتباط قادم وقد لا يجيء.

وما قول الطائر؟

قال ابتهج. طائرٌ وُجد فقط ليقول ابتهج.

الطيور على أشكالي تقع، الطيور التي تشبه الأصدقاء حين يقولون فيما لا يجوز القول، ويصمتون كطائر حين يكون القول منجاة من التحليق خلف مفاتنَ عمياء من وجهة ما يسير إليه الغراب.

قال احتفل. واحدٌ وُجد ليقي مَنْ يتعثرون بوحدتهم وسط زحام الجنائز؛ عثرةً قد تقود من الجحيم.

لا تكن كـ… بل كن كما… ذلك أنّ… كلها تأتآت تُظلُّ من لا ظلّ له إلا الظلّ الذي يتبعه، مثل عبثٍ أيديولوجي فَطِن؛ تتدفق أمعاء الفراغ من ألسن حكّها سنان الغرض.

للأصدقاء غرض، كما للساعة الثالثة. ثمة ساعة ثالثة، يُفعل فيها ما لا يصح أن يُفعل في الساعتين قبلها، الساعة الثالثة: التأهب. والساعة الثالثة: القلق.

إلا حنيني.

حنيني لم يخالطه حنين قديم، حنيني آنيٌّ لا يفك شيفرة أن أحداً ما يقترب، يلاصقني، يكتم أنفاس الحنين إليه.

للأصدقاء رائحة أولى تغري، مشهد وزعت إضاءاته لتعطي مناخاً استوائياً بلا شمس، وبلا ظلام كذلك، فقط الرمادي والخضرة والصديق، عناصر سيئة النية تمهد لانتكاس قريب يجعل الأشياء حاذقة أكثر، اللغة مجوفة أكثر، والبحث عن السؤال جميلاً كما لوكان البحث إجابةً.

للأصدقاء الرفقة المبتردة في ضوء تصنعه الكيمياء، مشاكلهم ألعاب ملونة، ضحكهم ساتان يطرز ما ارتديناه من غمغمات تقول ولا تقول.

الأصدقاء الذاهبون ملائكة، الأصدقاء القدامى خندق من التناقضات اللذيذة، غير أن وقتاً يمضي يمسح بالرماد الصور، لتبقى قوانين المضي غافية عن تفككهم إلى ذرات من شظايا الجهات.

ثم ضدي.

يا ضدي، يا ضد صوتي المختلق.

يا حمأة الطين الأولى، يا طينيَ المهتوك بالمنطق واللوثة العمياء والقلق.

يا لعبتي التي لم أكملها، التي لم أجعل لها ظلها، ولا مرآتها العوراء مني، يا التي تركتها على الدرب ذاته لا على المفترق.

يا قملة الوقت، حتّام ترضعين ما أدسه للغائبين؟ وأي مسلك يفيقك قرب كهفك القديم، يبقيك في الملل الطاهر لمبةً تتكسّر كلما أتاها ذعر الكمال، تحيض ثوانيَ في قماش البعيدين تحمل أثر الذي كان غيباً أو يكون.

يا الأصدقاء فجاجةً، من تعبرون إلى سحاب العقل خلفه..

من ترجُّون ضجري بضجري، تربتون على فم هذا المفترس:

إنني وحيد كما السنبلة في حقل السنابل.

.

.

.

الأصدقاء دم المعدن المستفز: الحياة.  صدأ غابات الريبة المتساقط ليصنع أرضاً من كوابيس القصص وبلاستيك التنفس قرب آخر يحلم بلغة أخرى، ويقطِّر في حلق وحشتك أفيون ذاتك. الأصدقاء دخول فوضوي إلى مساحات ليست جديدة، شجاعة الصوت العالي، التعري بخجل خفيف، الاهتمام بغيرك بغير اهتمام.

الأصدقاء جدوى ناقصة.. وكدمة على  زجاج عبورك نحو السبات الأخير.

خلا أننا:

كنا كلنا ضد المعنى، نحاول الوجود بصبرٍ صبي.

حين لا ذهول، تعرت أكفاننا عن حيوانات ومواقد لم تنضج فيها الرغبة، وآلات وترية حسية، ومسابح من عيون الموتى زجاجية الرائحة. أحدهم في مجهول الحركات التي تؤرقه، حين يركض نحو ما يحبه الكائن الرابض على الأقمصة الضرورية التي يرتديها؛ بدا كجملة اعتراضية طويلة في المكان، تبعته مخلوقات ظله التي يجرها خلفه، وهي تهتف ضد وجوده المضاد لاستقلال الظلال.

يسخر الروتين من هجوم الملل على تكويننا البسيط، فنشعل سجائر النشاط كريهةَ الافتعال.

قلنا للولادة العسيرة: أين الدماء؟

فغافلتنا أنفسنا وحدث الهرج والهروب نحو جبل الكائنات اللذيذة.

قال الجبل: هل تدفعون الثمن؟

قال ظل الجبل: هل تدفعون؟

الفجور الذي ظل قريباً يطأ كبريائه، وجد السانحة. الإحلال والإبدال والسخف الذي يرتدي الرؤوس والماء الذي هو سرٌّ متعلق بتجاهله، النار والكيمياء والنجوى والأفعال الخارقة، كلها وقفت ضمن طابور طويل للتدرب كيف تصير قابلة لإمكانية الدفاع عن مبدأ واحد.

ما تحمله ذاكرة وردة، اختزان كامل لأثر أقدام النحل والفراشات والرغبة في الثأر من لصوص العصارات وحبوب اللقاح.

ما تحمله ذاكرة وردة، ملمس الأيدي التي بيدها تقرير القطف من أجل إفراغ الحيز من وجودٍ خامل ولا ينتج سوى الرائحة.

ما تحمله ذاكرة وردة، تاريخ من العنف العاطفي.

ولكن:

العلقات البسيطة التي أضاءت مناطق مغطاة عمداً، أشارت بأصبع مخضبة بالهرمونات نحو الشرك الخفي والمتفق عليه بين الأحرف الثلاثة، التي شكلت بينها حلف الدلالة الصوتية عن العيب والسترة والإيماءات.

من يدي جرني السجع مخبراً لي عن خلل الإيقاع الذي يتجاهله ذوو الأمر في معضلة التعريف، خيرني بين حالين من الغفوة والخروج الجديد.

مطلق الأمر، إن ما بينها أو بينهن في قول، افتراضات غائبة داخل دخان الممارسة، ما يجعل القراءة جنساً من الجنس، ذاته ما يجعل التغطية جنساً خارج المؤسسة.

اللغة، إذ تحتوي على حرف رئيس من أحرف الغواية التي تصنع النشاط في غدد الاتجاه نحو فعله الثقافي القديم، تأخذ ما يجب أن يكون من نصيب الباذلات من الأحرف الهزيلة في مؤخرة الترتيب الهجائي. مثلما فعل التأوه، يرتب الإحالات الخيالية نحو الجنس أولاً ثم بعد ذلك نحو الألم، كذلك تفعل اللغة بأثرها الصوتي المغوي والشبيه بالإثم.

أحببنا فعل ذلك، في الجينات المقموعة رغبة لا تطال ثوبها لتظهر خلف الشفائف الباردة للنار ذات البرتقال المخبأ، البرتقال الذي جعلها مؤنثاً دون تبرير يحال إليه من لدن خالق اللغة الأرضي ذي المنطق الحاجل في توجسات أن ينسل سحر الحرف ليعرفه الدهماء ويعرفون به.

شيفرة الدهن، الأنسجة العضلية للثنائيات، كشف جينات الحسو من البعض وفي البعض، إذ تقترب الكلمة من بضع ومن بضاعة ومن كلمات أخرى يستعمرها الظاء لتصبح داخل الكلاسيك السردي لنوادر النحاة والمتفحشين.

مداعبة خشنة قبل أن يقول لنا الهواء: جعلتموني ثقيلاً. يقول الوطاء: جعلتموه فوقي. يقول المكان الرمادي: أنا البلاغة كلها والزجاج.

شيفرة الدهن: استدارة.

شيفرة العضل: المفاصل.

بينهما: عراك الخيال.

قل لو كان الصديق كما غادرته إنجليزياً يحتاج نسقاً كيما يُترجم فيك، إذن لتعثرت الكائنات التي ترانا ولا نرى منها غير موتها إذ يختل به ميزان الفناء لصالح الولادة.

شيفرة الدهن: التأله القريب من التأوه الذي هو بنت خال اللوعة.

فليكن:

الصوت، الصوت، الصوت. الصوت الشانق، الصوت الشانق، الصوت الشانق. الصوت الشانق للإثارات التي ترتدي اللحم. الفم للحم، اللحم للحم، اللحم للفم، الزمن قطة بوهيمية تشاركنا الحليب والمواء والأصل الأولي وترتبك معنا من انفجارات أسماء الأيام وعلاقاتها بالعين والسماع والتصوف المميت.

غنج: صوتان، فجُّ الأيدي للأماكن.

فطام: صوتٌ يوازي اشتعال ما كان مبتلاً ونضوج ما ظل معلقاً على الشجرة بانتظار الاشتعال.

ديالكتيك: غنج/ فطام، غنطام.

التي تتأرجح، وحدة الزمن الفالتة، العصابيات التي تمسك بالأرض، فيروسات الفيزياء الساجنة، عقلٌ ليس واحداً ليبدأ في الانقسام المزاجي البسيط. هكذا بدأنا الدوران في مربعات التطاول على الأعلى بما يعني أننا وطأنا ما يسمى بالموطوء بدلالتين وكناية ومجاز مرسلٍ وبلاغة هشة حد أن اللسان يحكمها.

قالت النصيحة: لا تقف، لا تتوقف.

قالت الفيزياء: مستحيل.

جاءت الفنتازيا بوجه الأعشى وبغوايةٍ تتعثر في مشيها من بيوتنا إلى رغبتنا في الطعام الحرام.

الحرام يرغبه ذو المقام أيضاً.

الحرام حبل يربط ويحل.

فكانت:

بين القلب والفؤاد أودية تتسع لطبعتين من ألف ليلة وليلة. لثعالب وماسحي أحذية وجنرالات وشعراء يمضغون اللبان ومصائب قوم ومساند بلا مقاعد وممثلين للطبقة العاملة ومنشدين في سرادق للمديح وإبرة ليست عارية ورجال بلا خصى وأدباء يخافون العالم ويخافهم الظل وبنات يبعن أرواحهن للمرآة وجسور لم يمر تحتها شيء وأشياء أبديت ولم تسؤ أحداً وباحثين عن الذهب والدفء في أعناق وأرداف النساء وشرطيين يلعقون دماء من قتلوهم بجانب حائط “ممنوع البول” وشراذم تخرج من الروايات العالمية إلى شوارع أكثر ضيقاً وحفلات للاغتصاب والكتابة وأمراء يدقون آخر المسامير ليصنعوا حرباً ونهايات لا تعرف بداياتها وأمزجة تائهة في المزاج العام وأرحام تباع بمكبرات الصوت للعقَّر وملاءات بها أثر الشرف وأغاني حمراء مثل “قنبلة” ومسارح ونواد وبشر وحواف لم تذبح أحداً بعد وسكون ورمال وحمى وسخف ونكات بالمجان وغربة شديدة الالتصاق وقرون من الفوضى ومؤامرات بين الأصدقاء وسفائن تحمل مرض السكر وسعال ديكي وإذاعة مكدسة بالموتى وأنهار تتمرد على الجنة وفضلات تذهب حيث تريد..

إنه نظامٌ كامل ويعمل.. فما أجمل البدء، ما أجمل جسد اللغة، ما أجمل كل شيء!

فلنحرق مرحلة جديدة.

حتى:

ثمة أرض لي في مكان ما، أزرعها قوس قزح، فيثمر شجيرات ألوان.

ثمة حياة لي في حياة أخرى، أعبئ زجاجتها بالمتعة، لا أسمع فيها صوتاً رتيباً، وأرجّها كما أشاء.

كان أواني ينتهي، أسترجع ذكريات لا أعرف إن حدثت أم أنها بقايا حلم نشيط حين خيالي صبي كثير الالتفات.

أسألُني: ما معناي؟ كتلة الكربون التي أُلبسها ثيابها فتقودني إلى دهاليز اليوم؛ ليست أنا.

لا أعرف أناي، أعرف كتلتي، ظلي، صوتي، ولكن من يرى عبر هذين الثقبين هو آخر قد يكون غريباً، قد يخرج ذات ضجر ويتركني على دابتي التي أصارع بها الدواب.

إن كنتُ إنساناً، فربما لا معنى للإنسان.

إن كنت وهماً، فربما أنا لغة.

إن كنت حلماً، فربما أيقظتني يدٌ توقظ من يحلم بي.

إن كنت شيئاً، فهنا المعضلة.

تصنع اللغة كائناتها من معدن المعنى، ومثلما الكلمة كائن لغوي؛ فما تصوره الكلمة، كائنها، كائن لغوي كذلك. إذن، أي معنى خلف المادة؟ وأي مكر يحف بقداسة اللغات!

أيّ قوة تلك التي للرغبة! أيّ غبنٍ ذاك الذي في المكان!

لا أريد شيئاً، بقدر ألّا أريد.

المكان خرافة للخائفين.

ينفجر التاريخ كلما انفجرت رغبة. ينفجر التاريخ حين يمتلئ بالرغبات.

وأنت معك؛ تخاف. وأنت لست معك؛ تحنّ إليك! كن واحداً فقط.

المكان شهوة البقاء خلف عينه؛ ذلك الراصد المريب.

معقدة تلك الأشياء الصغيرة. لماذا إذن نسميها “الأشياء الصغيرة”؟

أنا لا أؤمن بي حتى؛ فكيف أؤمن بغيري؟ لا أحد تتبعه سيغيّر شيئاً.

حين أرغب؛ يصحو الإنسان الذي بداخلي. حين أرغب؛ تصحو العاصفة.

لا أكره شيئاً. فقط يزعجني المسار الصحيح.

أتعرف حقاً من أنت؟ إذن لماذا أنت هنا؟

عدوَّان: البشر والطبيعة. غبيّان: البشر واللغة. خبيثان: البشر وما يصنعون. خطأ واحد: البشر.

يصنع البشر المكان ليسجنوا التاريخ. يصنع البشر المكان لأن البشري يخاف بشريته. يصنع البشر المكان لأن لا واقع هناك.

اقتل الرغبة؛ يظل الحال كما…..

قالوا: أوجدوك. قالوا: عِشْ. قالوا: نريدك. قالوا نحبك. فماذا تقول أنت؟

بين نافذتين يرقد الفراغ الأهم من النافذة. لكنه يظل فراغاً.

بين قافلتين يعيش الزمن. لكن عيشه موته ثانية ثانية.

بين ضحكتين يستلقي الموت كسولاً. فهل يُستعدى الموت؟

خلف كل ستار، إما قبيح، أو مخجل، أو الحقيقة. تُرى ماذا خلف ستارك؟

الأجمل يذهب إلى مرحاض الأفكار.

كل هذا مرهق.. لكن لا سبيل لقتل هذه الكلمة “مرهق”.

لا شيء هناك، فاهدأ.

.

.

.

بالغريزة فقط تسير القافلة. بها تتلون الجهات بما يرضي، وما يسيل له لعاب الرسام الذي هو أقرب من حبل الوريد.

بالغريزة فقط تعبر الكائنات إلى المستراح، تحفظ ما اغتنمته من مزاج وحفيظة أثيرت كثيراً، ولكنة تُظهر كم أن ما يقال ينحرف قليلاً قليلاً ليُفهم.

بالغريزة فقط أُبقيني حياً لأشهد المزيد. بلا رغبة تنتاشني الغرائز المصقولة باللغة، اللوعة، الإشفاق، الرغبة، وغريزة الموت التي تجاهلها الحاسب «سبراً» وضيقاً من اتساع التشاؤم.

بالغريزة فقط يحن من يحن، يحرك ما يركد، يسكِّن ما يطير، يلوك ما يَمَرُّ، ويبصق ما سيكون كلباً أو امرأة أو حماراً أو نجاسة أو ظلمة على الماء أو شهوة في غير محلها أو لؤماً يستبين به أو ليلة تلونها غير النجوم أو منزلة بين المنزلتين أو غضباً يدغدغه الشيطان أو قذارة يتضرر منها الملائكة أو شراً يحض عليه أهل النار أو خطاً أحمر يتلوى حين يراد منه أو مسغبة أتى بها قدر أعمى أو حكماً لم يبصم عليه الوكيل أو غموضاً يُخرج من ملةٍ أو سهواً يجر إلى إثم الابتكار أو دماً يتسلل عبر القرون إلى عروق نقية أو أمراً عُصيَ فمادت الأرض وماجت أو أنا.

.

.

.

كل من غنى تكلم. كل من يسمع إن يفهم تكلم، وإلا أطربته الأغنية.

كل من نادى بكى. كل من نودي لم يجب. وبكى إن أجاب.

كل من عاد ظل يحمل الأوبة في جعبته. كل من آب عاد وإن لم يعد.

كل من فك ضفيرةً في الغيب غاب. كل من غاب في الغيب مضفوراً يغيب.

كل من شق الدروب شقته الدروب. كل من شق الدروب مشقوق الدروب.

كل من قام نام. كل من نام احتواه البرُّ قبل القيام.

.

.

.

تتقطر روحي إلى الخلف.. أحاول حمل ذاكرتي معي؛ علَّ حياة أخرى تصير – ويا لطمعي – حياتين معاً.

.

.

.

اكْتُبْ بقدمك على الطريق اسم عبورك الخارق على جليد الزمن. قل لما لم يتَّحد بالأرض: من هنا عَبَرَت أسئلتك، هشَّ وجودك ريح التوقع جافةً، خذلتك الرؤيا التي لم تصدقها، عذبتك بتناقضات ما انتظرتَ، قبل أن ترى كيف تنسدل مثل ملاءة في غيب الفجائيين؛ غطت ما يمور وما يمكن أن يمور.

اكتب على ورق اعتيادك صورة مستقرٍّ لتنام، مسألة الفيزياء الأولى: وماذا بعد؟ غضون تقليب الأمر، متعتك حين الفراغ فراغ.

قل لصورة الوقت إنك لم تنحدر خلف انفثاءات التجاويف التي فيك، روَّضتك المصاعب قبل أن تحدث؛ قل روَّضك الكسل.

أيُّ ضجر يداجيك في شماعة الخلاء الأولى، حين تَعْرى في عاصفة الشك نحيلاً، يلتهمك اليقين رفَّةً رفَّة، يعشوشب الممر الجديد إلى بداية الدائرة! أنت منك، فاقتنص ما تسقطه مخلاة الأيام، زد به نطاق الرهان، زد به مجال الخسارة.

اكتب بِرِيقِ استيحاشك في كوة الخلق، عن قسوة تكبَّدها الحاكي، عن ضحكة أفلتت خلف صفيح الحشرجة.

إن موتك نفيٌ، فاعتوره بحديث الصاحب للصاحب، قسِّمه حوانيت لا تزوِّد غيرها، باعِدْهُ عن مسلك الكائن لئلا يضجر؛ فإنْ ضَجِرَ الموت فاكتب بريشة المبالاة، بشعراتها المسغوبة؛ أنَّ لوناً لن يراه الورق، قطع رسن خموله عقب أن خمَّره السكون. اكتب أن لوناً آبقاً تسلَّق السماء ثم انسكب، وتسلل في جميع الثقوب.

إن يكن للوقت حاسبٌ، فاكتب أن الوقت محسوبٌ عليك.

موجة الغيب الأولى إن ترتقيك؛ جعلت محذوفك الأول شيئاً لا كالذي في المرآة إذ تنظر، ولكن كمن يظمأ قبل الرحلة.

اكتب: أنا ماعزٌ في الغيب ترعاني التي لن تجيء، فأسقط في نعرة التفاصيل حين أحسب كم تغيب الغائبة.

يا لشرِّكَ! اكتب: حصدتك التجارب الفجة فجاً، طاردك الذي قال فيك عنك، واحتفرتَ معادن الرفقة لكن لم تنتصر.

اكتب بآلة الأثر ممجداً ما يزول: سيرة اندثارك مربوطاً بحبل الذاهبين. قاتلْ حاسة القلب إذ ينبُت تسقيه رائحة في خيال.

إن ليلك مُغتالٌ فلا تَنَمْ، قد يجيء الليل وأنت غافٍ في الإفاقة، في سلَّم العماء باختيارك. اهرب. ترهَّل. تكالب على ما يفيض، ما الحاجة إلا عواؤك خلف القاعدين.

اكتب بعاديتك القصوى، أنَّ طريقاً لا تساوره استدارة، طريقٌ قافلٌ عما يقيك.

.

.

.

الذي أحببتَ: من أثرٍ عليك يفرُّ، يثقل الخطو في درب الإياب.

الذي داريتَ من مطرٍ غريبٍ: دغدغَ المغزى وغاب.

الذي غنيتهُ ما كان في الماضي جلياً: استحال إلى تراب.

الذي مازحت ظِلَّ وجوده الغجري: مات مسجوناً طليقَ الاقتراب.

الذي غافلته لتدسَّ طعم الليل في سرواله: دسَّ في الكلمات قطنَ الارتياب.

الذي قد طار من كفِّ رفقتك الخفيف مداعباً: حطَّ مبعثراً فوق الغياب.

الذي يحرث النسيانَ في القلب صباحاً: يزرع الليل بالذكرى فتُغنِّي.

الذي هيجت مصران شهوته ليصحو: غطَّ في جسد المسافة.

أنت ما يشبه بعضك، فتمنّ.

ثمة – منك – ما يبقى، وثمة ما يكون.

.

.

.

ثم ماذا؟!

ها أنا مكشوف الحال في عراءٍ مفاجئ، يرعبني الليل، وها أنا في قميص مبلل بإشراقٍ ينطفئ. أدور كما خذروف بدائي بأوجهي ذاتها، وأعالج رؤيةً ما، لا تمرّ بيسر إلى من تمر إليه.

من نقطتي ذاتها أستمد اكتئاباً دائماً متحركاً في فراغ يضيق؛ إذ بوعثائي ذاتها، وبطعمٍ يضمحل في الزمن؛ أركض في دائرةٍ مغبراً بكل أسئلةٍ تعرت خلف ستائر وحدتي. ها أنا في موقف المثول كرّة أخرى

أمام المسألة، بنَفَسي القصير ذاته، وبقلة حيلتي في مواجهة العواقب.

أخطئ من جديد، لأقول قولاً قيل بكل أوجه القول، بكل اللغات وبكل ثمار التجارب أقضم خط البداية ثم لا تدنو الحقيقة.

ها إنني أشكو، أشتمُّ عرقاً كان لي، أحلم بالظفر، وبطريقةٍ ما، أحترس.

.

.

.

وتخفّ الخلايا، حاملةُ صبغةِ العناد؛ ما يجعل ناراً تطول علّ الرماد يفي بحاجة العابر أن يرى رماداً؛ حين تكاد الخلايا تعرق، تخرج آخر الأنفاس منها قبل النوم؛ يأتي سؤال صغير أربيه ليصبح معضلة: ثم ماذا بعد؟

حين تدرك ذات انفثاءة معنى التوقف عند السنين الأخيرة، معنى انتظار الصدى ولم تلق حصاة إلى الهاوية؛ تدرك أن الصراع عليل، وأن الذي ادّخرت لحفل النصر؛ محض كلال أصاب وجودك بالأنفلونزا.

ما عيب القطيع؟ ما عيب سعيك كالآخرين إلى النهاية؟ وما عيب بقاء الأمور كما كانت عليه؟

أيكفي انتظارٌ بسيط لتصبح ضمن الدائرة؟

إنه الذعر مطفأً وعلى دينونةٍ كما تنشب العاطفةَ الأرضُ في الأرض.

إنه الليل يتفشى كالنعت في جسد اللغة.

هو ما ادَّخرت في العبور السريع إلى  حتف المسائل، إلى مقولات الخلاص الباردة، إلى المتوكأ عليه في التظالع البسيط، حينما الركض، خارجياً على مِلّةٍ غَبوق في التزاوجات المُعابِثةِ روحاً من نسيج الرمل في تضاد التماسك.

إنه الباقي، وأثر المجهول من تساؤلٍ مجنَّحٍ، وعبارة لا تخترق المعنى ولا تحطم مرتكزات السؤال.

إياه.. سائط كل شيء أمامه إلى أمامه، والقاهر للمدركات.

مِنه.. اللغاة الحاذقون، ربَّاطَة السرد، مضببو المعنى، وحاكلو التجلي في مدنوت العبث؛ هادمو الوصف، الحاسرون دفء اغتلامهم بفيزياء التنفس جهراً، على مقربة من ظلام المجاز.

منه.. تكرارهم، وُعُورتهم، جلافة النطق، وَلْغَاتٌ فسيحة كما بواطي التلقي، كما الانزلاق إلى ثنائية اللعبة.

عليه.. مُحَابرتهم على ميادينٍ رديئةٍ، قصد التكوُّن في قرفصاء الاختلاج المبتدأ.

وهو اللسان.

اغتراف البداهة إلى نطقها، أعني اللسان الذي يخفيه اللسان؛ محرِّك الطعام والكلمات وذائق الغريب مما تبتلعه غيابة الجسد، هو اللسان المانح – لولا الأُذن – للمتخلقات جذور وجودها، وللمعاني أصول كبوتها على مسار الفهم، إذ تحاول أن تكون.

اللسان يعني ما خلفه، يعني الوعي في تجليه بشراً سوياً، لن تعتريه رهبة كونه يختزن وعيَ آخرٍ؛ إلا أن تأتيه نزعة الإفراط في القبوع خلف معنى المعنى، يطرد أمامه بهائم الإشارات ما إن تلوح سحابةُ أنّ في تعقيدِ ما يعني طريقاً إلى حيث يعيش الكلام.

مُذْعِراً رصّة اللغة، يتسحَّب اللسان بين بروزات ما يمسك بكينونات تتساقط مساميرها حين كل مضغةٍ لجديد. مغيِّماً على أرض ثلجية لا تُمسَك إلا ويحترق الماسك ببرودة كل ذاك الفناء المثلَّج، ذاك النشوء الافتراضي لكون البشري بشرياً.. ويموت!

إن يموت اللساننهارَ ما رَسَم في الحركة الدائبة منه، ما يبدو بلونيه الأبيض والأسود وكأنه خرج للتو من حلم مجلة كوميك قديمة.. هي الحياة، يسمي لساني كل شيء فيها، يطلق عنها النكات، ويطهرها بطعمٍ كمن يبدأ الركض أول مرة.

وأي مجد لمن تكلّم؟

طوبى لمن كان لسانه بحيرة، مشرباً، طريقاً لمن تفكَّر في المُرتقي والمرتقى.

لشدّ ما ابتعد الذي في ذعره ضوء يخيف، من أفرع الأشياء نحو ذبالة ما تشهّاه.

.

.

.

أسوأ الخاسرين من لم يدرك انتهاء اللعبة.

أسوأ الخاسرين أجملهم.

أجمل الخاسرين أنا.

.

.

.

ثم ماذا؟

أغنيتي تفسد، طالما أقضم منها وحدي. ضوئي يخبو، طالما انشغلت عنه بمغزى الظلام. حين يدير الآخرون ظهورهم عني، أحاول كرّة أخرى البقاء داخل حد النظر.

أنا لا شيء، فقط كائن غاضب من كونه كائناً ويغضب.

.

.

.

بسيطة هي المعادلة: على العابر أن يكون خفيفاً من الزمن وأحمال ما لا يطيق. على العابر إدراك كم بقي حتى التوقف.

الحيرة حرب التضادات.

الاختيار نافذة تفتح على الردهة نفسها.

الفعل خرافة تشغل الغافين عن أفعل الأفعال: السكون.

لا يعيش كثيراً أولئك الذين وصلوا.

مثل شطرنج لا نهائي: لا معنى لكل شيء إلا بالنهاية.

النهاية انتصار.

كل شيء ينتهي؛ أي شيء يعلمنا هذا؟

لا تبدأُ البدايةُ نفسَها، ولا تُنهي النهايةُ نفسَها؛ أي شيء يعلمنا هذا؟

لحظة أن تريد؛ أنت تبتعد عن رحلتك. لحظة ألا تريد؛ تبتعد – كذلك – عن رحلتك.

لا تُرِدْ، ولا (لا تُرِدْ)؛ هكذا فقط قد تبدأ إطفاء ضوئك.

حين تحسب كل شيء بالنسبة إليك؛ تبقى عبدَ كل شيء. وحين تحسب أنت بالنسبة إلى كل شيء؛ تصبح أنت عبدَك. قف.

خلف كل شيء: فراغ. خلف كل فراغ: شيء. إنها ليست طبقات.

ما الذي يجمع الشيء بـ شاء والمشيئة؟

علام يدل الشيء إن جهَّلت ما تريد بوصفه – فقط – شيئاً؟

ثمة قتامة في المنتصف.. الآن هي اللحظة للقفز.

لا شيء!

.

.

.

هو توق إلى الاستدراك؛ ذلك الذي ينتاب رغبةً في العودة إلى اشتعال الذهن شباباً، لتعويض ما أُنفق في الذي صار إلى هباء.

هو توق إلى أوانِ شهيةٍ لا تنام، تأتي على ما تجد، دون نأمة لتذوق، فقط التهام ما يراه البصر فيرسله إلى ماكينة الطحن الجديدة الشديدة، علّ يكون مخزوناً إلى الكمال.

هو بقاءٌ قيدٌ طالما صار كل شيء صعباً، وكل جهد يتسرب مثل الروح من ظلها، والموت طي ابتسامات الطريق إلى العدم.

أذكر كتاباً يحكي عن رحلة بحّار عليه أن يوصل شحنة من سمك التونة عابراً موانئ البحرين الأبيض والأحمر إلى مكان لا أذكره الآن.

أذكر مجموعة من القصص المترجمة التي لم يعلق منها بالذاكرة سوى (المرحومة أخت زوجته).

أذكر (المختار من ريدرز دايجست) وتعبيراتها الشابة مغموسة في رائحة القديم حتى إنه ليصيب بالضحك.

أذكر كل هذا ومثله، فترتعش حلمات ذاكرتي وكأنما رشت بماء مثلج. أتساءل: كيف سأحس إن حصلت على كل هذه الأشياء؟ كيف سيكون إحساسي وأنا أقرأ أول (ميكي جيب)؛ أول قصة في ميكي جيب (زهرة الكرم كرم)؛ مرة أخرى الآن؟

أشتهي –أحياناً- حلماً قديماً حلمت به قبل عشر سنوات، أشتهي أن أحلم به من جديد.

هو توق إلى الاستدراك فقط.

.

.

.

احتمالات المختلف أكثر من ذاته. احتمالات المختلف تختلف كثيراً إلى نفسها، تتقلص كلما جابهتها قوانين المكان.

احتمالات المختلف موءودة لم تمت.

احتمالات المختلف.. مختلفة.

.

.

.

بلاسيبو الوحشة: حين يركضُ خلفَ ظِلِّه معدنُ الأيديولوجيا، وتقذف آلة الزمن طوفان ما بعد السكون برفقةٍ ترعى حشيش الضجر الموسمي في المكان النائم بين تكّتين لعقرب الثواني المثابر نحو جدوى الدائرة.

بلاسيبو الخمود: ورقتان تعتري خملة أسطرهما الخالية من محطَّمي المعنى؛ المرضى بوجودهم وبوعي وجودهم على سطح الذي هو أسفل كل رائحة. كل رائحة تدندن قرب ستارٍ لا ينفيه غير هبّة نكران قوية النفاذ؛ هي الرائحة الأمُّ لأسنان منشارِ ما تحمله ذاكرة الحديد، حين تقتل البرتقالي المعلَّق على رماد الجدران آلهةُ المدن الحجرية، بُعداً عن الشمس، عن النهر خلف النهر.

للذين أحبهم، هكذا، بتفاصيل الولوج إلى انفجارات جُمجُمةِ درب الآلام إذ يركض أنبياءٌ قادمون بكل احتقانات أنواتهم، فحيح الابتسامات الكاتمة، القريبة حد التلف، لهم ما قلته قبل قطع منتصف حنجرة الورقة: إن كان حقاً لوناً في الحياد.

بلاسيبو ما تحمله موجة صوتٍ من منقار طائر تعتقل رئتيه كما عقله صورةٌ: كيف تركض السماء هكذا.. وأين الريش؟

نقشاً بإزميل الاقتحام تهندسُ فرشاة الاستهبال اللغة. كسراً لسباق البهاءات الطويل تنمو على جيوب الحقيقة أقفالٌ هينة كزينة لمهمة واحدة، قارسة، كأن ترى من لم تره أو أن تسمع من أتاك قبل صوته شيء يسمى الحدس. هو التفسير الذي يأتي إذ تتحول الإضاءة إلى تاريخ من الظلام المتكلف. تفجؤك برودة أن عقل الشجرة محض اختزان لعثرات الماء – مثلاً – أو رقعة تاريخ تنتظر.

للذين أحبهم أثرٌ حين أبقى وتقتلع ظلالهم وحشية النشوء في مَغْبَرِهِ إذ يلوحون مبتلّين بذهابهم قبل الذهاب.

للذين أحبهم حيز، وقت مضى، شعاب من الفوضى، عرقٌ يُنضج اللغة عند الناصية.

للذين أحبهم لونهم، ما تشتمّ أرضي من اقترابهم، حساسية تخص المسميات إذ يترك واحدهم فراغاً في العين أولاً من ثم يتسع الهواء.

هو بلاسيبو الرضا حين كل ما يقال لا يقترب حتى من المعنى من دافع البدء أو من خوف على ملاءة المكان.

.

(تجميع لأجزاء من كتابات متفرقة بين عامي 2009 – 2012)

محفوظ بشرى

كاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى