غوايات

أجملُ يومِ قيامة

هل هؤلاء..
هم، في الحقيقة، يا سودانُ أبناؤُك؟
هل أنجبتَهمْ من طين أرضِكَ، عن أبٍ،
من نبعِ ماء؟
فإذاً؛
لماذا يُسقطِونَ حمامةً
كلُّما ارتفعتْ سماؤُك؟!
ولماذا يقتلونَ نُجَيمةً
كلُّما استجلَى هواؤُك؟
هل هؤلاء..
هُمْ في الحقيقةِ يا سودانُ أبناؤُك؟!
هل هُمُ الدُّخَلاءُ في غَفلات تاريخِ المَذلَّةِ،
أم حقَّاً هُمُ العُمَلاء؟
ولماذا لا يُريدون انتصارَكَ بالعزيزِ على صَغارِكْ؟!
لماذا لا يُحبُّونكَ يا سودانُ
سوداناً حقيقيَّاً بنارِكْ؟!
حُرِّيَّةٌ للحُبِّ أم حرِّيَّةٌ للحرب في معنى ثمارِكْ؟!
سِلْمٌ لنفس العاشقين على اليقين،
أم سِلْمٌ لمَن قتلوا الحنين؟!
عدالةٌ للنَّاس تَقضي أم يا عدالةُ تَقتضينَ بما يُهين؟!

وهل يا سودانُ، حقَّاً، هؤلاء..
هم أنبياؤُك؟
فلماذا يَقتلونَ رسالةً وبسيطةً:
“أن نحيا كِراماً أصدقاء”
ولماذا لا يُحبُّون الغِناء؟
ولا التَّنزُّهَ في بساط النِّيلِ عصراً،
لا النَّسائمَ في بستان عاشقةٍ بعاشقها،
لا الما ورائيَّ السَّبيطةِ، لا السَّمَاويَّ الدُّعاء!
إِنْ ما ابتدانا الله بالحُبِّ، ابْتَلَانا
وابتلَّ بالشَّوقِ النِّداء.

…………………. .

تعالٍ تعالَ يا سُودانُ حدِّثْني
عنِ الأحزان!
حدِّثْني عنِ امرأةٍ تَزُورُ دُمُوعَها الذّْكرى
كوارِدةٍ من الشُّطآن ماءَ حبيبِها الظٍّمآن.

حدِّثْني عن الولد الَّذي ماتت بخافِقهِ الرَّصاصةُ،
لا يَقوَى على شئٍ سوى إنسانهِ لحياتهِ،
وحياةِ أسماءِ العناقِ له،
وسماءِ أسماءِ الرِّفاقِ عليهِ من عِبءٍ وعن إيمان.

حدِّثْني بلا أسرار..
ما عاد من سرٍّ هنا
مكشوفةٌ أيَّامُنا
مكشوفةٌ أحلامُنا
مكشوفةٌ آلامُنا
مكشوفةٌ نَفْسي أنا
ولو ضاقتْ بها الأسوار.

فحدِّثْني!
هل هؤلاء هُمُ يا سودانُ أبناؤُك؟
لم أسمعْ بهم مِن قبلُ
لا مِن بعدُ،
لا مَنَّ البعيدُ بفكرةِ الأسماءِ حين الطَّبْلُ
غَنَّى واغتَنتْ أسماؤُك.

حرِّيَّة للنَّاس أم حرِّيَّة لليأس فينا
كيف للسُّوس يَسُوسُ أن يرعى الموائد؟!
وكيف أنَّ النَّفْس لم ترَ في مقاصدها القصائد؟
يا سهاماً في السَّلام
ولا كلامَ مع السِّهام
وطنٌ من الماضي، أم وطنٌ من الذِّكرى الأليمةِ
يا مُستقبَلَ الدُّنيا ويا مُستقبَح الأيَّام!

……………….

هذي ثورتُنا
وهذي في الثَّورةِ صُورتُنا:
لا الحقَّ نَكِلُّ، ولا الموكبَ ننسى أو يأسى فنملُّ
لا نأكلُ أرضَ السَّاحةِ سُحْتاً
أو نشربُ ماءَ النِّيلِ حراما.
فهل هؤلاءِ السٍّفَلَةْ،
وأولئك بالأَجْرِ القَتَلةْ،
يا سودانُ تكلَّم! .. همْ أبناؤُك؟
يا سودانُ تألَّمْ..
هذا وقتُ لسانِ الحقِّ تماما!
………..

قَنَصُونا كقطيعِ غزالاتٍ
أَحيَاءَ هوًى،
أَحِبَّاءَ إلى الأرض حبيبات.
لم يُرْخِ حبيبٌ فينا قلبَهْ
أو يُرخِ عموديَّاً صوتَهْ.
كلُّ شهيدٍ فينا حيٌّ يُرزَقُ باللَّاءات
ويُشهِرُ للدُّنيا موتَهْ.
وأخيراً كبدايةِ تاريخٍ للموتِ الخَيري
دَفنُونا تحت “المَرْخيَّات”.
ذهبُوا في قلب سوادِ العالمِ سَكْرى مُتَّشحينَ ظَلامَهْ.
وذهبْنا للنُّورِ
بأكملِ دِين..
تعانقْنا شُهداءَ ومَفقُودين..
في أجملِ يومِ قيامة.

—————————————–

اللَّوحة: عبد الواحد ورَّاق

زر الذهاب إلى الأعلى