كان حافظ حسين، صديقي وأخي، يبحث عن صورةٍ لأخته المفقودة خلال أحداث احتلال سنجة الأخيرة، عندما عثرت، صدفة أثناء بحثي، على صورة تجمع حافظ وعبد الله أفريكا -جارهم العزيز، وصديقي لاحقاً – أثناء زيارتي للمدينة ضمن رحلاتي ك”شاعر متجول” للعام ٢٠١٧م. قدمت قراءات شعرية نظمها حافظ، وتجولنا في الغابات وسرنا لساعات نتتبع خطوات أفريكا العارفة بتضاريس المكان؛ غاباته وبحيراته، ثم كتبت، في حضورهما، هذه القصيدة: في الغابة.
يوم اجتياح سنجة، قُصف عبد الله أفريكا بدانة وقُتل. جعل الله روحه في حسنات ميزان السودان. آمين.
تنكوي البحيرةُ بمكنونات غَرْقَاهَا،
وتشهدُ الأشجار بُعدَ الإنسانِ عن صوته المتهدِّج،
عن ضَحِكِه المصلوب بالنسيان والمغامرة.
في الغابةِ تُشعُّ الجذور في عينيك،
وخطواتكَ تُصبِحُ ملموسةً ككارثة؛
انسحابُ ضميرٍ حيوانيٍّ بداخلكَ يَكشفُ عن معارك دَفنتنا أحياءً،
والطيور لن تَعودَ خارِجَكَ، تصبحُ حُلمك بالتوهان إلى الأبد، في غابةٍ تتحدَّث بأعضائِكَ وقد امتدَّت في دَمِكَ،
وأنت راقد تحت ظلالها،
تتذكَّرُ جمال جلدكَ ولحمك النابضين مع إيقاع الأرض.
في الغابةِ تتذكّر أجداث المخلوقات المحروقة،
وغنائم الحروب المغليّة في مِرجلِ السلام،
تتذكَّر ما أوقف الحبّ بقلبك وكأنه لم يُوَجد،
تنهشُ أعداءَكَ بالقبلةِ القاضية،
وتتمرَّغُ في وحل الانتقام.
في الغابة يقفز النضوجُ لحجرِك المُلتَهِب
وأنت -بارَّاً بآلامهِا- تَشدَهُ بحيرتها بِفَرَحك،
تتناسى الحشراتُ أخطار الإنسان
حتَّى وهي تُبَادُ بيَدِكَ الساحقة، وتَفقدُ ذاكرةَ التاريخ؛
تنسَى الفراشةُ نفسها براحةِ قلبِك،
وتتخطّى الوحوشُ ضراوَتها بانسراب ثِمارِ التربةِ لمخالبها وأنيابها.
في الغابة يُنسى كلّ شيء،
حتَّى خطوتك التالية لتجذيرِ الجحيم في أرض الله.
سنجه
يوليو 2017م
#الشاعر_المتجوّل