غوايات

مسالخٌ وقبورٌ للحظةٍ لامعةٍ

أناديكِ أيتها الصغيرة الباهرة

بأعلى مافي صوتي من غيمٍ وهاويةٍ،

وشغف:

تعالي

من عُري المغفرة

من سجن الوقت

من شهب الصدفة

من جحيم التصورات

من خندق النزق والضلالة

من رعب اليقين

من رعشة السديم آن التقينا لأول مرة

من سماءٍ جروح، وجروحٍ سماء

من ظلام العالم

من فراسخ الأبدية

فأنا منذ الرمل الذي أنجبته المقادير تحت خطواتي

أبتهل إلى الفاكهة

كي تنثر نكهتكِ في الأبدية،

أناديكِ،

وكل شهوةٍ ينبض رسمها على وقع إسمك، كل إسم من أسمائك يوقد الجسد على نار النبوة واللوثة،

كل ضلالٍ ممتن لبركة مذاهبك،

أنا هنا،

أنتِ هنا،

وأناديك.

(…)

وتكتب في درب الوحشة هزائمَ تليق بنوافذك المشرعة على العزلة، تتفقدُ جثثَ طازجة على براد وقتك، مغموراً بما ظننت أنه الليل،

وتكتب اسمك المندلع في الأقاليم،

أقاليم الهاوية،

بيأس لامع وكآبة مضحكة،

ماذا ظننت؟؟

تركض حول رأسك المجاهيل، وتتناثر داخل سيرتك الخرائط،

تزهر السنوات الشائكة.

يا قبر اللحظة،

اشتعل،

تلك المسالك التي نادمتك ونامت، ترقصُ الآن ومحتدمةً خلف ما عمَّدته يداك، خذ من أهوال الرحلة ما يليق بالعدم، واشتعل بالرؤى والخوف والتخاريف،

هذي الفجيعة الساهرة تحضِّر دمك لما سيغمركما من قبائل في الأبدية.

يا قبر اللحظة

اللحن الذي يهد الخطى والحقل والقناديل ويوغل في النخاع، مثل جهنم، يسيل الآن في الزمان ويغمرك بالوقت كله، والنوافذ الملوعة لها عندك أحراش ومطاردات، وفراق يعرِّش قلبك

يا قبر اللحظة.

(….)

ينحني على دمه، يغرف من أهواله الزرقاء، نجومٌ غارقة تعرِّف بها الأقواس سهوَها، ويبسط قلبه للجثث العائمة في النزيف، كأنه الهواء، لئلا يسقط في التواريخ المهتوكة، كأنه الرعب ملوثاً بالفلوات والناس واليقظة، لئلا تفتك بحيواته الألحان، يبتكر أبوابَ من كلماتٍ، ويتكلم الموت بفصاحة لا تكاد تُذكر. ينحني على دمه، يتفقد قبائلَ الهرب المقيمة فيه، ويشرع في محاكاة أحوالها على الدفتر الموجود أعلى الرسم:

الأجنحة الغافلة خلف الوقت، الأوراق الساهمة قرب المكان، كحيوانات أليفة، الشعر الذي ركل شعراءَه بقائمتيه الخلفيتين، المسالخ المُعَّدة لصوته، والفراشة التي ابتكرت مدناً من الضغائن خلف لغاتها التي تتطاحن في السايبر.

…..

من مجموعة شعرية تحت الطبع بعنوان (وحيدٌ على أرصفة الطلسم..وقد يعترف)

عبد الرحيم حسن حمد النيل

شاعر وكاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى