ثمار

أطياف كولونيالية

الأنثروبولوجيا البصرية (1)

” كرش الفيل دي ما فيها غير أكياس النايلون “ [1]هكذا عُمدت الخرطوم في أذهان القادمين من فيافي بلاد السودان نحو العاصمة التي احتكرت العنف والجسد وصارت سمة تاريخية في مخيلة الراحلين والقادمين تحت سماءها، معجونة بطين الخليقة اللزج الذي تراكم على مقربة من ضفة النيل، وبيد إنجليزية عمل (كتنشر على تأسيسها بنمطها الحديث، حاقناً فيها بذور تناقضات حوت مسرح الحياة، المؤسسات / الخدمات / التعليم. مما جعلها محصنة في خضم التهتك الذي يصيب الأطراف كمرض من القرون الوسطى نفخ في عروق الدولة السودانية.

لست هنا للحديث عن تاريخ المدن السودانية ولكن الهدف من هذه المقالات هو محاولة التركيز على جوانب المشهد البصري المتشكل في فضاء المدن الحديثة / الاستعمارية، بحيث يبحث في جذور تشكل النمط البصري، وكيفية العلاقة الشائكة بين المتناقضات في الإرث الاجتماعي / السياسي الذي رسم طوال تاريخ الدولة الوطنية / ما بعد الاستقلال.

حسنا! يبدو ان المعضلة لن تكون في الإرث البصري للمدن وحدها (الظاهرة) ولكن سيكون في الأنثروبولوجيا البصرية (المنهج) في السياق المعرفي / الأكاديمي في السودان، فواقع الحال للأنثروبولوجيا في السودان لا يظهر لها أي وقع تأثير سواء كمنتوج معرفي يمكن أن نميز به الدراسات الاجتماعية في السودان، او الظواهر التي تتعامل معها المناهج الاجتماعية، لذلك دعوني أبدأ بفتح مقولة الأنثروبولوجيا لأعيد التأسيس الفعلي للمنهج ومن ثم نعرف حدود الظاهرة وموضوعها.

وهنا تظهر اللمحة الاستعمارية في الإرث المعرفي / الأكاديمي، كيف أن هذا الجمود و الوهن متخلق في طريقة تفكيرنا اتجاه الواقع واتجاه الذات المنتجة للمعرفة في السودان ” ان وجدت ” ولكن دعوني اتعامل معها اصطلاحا داخل السياق الأكاديمي / المؤسسي باعتبار أنني أنطلق من نظرة للسياق المعرفي / الاكاديمي في السودان والذي يلتقي عند وحدة كلية واحدة وهي النظام التعليمي.

الأنثروبولوجيا في السودان /  الأنثروبولوجيا السودانية ، يبدو أنني أمام معضلة التعريف تلك المعضلة التي لا أرى هناك ضرورة لكي نبدأ في الانسجام معها و محاولة التفاعل معها بشكل تنازعي ، فدعوني اتجاوزها الى  تمظهرات المنهج في دراسة القضايا التي تحددها طبيعة المنهج ، مما يقودني الى أن انظر الى مفارقات بين المنهج و الظاهرة في سياق الدراسة السوداني ، فطبيعة المناهج المنتجة من قبل المؤسسة / الجامعة لا يقوم على أساس الظاهرة وانما المنهج بصيغته الاداتية(التسلطية ) التي وسمها الاستعمار على طبيعة المؤسسة المنتجة للمنهج و التأسيس لسلطته ،  نتج عنه غياب / بعد عن تشكلات المجتمعات ، ودراسة الحالة الاجتماعية لها وتشكلات الأنظمة التي تفرزها  ، لذلك ستكون النتيجة انعكاسية على الظاهرة وهي غياب دراسة العلاقات و التناقضات  داخل المجتمع .

النظام البصري موزع حسب النظام الاجتماعي وبينهما علاقة جدلية بحيث لا يمكن أن نقول بأن النظام الاجتماعي هو منتج للنظام البصري من اتجاه واحد أو طبيعة التأثير ليست تبادلية بمعني كل منهما يؤثر على الآخر، فالتشكلات للمباني / الطرق / الأسواق، تعتمد على الوظيفة وتقسيم المجتمع، وهذا التقسيم لا ينفصل من الإرث الحديث / الاستعماري لذلك أرى أن العودة عندما تكون ستكون للفضاء البصري لنشاهد هذه الافرازات التي نتجت عن طبيعة التشكلات وتوزيع الفضاء البصري.

سأعود في هذه الحالة الى كيف تشكلت هذه الأنظمة البصرية في المدن، من خلال العودة الى لوحات الفترة التي أعقبت دخول الانجليز وكيف تشكلت المخيلة البصرية التي أسست لتشكلات المدن والدخول الى طبيعة التفاعلات الاجتماعية من ثورات وغيرها.

 

هوامش 

[1] اختيار هذه المقولة نابع من ترابط مسألة الاستهلاك الذي يتمظهر في شيوع الاكياس بالإضافة الى طبيعة انتاج البلاستك الذي يدل على ان السودان او المصانع السودانية لم تطور نموذجها البيئي المرتبط بطبيعة التربة الزراعة و الاثار التي يخلفها استهلاك البلاستيك وخصوصا على التربة الزراعية ، بالإضافة الى القوانين التي تضع حد لمثل هذه الظاهرة وما يترتب عليها ، ويكاد الجزء المتعلق بالمسائل المالية عند المحليات ( هياكل الحكم المحلي ) مستشري فيها الفساد المالي ، مما ينعكس على طبيعة التجاوزات التي تؤدي الى هذا التشوه ، مما يجعلنا امام إشكالية معقدة على مستوى المؤسسة في السودان .

حسان الناصر

كاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى