غوايات

عيدُ ميلادٍ مجيدٍ كِشة وكلُّ عامٍ وأنتَ الوطن*

كلُّ عامٍ وأنتَ هنا وهناك
بيننا وبين الأنبياءِ
بين المعركةِ والفراديس
حالماً ومتحققاً
خليفةً وخالداً
حاضراً للنداء
وفي ملكوتِ الإجابة
والسرِ الذي بيننا
وبين الله..

 

لا جديدَ هنا يا رجل، عقِبَ رحيلكِ في الثالث من يونيو لحقَ بكَ المئاتُ من الشهداء، ضجتِ الدنيا ولم تنمِ البلاد. في الثلاثين من يونيو حاولَ أبناء هذا البلد الانتصارَ لكم والقصاصَ لأرواحكم المعلقة في سماءِ الوطن، ولكن النخبَ فرملتهم، النخب التي قلت إنك تخافُ على الثورةِ منها، قالت: لا تذهبوا للقصر، قالت لهم الجماهيرُ: النصرُ على مرمى حجرٍ، فقالوا: لا. كتبوا على حائطِ صفحتهم التي ظننا أنها تسندُ ظهرَ الشعب، وقالوا: فلترجعوا. وعندما هممنا بالرجوعِ أطلقوا علينا الرصاصَ، وللمفارقةِ قُتِل رفاقُك يومها أمام البرلمانِ وعلى مقربةٍ من مُقرنِ النيلين الذي تُحِب. عادَ رفاقُكَ بجراحهم وقالوا للنخب أعطيناكم القوةَ اليومَ بهذه الملايين، أعدنا فوبيا الاعتصام للعسكر وحلفائِهم، اذهبوا وفاوضوا وخذوا الكتابَ بقوةٍ فأرواحُ شهداءِ يونيو كرتٌ تفاوضي على طاولتكم التي لا شيء فيها غير أرواحِ الشهداءِ وبهاءِ الاعتصامِ وبسالةِ الشباب. قالوا لهم: فاوضوا بقوة، التفاوضُ الذي كنت أنت ترفضه، ولكنهم كعادتهم (شاتو الكورة في الآوت)، ثم أخذ أحدهم الكرةَ وسددها في مرمانا، ومن يومها ونحن مهزومونَ، وإلى اليوم وكلما سنحتْ بارقةٌ سحقنا النخبَ والسياسيين الجدد والانتهازيين القدامى والصاعدين.
أُخبِرك أيضاً أن جهازَ الأمنِ والدفاعِ الشعبي اللذين طالبت بحلهما ما زالا كما خلقتهما الإنقاذ، أما الحرياتُ الصحفية التي قلت بأنها (تخضع لمناورةِ الأمنِ ووحدةِ إعلامه) فللأسف نُقلت سلطاتها وقُنِنَ الهجومُ على حريةِ التعبير بقانونٍ للمعلوماتية. ويؤسفني أن أقولَ لك أنه أُجيز من مجلسي الوزراء والسيادة.
اللغةُ التي أردتَ أن تُهذبَ ازدادت انفلاتاً، والشعاراتُ أرادَ لها البعضُ أن تغرقَ في التفاهة، يومها قلت أنت لهم: الكنداكة ليست قادمة لزواجٍ حتى تتزوجوها بعد السقوط وأن لا علاقة لهم برقمِ هاتفها و(دي قضية بتاعت بلد وما جايين عشان نهظر). لو تعلمْ يا رجل صارَ الهظار والبجاحة والسفه وقلةُ الحيلة سماتٍ للحاكمين. الحاكمون يا كِشة هم خليطٌ بين الذين خرجتَ ضدهم والذين خرجوا معك. الأسبوع الماضي أعلن حمدوك (وأُعرفِك به، هذا هو رئيس الوزراء)؛ أعلنَ قائمةً من السفراءِ شمِلتْ زُمرةً من العهدِ البائدِ وكذلك فعلت قوى إعلان الحرية والتغيير بالأمسِ بالنسبة لولاةِ الولايات. لا تغضب يا كشة أعلم أنك قد طالبت في مايو قبل شهرٍ من رحيلك بأن يتمَ إيلاء العلاقاتِ الخارجيةِ اهتماماً خاصاً، وأعرفُ أنك طالبتَ بولاةٍ من الكفاءات، ولكن يا عزيزي ما يحدثُ اليوم لا علاقة له بما حلمتَ به أنت، ولا ما تخيلته. ودعني أقل لك إن مقترحكَ بأن تتولى لجانُ المقاومةِ أمرَ المجلس التشريعي هو أيضاً قد يمضي مع الرياح، لماذا؟ لأنه حلمٌ ثوري وهنا الآن لا يتمُ الأمرُ بطريقةٍ ثوريةٍ بل بطريقةٍ صورية، وحدهم رفاقُكَ في اللجانِ هذه هم من يمضونَ متوحدين باتجاهِ هذا الحلم، ولكنه حلمٌ ما زال يترصدهُ الكثيرون، في بلادٍ ما زالت بارعةً في اصطيادِ الأحلامِ وقتلِ البسّامين شُعلِ الوعي أمثالك. ألم يحكِ لك وليد ما حدث عندما طالبهم بأن (يشوفوا شغلهم)؟ اصطادوه مباشرةً، قاموا بشغلهم بالفعل، هذا هو عملهم اصطيادُ الأحلامِ وقتل الرُسل.
نشعرُ بالخزي والعارِ بأن نُبْلِغكَ أن النظامَ البائدَ وفلوله قد قذفوا منزلكَ بالحجارةِ وأصابوا وأساءوا لضوءِ عينيك (كشة وآمنة). أرادوا أن يقتلوكَ مرتين، ولكن رفاقكَ من حملوا عهدك ودمك ظللوا داركَ، وجلسوا في حضنِ جداره حيث صورتُكَ البهية ضاحكاً في وجهِ القتلة، ومُؤانساً لأصدقائك ولتلاميذك الصغار أبناءِ السنواتِ السبع الذين لا يعلمهم سوى الدمع.

 

* ذكرى ميلاد الشهيد عبدالسلام كشة الخميس ٢٣ يوليو ٢٠٢٠ م

عادل بدر

شاعر من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى