المَنْفَى يَنْخرُني، وإهْمَالُ العَالَمِ يُثيرُ سَخطِي. فِي أغْوارِ ذكْريَاتِي، يُقاتِل أبْنَاءُ شَعْبي بِعيونٍ دَبَغَتْهَا الشَّمْس، النَّظْرةُ مُلْقَاةٌ عَلَى مَضْرِبِ الخِيَام الخَاوِي، عِطْرُ الحَنينِ يُزَاحِمُ خَوَاطِري، بَينَمَا يُجَفِّفُ الأَلَمُ قَلْبِي مِثْلْ زَهْرَةٍ تُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ البَقَاءِ بَعيدًا عنْ نَسْغِ أُمِّهَا. لَقَدْ تَرَكَتِ الهُمُومُ عَلَى جَبِينِي أخَادِيدَ تُشبِهُ تِلكَ التَّجاعِيدَ الّتي تُخَلِّفُها الرِّياحُ عَلَى كُثْبَانِ الرِّمَال.
المُعْجِزَةُ والمُسَاواةُ بَعِيدَتَانِ عَنْ ودْيَانِنَا، لَمْ يَبْقَ إلّا البَلاءُ العَسِيرُ مِثْلَ جُرْفٍ يَتَحَدّى الخُطَى، أوِ المَرَارَةُ الشَّهِيّةُ الّتي تَتَخَلَّفُ فِي فَمِ مَريضٍ مَهْجُور. مَا زَالَ أمَامَنَا مِئَاتُ المَرَاحِلِ وَلا بُدَّ مِن اجْتِيازِهَا مِنْ حَيثُ يَطْلُعُ الشَّيطانُ الّذِي سَوَّدَ حَيَاةَ البَدْوِ مِثْلَ ظُلُمَاتٍ ابْتَلَعَتْ نُورَ النَّهَار.لَم تَنْتَهِ الرِّحْلَةُ بَعْدُ يَا إخْوانِي، فالأَسَى يَضُمُّنا، والخَوفُ يُبَعْثِرُنَا مِثْلَ أَورَاقِ شَجَرٍ ميّتَةٍ فِي مَهَبِّ العَاصِفَةِ الهَوْجَاء. مُشْتَمِلًا بِعَبَاءةِ الأَلم، أَرقُصُ فِي قَلْبِ النِّيرانِ الّتِي تَلْتَهِمُ أحْلامِي مِنْ قَبْلِ حتّى أنْ تَبْزغَ مِنْ روحِي. كَمْ ذَرَفْتُ الدُّمُوعَ كَي أَسْقِيَ النَّبْتَةَ الّتِي تَأبَى النُمُو. بَحَثْتُ فِي كُلِّ الأَكْوانِ عَنْ إجَابَةٍ للأسْئِلةِ المَطْروحة، ولكِن لا شَيءَ يُخَفّفُ الحُزْنَ والأَنينَ عَنِ القُلُوبِ الكَلِيلَةِ، سوَى بِضْعِ وُعُودٍ مَا زَالَتْ مُعَلَّقَةً فِي الهَوَاء. صَيحَاتُ الفِتْيَةِ والفَتَيَاتِ تَمْتَزِجُ بِالرّيحِ وتَتِيهُ فِي العَدَم، أمّا زَمَنُ المَدَائحِ المَجْدُوحَةِ بِرائِحةِ المُحَارِبينَ المُشْهِرِينَ للسُّيُوفِ، فَقَدْ أضْحَى مَحْضَ كَابُوس. لَمْ يَبْقَ سوَى بِضْع تذْكَارَاتٍ شَاعِرِيّةٍ مُبْهَمَةٍ بِالكَادِ تُحْيي ذَواكِرهَا. الحَياةُ مَحْضُ سَرَابٍ يَا أصْدِقَائي، وَلَيسَ ثَمَّةَ مُطْلَقٌ سوَى وَجْهِ المَوْلَى الّذي بِيَدِهِ الأَمْرُ كُلُّه.