حملة حماية الحياة: في خَطرَات الشعب لِحَام
لا أرى أن على الناس مُعاملة الحملة كمنقذٍ للبلاد، إن هدفها واحدٌ ومُحدَّد بدقَّة: وقف القتل؛ القتل البدني، حرمة الجسد بكلّ تحديد كما هو مذكورٌ في إعلانها التأسيسي،ذلك لوحده هدف كبير وواسع، يتطلّب صبراً ومثابرة لمواجهة عنفٍ كَتَب تاريخاً كاملاً لهذا البلد، ونرجو، بهذه الحملة، أن يُكتب واحدٌ جديدٌ ينتزعه –العنف- من جذوره الضاربة في أعماق نفوس البشر المُجتمعين على هذه الرقعة الجغرافيّة العزيزة من الأرض.
لذلك تكون الحملة فعلاً ثوريّاً مستمرَّاً موازياً للثورة، رافداً لها، مستلهماً أدواته من ما ولَّدته من خبراتٍ في التنظيم والتكاتف ونشر والوعي ومحاربة العنف، ليس فقط عبر المطالبات الاحتجاجيّة في الشوارع وجداول التصعيد الثوري، بل بحوارٍ مجتمعي قاعدي كذلك، يتّخذ أدوات الحوار الفكري والثقافي ويستخدم الأدوات الأشد تأثيراً: الفنون والآداب والموسيقى، التضامن المجتمعي، الندوات الجماهيريّة وغيرها من أساليب العمل المُجرَّبة، والتي أثبتت انتصارها وفعاليتها حتَّى في مناطق النزاع مثلما شهدنا في ملاحم الاعتصامات السلميَّة، تلك التي أصبحت تُشكّل قلقاً مُرعباً لكلّ من ظنَّ أن القوَّة في السلاح، ذلك يشمل الجميع، حتّى، بالمناسبة،دول المنطقة والعالم حتّى.
صحيحٌ أنّ صوت السلاح كان منطقيّاً في مواجهة من لا يملك سلطةً ولا قوَّة غير السلاح نفسه -حال النظام السابق- لكنَّه، مع الانتصار الخلاب على قوَّة السلاح بقَّوة السلميّة،وجد نفسه بلا حولٍ ولا قوّة أمام الألوان المتنوّعة لثياب النساء التي غطَّت الأرض والسماء، وصَنَعت لوحةً من شدّة قوّتها وجمالها جَهَرت العالم فأشاح عنها بوجهه، وعندما انتصرت تمّ استهدافٌ ممنهج لكلّ فعلٍ مُشابه في مناطق أخرى بإقليم دارفور المنكوب.
إن وقف القتل المباشر أولويّة قصوى ومُلحّة لا تقبل التأجيل، ومطالبة المسؤولين من أمان الناس في السلطة الانتقاليّة بأداء واجبهم الابتدائي.نعلم أن شجرة القتل هائلة،وملاحقة فروعها المتشابكة أمرٌ يبدو أنه بلا نهاية،لكن الجذور واضحة، ومعالجتها أجدى: إيقاف القتل،محاربة التمييز بكلّ أنواعه وأشكاله، بدايةً بأشدّه وضوحاً في العرق والدين والجنس.
هل بدأ وهج الوحدة الذي التهب إبّان اعتصامات ثورة ديسمبر في كل مدن البلاد يخفت؟ نعم،لقد بدأ.هل تعلمون ما هو الخطر الأكبر من الانقلابات والثورة المضادة؟إنه انفراطُ عقد هذه الوحدة. نعلم أنها موجودة تحت رماد الأزمات الاقتصاديّة الخانقة، والتي دفعت بالناس في المركز مثلاً إلى أتون الهموم اليوميّة لكسب الرزق والعيش في بلدٍ وجدوه خراباً، جنازة سلّمت إليهم،وبدأت بعض الأصوات المتذمرة من انعدام الخبز والكهرباء والغاز والبنزين من ما أَلفناه قبل الثورة. كيف نقوم بإحياء تلك الوحدة التي جَرَفت السودان عندما قُتل الناس في الأقاليم بعد انتصار الشعب في الثلاثين من يونيو؟ الجرائم المتفرّقة، في أي مكانٍ في السودان،كانت تُلهب غضب الناس في كل مكان.
كما كتبنا من قبل أن الحريّة هي المطلب الوحيد الذي اقتُلِعَ، لكنّها السلاح الأمضى لاقتلاع بقيّة المطالب في السلام والعدالة، فالنُجِد استخدام السلاح بإبداعٍ وابتكار، ولنعطِ الخيال اللامحدود حقّه في مقدّمة الركب،وللحلم بالمستحيل طاقةً لا تنضب. استمرار الحملة يجب أن يكون نصب أعيننا، بعملها اللامركزي وتنظيمها الأفقي، ليشمل القاعدة، كلّ القاعدة، إذ أن الحرب ضدّ الموت قد بدأت منذ أن هبَّ الناس هبّتهم الظافرة في ديسمبر، من بين هبّاتٍ كثيرة متراكمة.علينا، والأمرُ كذلك، أن نسير خلف الشعب المنتصر،لا أمامه:في خطراتو لِحام؛ خلف أسر الشهداء،خلف لجان المقاومة وتنظيماتنا القاعدية، خلف الحياة.
#حملة_حماية_الحق_فى_الحياة