لا أحد يتذكر البنت الخامسة

الآن الآن .. البنت تقول “أحبك” للشاب، بعد كيس التسالي مباشرة وقبل أن يطل دفار المحلية من أول الشارع يفكر الشاب في كلمات “أحبك” التي قيلت له سابقا، تظن الفتاة “كلمتها” كشفا وفتحا وسحرا، بينما يضمها الشاب للخردوات في ذاكرته، “إنها فقط كلمة جديدة، لكنها تشبه سابقاتها تماما في عدم الجدوى و تاريخ الصلاحية”، البنت الأولى كانت تخجل من قولها له، لكنها تكتبها له يوميا في رسالة SMS، البنت الثانية كانت تقولها بالإنجليزي، الثالثة كانت تقولها عشوائيا داخل المكالمة بدون أي سياق، الرابعة كانت تقولها له صباحا مبكرا على الريق، البنت الخامسة كانت .. “لا أحد يتذكر البنت الخامسة” !
كانت تضحك على نكاته غير المضحكة، وتكمل له الكلمات حين تخذله التمتمة، وتخجل حين يقول لها أنها جميلة، كان يعرف أن هذا هو الحب، وكان حزينا لها، لأنها تظن أنها تحبه، كم بنت وبنت ثقبن قلبه بهذا الظن، أول واحدة كانت تكتب له شعرا، الثانية كانت تشتري له خمسة أكياس تسالي في كل لقاء، الثالثة كانت تشتاق له على رأس كل ساعة، الرابعة كانت تلقبه ب “حبي الأبدي” .. والخامسة، ماذا كانت تفعل؟! “تحبه بطريقة ما، والآن نسي حبها وطريقتها”!
حين اقترب منهم بائع التسالي واشترت البنت له كيسا، ضحك، ظنته يضحك إعجابا، وهو الذي يضحك لتكرّر المشهد! . ثم سكت مندهشا حين تذكّر أنه ضحك أيضا عندما اشترت له البنت السابقة تساليًا بسبب تذكره أيضا للبنت التي قبلها، والتي قبلها.. إلخ إلخ، “ياللهول، كم مرة تكرّر هذا المشهد؟”، الأكثر رعبا من ذلك هي ضحكة بائع التسالي، “ياللهول، هل هو نفسه؟!” . يتذكر بائع التسالي هذه الوجوه، لكن مع عشّاق أخر، وبنابر ستات شاي أخريات، وشوارع أخرى من المدينة، “يالهذا التسالي المتناثر على كل هذه العلاقات الفاشلة”!، فيما مضى اعتاد أن يجهزه بإخلاص، ينظفه بدقة، يعبئه بحرص، وينفحه ببعض الآيات، خصوصا بعد أن اشترت منه أول بنت كيسا وأهدته لحبيبها، “كان كوردة، كدبلة خطوبة”، إنه حتى رفض أن يأخذ ثمنه، فما الذي تغير الآن منذ ذلك الكيس، ما الذي تغيّر ونحن الآن في الكيس الخمسمئة بعد الألف، لماذا لا ينظفه وينفحه بالآيات، “ولماذا يضحك كلما اشترت بنتا كيس تسالي وأهدته لحبيبها” . ومثلما فقد إيمانه بكيس التسالي المقدس؛ كذلك فقد إيمانه بالحب، ثم بعدها افترض أن الحب هو قضية خاصة بالبنابر، وليس بجلّاسها من البشر .
أما البنت، فلم تقصد أن تقول له “أحبك”، لكنها كانت ترى قلبه “المشروط” بوضوح، لذلك قالتها له كمواساة، ثم ضحكت فجأة حين افترضت أن البنت السابقة التي خلفت فيه هذا الجرح قالتها له كمواساة أيضا على جرح سابق، وربما التي قبلها أيضا .. “يا إلهي، كم تكرّر هذا المشهد؟!”