ترجمة

خلود

ترجمة: أحمد النشادر

“النجاح الوحيد، العظمة الوحيدة بالنسبة لي هي الخلود” جيمس دين. اقتبسها جيمس دين في كتابه “الملك الطفرة” عن ديفيد دالتون. يلوح الكولونيل للحشد، مُرّهماً متنمكراَ، مكتسيا التعبير الراضي لمن باع للتو بستان خوخٍ مغشوش لأرملة. ” يا قوم نحن هنا لنبيع الشيء الوحيد المستحق البيع أو الشراء وذلك هو الخلود. إليكم الحل الأكثر بساطة وصحة في الطريق. فقط استبدلوا الأعضاء المهترئة واحتفظوا بالكومة القديمة على الطريق لأجل غير مسمى.

لما كانت تقنيات زراعة الأعضاء قد اكتملت وصقلت، فقد صار حلم عمر البشرية بالأبدية في قبضة اليد. لكن من يقرر بين مليون متقدم لنفس القلب؟ ببساطة ليس هنالك ما يكفي من الأعضاء ليمشي الحال. تحتاج مخصصاتك الوظيفية مرة في السنة لتوفر عشرين بالمائة، يا بشر. المدراء التنفيذيون الكبار يستعملون قلباً في الشهر بانتظام آلية “ماكينة”ساعة. أمراء الحروب، يدفعون لجنودهم بالأكباد والكُلىَ والأعضاء التناسلية، مفرغين مناطق بأكملها من السكان. مدن المستشفيات الشاسعة تغطي الأرض، قصور المستشفيات المكيفة الهواء الخاصة بالأغنياء، تتفرع منتهية بمستشفيات الحقول الخلوية، وأكشاك عمليات في الهواء الطلق.

الفقراء ينتفضون عصابات من الدهماء. يهاجمون مخازن الحكومة حيث تحفظ الأعضاء الثمينة. وكل من يستطيع لديه كلاب وحراس ليحمي نفسه من الفرق الجوالة لصائدي الأعضاء، مثل ” الأطباء المتوحشين” المرهوبين، الذين يجرون العمليات على بعضهم البعض بعد كل معركة، قاطعين الأعضاء الدافئة المرتعشة للميتين والمحتضرين. رجال فرقة “اقطع و خذ” يندفعون من المداخل، يندفعون من المداخل، مجتزين كلية بحفنة من ضربات خبيرة من مشارطهم ذوات الأربعة بوصات. فقد الناس كل حيائهم. فهذا رجل باع كلية ابنته الأخيرة ليشتري لنفسه عانة جديدة أعلن عنها في التلفاز، ليقدم للدعم ليشتري لسالي الصغيرة كلية صناعية، ويعطيها لها في عيد الميلاد الفائت. على ذراعه شقراء متثنية تُدعى فقاعات “ببلز”، وهي تدعوه جون الطويل، أليس ذلك ظريفاً؟ سوق سوداء مزدهرة لتجارة الأعضاء نمت في مدن المجاري، مدمرة بأحداث شغب الأعضاء.

الفقراء ينتظرون في صفوف الأعضاء، من أجل عضو تناسلي مصاب، رئة مسرطنة، كبد متليفة. يزحفون نحو أكشاك العمليات يمدون أمامهم أشياء لا أسماء لها في برطمانات، معتقدين أنها أعضاء صالحة للاستعمال. النصابون الوقحون الذين يشترون قمامة الجراحات في باحة العمليات ينقضون على الغافلين. وهنا السيد ” ثري الأعضاء”. يبلغ الثلاثمائة عاماً من العمر، لكنه لا يزال عرضة للموت الحادثي، ومجرد هذه الفكرة تدخله في نوبات من الرعب الأبله. يرتعد لأيام في ملجأه، على عمق مائتي قدم من الصخور الصلبة، وطعام خمسين سنة. سفرة من مدينة لأخرى تتطلب شهوراً من الغربلة والتحقق من الخرائط المحوسبة والطرق البديلة لتجنب احتمال حادث. جبنه الأبله لا حدود له. ها هو جالس يشبه مزهرية الشيمو بطبقة سميكة من نسيج الندوب البنفسجي الناعم. مغلفاً بكامله في درعه، حركاته بطيئة و هايدروليكية. يستغرق عشرة دقائق ليجلس. تزداد هذه الطبقة سماكة حتى العظام – وعلى الجراح أن يشتغل عليه بأدوات قوة. وهكذا نترك السيد ” ثري الأعضاء”وناس الأعضاء الخالبين لصرحهم، جبل من نسيج الندوب. كما قال اللورد رون هيوبارد مؤسس الساينتولوجيا “أصح صحيح يمكن للإنسان أن يكونه أن يعيش مخطئاً إلى ما لانهاية” “كتبت ” مخطئاً” بدلاً عن ” أطول” وهذه الزلة مهمة للطرائق التي يتحقق بها الخلود في الخيال العلمي، والتي ستصبح عاجلاً حقائق علمية، بالفعل خاطئة بصورة لا متناهية، أخطأ خطأ يمكن للإنسان أن يكونه، مصاص دماء، أو أسوأ.

تطور تقنيات زراعة الأعضاء فتح سؤال ما إذا كان من الممكن زرع الأنا نفسها من جسد إلى آخر. والسؤال التالي يتعلق بأين تقيم هذه الكينونة بالضبط. هذا هو السيد هارت، تريليونير مكرّس لخلوده الشخصي. أين هذا الشيء المدعو السيد هارت. أين تحديداً، هل يقيم في الجهاز البشري العصبي،هذا الشيء ماص الموت، معامل الموت، خائف الموت؟ العلم يعطي إجابات تجريبية فقط: يبدو أن الأنا تقع في الدماغ الوسيط في قمة الرأس. “حسناً” يفكر ” أليس بإمكاننا أن نغترفها خارج رأس يافع معافى، و نرمي خاصتي في القمامة حيث تنتمي، ثم نزلقها فينيييييييييييييي؟. بالتالي بدأ البحث عن جراح دماغ، رجل ألمعي، و هو يريد الأفضل. و عندما يتعلق الأمر بالعمليات الصغيرة فإن دكتور زيت العجوز هو القمة. بإمكانه استبدال البيض في زقاق مظلم. يجسد السيد هارت الروح التنافسية الاكتسابية، الموجهة نحو النجاح، التي تشكل الرأسمالية الأمريكية. الامتداد المنطقي لهذه الروح هو المجرم. النجاح هو تبرير نفسه. فالذي ينجح يستحق النجاح، هو على صواب. والعملية نجاح. انسحب الدكاترة بتكتم. عندما يستيقظ الإنسان في جسد جميل جديد، يستطيع أن يتبختر “يجن”. ليس من المجزي أن تكون شاهداً. يقف السيد هارت و يتمطى بترف في جسده الجديد. يمرر يديه على العضلات اللينة الشابة في مكان كرشه السابقة. كل المتبقي من المتبرع نقطة من المادة الرمادية في صحن. يضع السيد هارت يديه على فخذيه وينحني ناظراً للنقطة.” الآن كيف بإمكانه أن يكون خاطئاً أكثر من ذلك؟ ميت”. يبصق عليه، يبصق بقباحة.

التقلصات الأخيرة للكون، مبنية على عوامل كمية، كالنقود، القمامة”المخلفات”، و الزمن، تبدو في قبضة اليد. و يقترب زمن لا تكفي فيه أي كمية من المال لشراء أي شيء، والزمن نفسه سينصرم “سينفد”. هذه تعاليم” أمثال” مصاصية دماء “فامبيرية” جُنّت. لكن كل مسودات الخلود الفامبيرية خاطئة ليس فقط من وجهة نظر أخلاقية. إنها لاتعمل من الأساس. في مصاصي دماء الفضاء يتحدث كولن ولسون عن فامباريين حميدين. خذ قليلاً واترك قليلا. لكنهم يأخذون أكثر مما يتركون بالطبيعة الجذرية لعملية الاستهلاك المعتمة “لكن؟” الحرونة للفامبير. يحول الفامبير الدم النوعي الحي، الحيوية، الفتوة، الموهبة، إلى غذاء كمي وزمن لنفسه. إنه يرتكب الخيانة الجذرية للروح، مختزلاً كل الأحلام البشرية إلى برازه. وهذا أخطأ خطأ يمكن للإنسان أن يكونه. الخلود الشخصي في الجسد الفيزيائي مستحيل، حيث أن الجسد الفيزيائي يوجد في الزمن، والزمن هو ما ينتهي. عندما يقول أحدهم أنه يريد أن يعيش للأبد، فهو ينسى أن للأبد كلمة زمن. لنقل على الأقل، كل مشاريع الخلود ثلاثية الأبعاد، غير فطنة، حيث أنها تغمر الطامح في الزمن أعمق. المفهوم المرهق للخلود الشخصي، مستند إلى وهم جوهرٍ ما، ثمينٍ لا يتغير. “أنااااااااااااااااا” العجوز الجشعة للأبد. ولكن كما يقول البوذيون ليس هنالك أنااااااااا، ليس هنالك أنا لا متغيرة.

ما نعتقد أنه الأنا هو رد فعل دفاعي، تماما كأعراض مرض ما-حمى، تورم، تعرق- هي رد فعل على جرثومة غازية. أنانا المحبوبة، تنبع من الأعشاب المتعفنة للشهوة والخوف والغضب، ليس لها استمرارية أكثر من تعرق الحمى. ليس هنالك أنا، فقط عملية متغيرة، خيالية مثلها مثل مدن آكلي الروائح التي تذوب في المطر. لحظات من التأمل كافية لإظهار أننا لسنا كما كنا قبل عام أو أسبوع. ” أيّاً كان ما يدفعني لفعل ذلك؟”.

خطوة تجاه خلود عقلاني، تكسير مفهوم الشخصي المنفصل “المستقل”، وبذلك الأنا القاتلة بعناد. هذا يفتح أبواباً عديدة. روحك يمكنها أن تقطن في عدد من الأجساد، ليس كطفيل شنيعٍ ما، مجففاً المضيف، لكن كزائر مساعد صغير. ” روجر المستأجر.. لا يستحوذ على حيزٍ كبير.. يعلمك حيلة أو اثنتين..لا يرهق ترحابك أبداً.

التقط عشر صور فوتوغرافية لنفس الشخص في ظرف ساعة. بعض منها ستبدو لا مشابهة جداً، حدّ يبدو موضوعها غير معروف. و بعضها سيبدو كشخص آخر. “لماذا يبدو تماماً ككريتشوف ، بسن ذهبية بارزة”.

وهم الهوية المستقلة الحصينة يحد إدراكك ويسجنك في الزمن. أنت تعيش في آخرين وآخرين يعيشون فيك -“زيارة”- هكذا ندعوها، وبالطبع الأمر أكثر سهولة بالنسبة للمستنسخين.

عندما سمعت بالاستنساخ لأول مرة ، قلت، ياله من مفهوم خصب: لماذا، يستطيع المرء أن يكون في مئة مكان مختلف في نفس الوقت، ويجرب كل ما يفعله المستنسخون الآخرون. أنا منذهل من الهتاف ضد هذا الشيء الجيد، ليس فقط من رجال ملابس بل من العلماء أيضاً، العلماء عينهم الذين أسفرت أبحاثهم على المرضى عن جعل الاستنساخ في متناولنا. فكرة المستنسخ المحضة تربك هؤلاء السادة المحترمين. كقطيع على حافة التناثر فزعاً، يجأرون، نابشين الأرض في ارتياع ” الذاتية حقيقة ضرورية للحياة”. فكرة الإنسان بلا ذاتية مرعبة.

” مرعبة بالنسبة لمن؟ تحدث عن نفسك، أيها الوحش العجوز الرعديد، المرتعد في مرحاضك الأبدي. يبدو أن العديد جداً من العلماء جاهلون بأكثر المفاهيم الروحية بدائية. إنهم يميلون إلى أن يكونوا من النوع المرتاب، المشعر، البارنويد من الناس بأنوات ضخمة يدفعونها كمصاب بداء الفيل بخصى متورمة على عربة يد، مرتعبين، بلا شك، من أن مستنسخا عاقا متسللا، سيتسلل إلى أدمغتهم الخاصة، ويسرق عملهم العبقري. وذلك الإجحاف يجلب الدموع إلى عيونه، فيحدق قلقاً عبر نظارته ثنائية العدسات.

ليس الاستنساخ “أنا” مسعورةٌ جُنّت. على النقيض، الاستنساخ هو نهاية الأنا. لأول مرة تكون روح الإنسان قادرة على أن تفصل نفسها عن الآلة البشرية، أن تراها و تستعملها كآلة. لم تعد معرّفة بآلة “أنا” خاصة “بآلتي الخاصة”. الجسد البشري أصبح اصطناعاً، يمكنه استعماله كالطائرة والقارب أو الكبسولة الفضائية.

تسآءل الشاعر جون جورنو إذا ما كان مستنسخ عن مستنسخ عن مستنسخ سيتلاشى إلى ضجة بيضاء كنسخة عن نسخة من شريط. كما اعتاد الكونت كورزبيسكي أن يقول” لا أدري، دعنا نرى”.

لكن في النهاية، أنا أفترض، أن الخلود الحقيقي يوجد فقط الفضاء. استكشاف الفضاء هو الهدف الوحيد الذي يستحق الكفاح من أجله. فوق القمم وفي الهناك. ستعرف أعدائك بأنهم أولئك الذين يحاولون أن يعيقوا طريقك. الاحتكاريون الفامبيريون سيببقونك في الزمن كقطيع لهم ” شيءٌ جيد، أن الأبقار لا تطير”: يقولون بخضة ضحك شريرة. الشر، إله العبيد الذكي.

يشكل السذج والأغبياء مهدداً بسبب الإمكان المعوق لأعدادهم الغفيرة. لدي شذرة مهمة في سجل قصاصاتي. أخبار تتسرب من كاميرا الجلمود. صورة امرأة عجوز برأس موت، وابتسامة أسنان زائفة. تتحدث باسم اتحاد النساء المسيحيات المعتدلات. “نحن نعارض استغلال الأطفال، عدم ضبط النفس، والخلود”.

الطريق إلى الخلود موجود في الفضاء، والمسيحية مدفونة تحت كومة جُفاء من الدوغما الميتة، الصلوات المتباكية، ولا بد أن تعارض الصلوات الفارغة الخلود في الفضاء، كما يكره ويخاف الزائف دائماً من الشيء الحقيقي. الإسلام المنبعث… المولودين مسيحياً للمرة الثانية.. العقيدة.. الرث..المتاع الزائد… لحم ميت”جيفة”؟

الخلود مستقبل مديدٌ، ومستقبل كل اصطناع يكمن في اتجاهه نحو المزيد من المرونة. المقدرة على التغير وأخيراً الطفرة. قد ينظر إلى الخلود كناتج ثانوي لوظيفة: ” الإشراق أثناء العمل”. الطفرة تتضمن تغيرات تفوق الخيال حرفياً، من وجهة نظر الطافر المستقبلي. مخلوقات ذات دماء باردة، لا تحلم، تعيش في وسط بلا وزن نسبياً من الماء، لا تستقبل هواء التنفس، الحلم ولا تجرب قوى الجاذبية كحقيقة أساسية في الحياة. هنالك مكاسب مميزة للمعيش في وسط داعم كالماء. ليست الطفرة أمرأ متعلقاً بالخيارات المنطقية. يجب على الإنسان الطافر أن يخطو في المجهول خطوة، خطوة لم يخطها بشريٌّ من قبل.

نحن أول من اقتحم صمت البحر الصامت. نحن أول من انفجر في هذا البحر الصامت على الإطلاق.

– ويليام بوروز كاتب أمريكي ولد في 5 فبراير 1914 في مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري الأمريكية و توفي في لورانس بولاية كانساس سنة 1997. اشتهر برواياته التي غالبا ما تمزج بين الفانتازيا والواقعية وتتحدث عن المخدرات والجنس. يوصف بأنه فيلسوف مخدرات وحيوات أخرى جنونية، يعتبر من أهم كتاب جيل البيت الأمريكي الذي ضم أيضا ألين غينسبرغ وجاك كرواك. من أهم أعماله الإبداعية “الغداء العاري” والتي صدرت عام 1959 بعد محاولات عديدة للنشر بسبب فجورها غير المعتاد بالنسبة للبيئة الريفية الأمريكية.

ويليام بوروز

كاتب وفنان تشكيلى أمريكى
زر الذهاب إلى الأعلى