حول معجم أعلام وشخصيات جنوب السودان. مقاربات في المنهج والتجربة
تعتبر معاجم السير و تراجم الاعلام و الشخصيات واحدة من المصادر المهمة لدراسة تاريخ وتطور الشعوب و الدول و البلدان، وذلك من خلال الاعتماد على السرديات التي تقوم بتتبع أثر الأشخاص ودورهم في صناعة الأحداث و المواقف المهمة في حياة المجتمعات، و تعتبر التراجم واحدة من الحقول المعرفية التي تهتم بالتاريخ الثقافي ، الاجتماعي و السياسي ، وتكتسي التراجم أهمية قصوى في عملية كتابة التاريخ، وذلك لما تختزله من أحداث ووقائع في ثناياها، وتكشف عن مجموعة من الحقائق والتعمق فيها يساهم في دراسة مختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتبر بعض الدارسين التراجم على أنها واحدة من أشكال الكتابة الفنية و الأدبية ، لأنها عادة ما تكون أقرب للبلاغة منه للتاريخ ، ويرى محمد عبد الغني في كتابه عن السير و التراجم ، بأن التراجم هي ” ذلك النوع من الأنواع الأدبية الذي يتناول التعريف بحياة رجل او اكثر ، تعريفاً يطول أو يقصر ، ويتعمق أو يبدو على السطح تبعاً لحالة العصر الذي كتبت فيه الترجمة ، وتبعاً لثقافة المترجم – أي كاتب الترجمة- ومدى قدرته على رسم صورة واضحة كاملة ودقيقة من مجموع المعارف والمعلومات التي توافرت لديه عن المترجم له”.(حسن1980:9)
وتنقسم كُتب الترجمة من حيث التصنيف القائم على مضمونها الى عدة أنواع منها التراجم العامة وهي التي تتناول حياة المشاهير من الاعلام دون تحيز تاريخي أو موضوعي أو جغرافي واضح، وهناك أيضا التراجم المتخصصة وهي تترجم للأعلام والشخصيات حسب فتراتهم الزمنية أو فئاتهم الموضوعية، وتنقسم الى ثلاثة أصناف هي التراجم التاريخية أو الزمنية، والتراجم الموضوعية، والتراجم الجغرافية، وهناك الترجمة الذاتية والتي يقوم فيها الشخص بكتابة تجربة وتاريخ حياته بنفسه وقد تعارف عليها الناس باسم المذكرات الشخصية.
وتعنى الترجمة كمفهوم بتهيئة الظروف للتعريف على المترجم به وازالة حجب المجهول التي تكتنفه، وذلك إما بعرض تاريخي الميلاد والوفاة ومحلهما وذكر الطبقة التي ينتمي إليها الشخص زماناً ومكاناً وعلماً وخطة، وإما بذكر أخباره وأحواله ونشاطه. (Histories)
هذا وقد برز الاهتمام بكتابة القواميس الخاصة بسير الاعلام والشخصيات منذ وقت مبكر في السودان ، اذ يعتبر كتاب (طبقات ود ضيف الله) لمؤلفه محمد النور ود ضيف الله والصادر في العام 1805 ،أساس التراجم الحديثة في السودان، حيث استطاع كاتبه أن يوثق لسيرة الأولياء و الشعراء في دولة سنار، تلتها عدة محاولات أخرى في كتابات محمد عبد الرحيم ، وكتابات سعد ميخائيل في ثلاثينيات القرن الماضي .(هل2016:4)، الا أن القاموس الذي قام بإعداده الاداري و الأستاذ الجامعي و الباحث البريطاني المتخصص في تاريخ السودان، ريتشارد ليزلي هِلْ (1901-1996)، والذي كرسه للتعريف بأبرز الشخصيات من السودانيين والاجانب الذين كان لهم وجود فاعل داخل السودان منذ أقدم العصور وحتى العام 1948، والذي يحمل اسم A Biographical Dictionary of the Sudan، يمثل العمل الموسوعي الوحيد الذي حاول أن يؤرخ لمساهمات شخصيات من السودان ككل شماله وجنوبه ، عكس بعض المحاولات المبكرة التي اهتمت بسير الاعلام والشخصيات السودانية ، لأنه قام على عمل ميداني استقصائي لجميع تلك السير بدعم من ادارة كلية غردون التذكارية ومجلسها ، حيث صدرت الطبعة الأولى منه في العام 1951(فرح2016).
وردت في معجم أعلام السودان لريتشارد هل ترجمة لحوالي 31 شخصية من جنوب السودان ، وجاءت سيرهم مقتضبة جداً كبقية الأسماء الواردة فيه ربما بسبب قلة المعلومات المتوافرة عنهم ، أمثال اكاليلي مايا و اكانج من اللاتوكا ، اكول اتيانق من بالييت ، السلطان مبورو بيكوبو زعيم قبيلة اندوقو بغرب بحر الغزال ، بيلكوي دوب زعيم دينكا روينق ، السلطان تاكبينج ملوال من منطقة يرول ، جمعة كيانو زعيم محلي من منطقة بسيلية بغرب بحر الغزال ، دانيال دينق سرور اول قس كاثوليكي من الدينكا،زوموي اكبيرو زعيم الزاندي، السلطان يامبيو واخرين، وقد مثل معجم ريتشارد هل المرجعية الاساسية التي اعتمدت عليها معظم القواميس والتراجم التي أوردت سير لأعلام وشخصيات من جنوب السودان (هل:2016).
صدرت للدكتور عون الشريف قاسم في العام 1996 موسوعة القبائل و الأنساب في السودان جاءت في ستة اجزاء ، حاول من خلالها التعريف بمشاهير الاعلام السودانيين وتقصي أصولهم وانتماءاتهم ، ويبدو واضحاً أنها كانت مركزة في الأساس على تغطية المجموعات العربية في السودان ، وذلك من خلال الاشارات المقتضبة للشخصيات الوارد ذكرها من جنوب السودان ، والتي تحصل عليها من بعض المصادر المكتوبة من أمثال كتاب ابيل اليير السودان التمادي في نقض المواثيق و العهود ، حيث ترد الأسماء فيه حسب الترتيب الهجائي دونما اجتهاد كبير ، مثلاً تحت الترتيب أروب يقول :” اشتهر أروب يور معلم من قبيلة الشلك تخرج من كلية الآداب جامعة الخرطوم وتخصص في اللغة العربية ، نال الماجستير من الجامعة الامريكية بالقاهرة، عمل محاضراً بشعبة الدراسات الاضافية بجامعة الخرطوم ووزيراً اقليمياً بالإقليم الجنوبي” وكذلك ” أزايا : اشتهر أزايا كولانق مابور، عمل محافظاً لبحر الغزال (1973-1976)، ووزيراً للسياحة و الحيوانات ووزيراً للمواصلات”. (قاسم 1996:126)، والملاحظ أن غالبية السير التي أوردها عون الشريف هي لمسئولين حكوميين واداريين بارزين عكس ما اتبعه في سرد أعيان ووجهاء وقادة المجتمعات المحلية والقبائل الاخرى في شمال السودان، فقد كان واضحا أن الضرورة اقتضت ذلك طالما كان الحديث عن المجموعات السودانية.
حاول الدكتور البشير أحمد محي الدين أن يكمل الجهود التي بذلها المؤرخين في توثيق سيرة الاعلام و الشخصيات البارزة في السودان ، خاصة وأن ريتشارد هل قد توقف في العام 1984 ، ففي كتابه المعنون بـ(معجم اعلام السودان من 1820 الى 1956) والصادر في العام 2020 كأحدث المعاجم المهتمة بسير الشخصيات في السودان ،عمد محي الدين الى ” استخدام منهجية تاريخية تقوم على تقديم معلومات وأحداث تاريخية بصورة مختصرة توضح دور الشخصية المحوري في الاحداث واثره في تسلسل الاحداث “(محي الدين 2020:11)، كما أشار الى انه قصد أيضا ابراز أسماء جديدة لم يتم التطرق اليها بالذكر في أغلب الموسوعات ، وقد استطاع بالفعل أن يورد عدد كبير من الاسماء التي لم يكن أحد يعلم عن صلتها بجنوب السودان من أمثال السلطان أندل عبد الله ، والسلطان أندل ضحية من مجموعة الكريش بغرب بحر الغزال ، إلى جانب كل من رابح الزبير الذي تعود أصوله لجنوب السودان تبناه الزبير باشا بعد وفاة والده الذين كان يحارب ضمن البازنغر وهو مؤسس مملكة وداي الاسلامية ، بالإضافة لشخصية رجب الزبير الذي قتل والده في احدى معارك الزبير باشا في بحر الغزال ، التحق بخدمة البوليس المصري حتى بلغ رتبة معاون ومدير مركز تلا ، و فائق الزبير باشا الذي تعود أصوله لجنوب السودان ومرجان الديناصور(محي الدين 2020:247) ، وتتمثل الاضافات الجديدة التي قدمها معجم اعلام السودان لكونه اهتم بالوثائق المصرية المكتوبة عن جنوب السودان و التي وردت فيها أشارات عديدة لأسماء تعود أصولها لجنوب السودان خدمت في الادارة التركية المصرية وأرتبط بمؤسساتها خلال تلك الفترات، لكنه أستصحب معه بعض الأخطاء الشائعة والمتعمدة في أسماء الشخصيات و الأماكن وقبائل جنوب السودان ، وهي أخطاء سارت عليها ركبان الكتاب و المؤرخين السودانيين والاجانب لفترات طويلة ولاتزال.
بُعيد استقلال دولة جنوب السودان بأربع سنوات ، أصدر الاكاديمي والأستاذ الجامعي و الاداري الجنوب سوداني الدكتور كيوك آبوك كيوك في العام 2015، أول معجم يضم تراجم لحوالي 700 شخصية لعبت أدواراً هامة في تاريخ السودان وجنوب السودان، حمل اسم (South Sudan The Notable Firsts) ، ويجئ الكتاب كثمرة لجهد بحثي طويل وشاق بدأه في يوليو2001 ،اهتم فيه بترجمة أسماء لشخصيات من مختلف المجالات و المشارب و الضروب منهم السياسيين و الاكاديميين ورجالات الدين المسيحي و الرياضيين ، وهو بذلك يقع في التصنيف ضمن التراجم العامة التي تجمع سيرة طائفة من الاعلام والشخصيات المختلفة صناعة وطبقة وعصرا ،لكنهم يتحدون في صفة واحدة تجمعهم وهي الجدارة والاستحقاق ،ويعتبر هذا النوع من التراجم معجما للشخصيات البارزة (حسن1980:40)، يقول الدكتور كيوك في مستهل معجمه :” هذا هو الجزء الاول من معجم أعلام وشخصيات جنوب السودان ، وهو مشروع بحثي مستمر بداته في العام 2001 تحت العنوان الذي أتخذه الكتاب ” الرواد الاوائل” حيث اهتم هذا الجزء بصورة أولية بالشخصية الجنوب سودانية التي تركت أثرها تاريخياً من الأحياء و المعاصرين والذين غادروا عالمنا من مختلف المجالات الحياتية في السياسة ، الادارة الاهلية، الخدمة المدنية، المجال الاكاديمي، والرياضة” (Kuyok,2015).
ويتفق الدكتور كيوك مع الكثير من الكتاب و المهتمين بتاريخ جنوب السودان ان معظم المعاجم وكتابات السيرة الذاتية و المراجع التاريخية في السودان ، لم تهتم بصورة كبيرة بالشخصيات الجنوب سودانية التي لعبت ادوار تاريخية بارزة ومؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في السودان ككل، وكذلك الحال بالنسبة للكتاب الأجانب الذين وضعوا عدد كبير من الكتب في حقول الأنثروبولوجيا ، اللغات ،و التاريخ ، حيث تجدها حافلة بالأخطاء الفادحة والمعلومات التاريخية المتعلقة بسير تلك الشخصيات التي يوردونها على قلتها، دونما الانتباه لتلك الأخطاء من أجل تصويبها في طبعات لاحقة ، وقد أدى ذلك الى استنساخ تلك الأخطاء في دراسات أكاديمية بحثية وكتابات أخرى جديدة تتناول جنوب السودان.
وحدد الباحث جملة من الأهداف التي دفعته لكتابة هذا المعجم الخاص بسيرة الشخصيات البارزة من جنوب السودان ، تتجاوز مجرد الاشارة لتلك الشخصيات وما لعبته من أدوار الى محاولة سبر أغوار التاريخ السياسي و الاجتماعي لجنوب السودان، من خلال تسليط الضوء على الأحداث التي كانوا جزء منها وشاركوا في صناعتها عبر مؤسسات الدولة أو عن طريق الكفاح المسلح ، لذلك يعتبر هذا المعجم بالنسبة للكاتب محاولة لإعادة كتابة التاريخ الخاص بجنوب السودان منذ فترات سحيقة تعود للقرن السابع عشر ، كمساهمة للتعريف بالوطنية الجنوبية وحركتها المتجذرة في التاريخ الحديث والمعاصر ، ومناقشة طبيعة العلاقات التي ربطت السودان بجنوب السودان ، لذلك استهل المعجم بكتابة خارطة زمنية تضم أهم الأحداث التي شهدتها جنوب السودان بداية بتأسيس مملكة الشلك على يد نيكانغ الاب المؤسس و ابنه داك نيكانغ في العام 1550، انتهاء بالتاسع من يوليو حيث تم اعلان استقلال دولة جنوب السودان رسميا من دولة السودان (Kuyok,2015).
اعتمد الكاتب على مبدأ المرونة المنهجية في تجميع المعلومات الخاصة بالكتاب ، من بينها تجربته الشخصية في العمل العام منذ فترات العمل الطلابي ومشاركته في عدد من الأحداث التي شهدها السودان وجنوب السودان بصفة عامة ، مما ولد عنده الاهتمام بأهمية رصد وتدوين تلك الأحداث كنوع من أنواع الملاحظة ، مثلما أعتمد على اجراء جملة من المقابلات الشخصية مع بعض الشخوص أو ممن تربطهم بهم علاقة من أفراد أسرهم المقربين الى جانب الزملاء والاصدقاء، وكذلك عبر المقابلات الهاتفية ، بغرض الحصول على تفاصيل السيرة الخاصة بالشخص المترجم له ،واسهاماتهم في الخدمة العامة و انجازاتهم الشخصية ، وقد ساعدت الباحث العديد من العوامل من بينها أن معظم تلك الشخصيات عاشت خلال الحقبة الرئيسية التي غطاها البحث من 1940 وحتى 1990 والتي تمثل تاريخاً مشتركاً لمعظم المجموعة المستهدفة بالدراسة ، اذ وجد أن معظمها درس في مدارس مشتركة ، الى جانب كونهم كانوا جزء من حركة الكفاح المسلح في الحرب السودانية الاولى ، كما استفاد الباحث خلال فترة تواجده بدولة بريطانيا من الارشيف الخاص بالسودان وجنوب السودان في جامعة (درم) وعدد من المراكز البحثية و المكتبات الاخرى التي توجد بها غالبية الوثائق الخاصة بالإداريين البريطانيين الذين عملوا في السودان خلال فترتي الحكم الثنائي و الادارة الانجليزية لجنوب السودان.
انتهج الدكتور كيوك نهجا جديداً ونادراً في كتابة المعاجم والقواميس وتراجم الشخصيات ، وذلك من خلال اتباع طريقة تقسيم الكتاب الي فصول قامت على الحقب و المراحل التي جمعت بين شخصيات الكتاب ، حيث قام بتقسيمه الى عدد من الفصول ومعها خاتمة مطولة اقرب الى المقالة حملت عنوان ” النضال من اجل روح الامة” ،الى جانب المقدمة التي اوضحت المنهج المتبع في الدراسة ، وجاء الفصل الاول من المعجم تحت عنوان “في البداية كان هناك نيكانغ واخرون” ، ركز فيه على ايراد سير الرواد الاوائل في مجالات الادارة الاهلية والتعريف بالقيادات المبكرة لجنوب السودان وبالأخص الزعماء التقليديين والسلاطين ، اما الفصل الثاني فقد كرسه الباحث لظهور القيادة السياسية والتقليدية المبكرة خلال الفترة من 1940 الى 1950 و هي حقبة شملت التعريف بالقيادات التي شاركت في مؤتمر جوبا ، و الاعضاء المشاركين في اول جمعية تشريعية، بالإضافة لأول الاعضاء البرلمانيين الذين تم انتخابهم من جنوب السودان في العام 1954 ، وقد ظهرت في تلك الفترة ايضا اولى قيادات الادارة الاهلية الذين تم تنصيبهم بصفة رسمية من قبل الادارة البريطانية في جنوب السودان، اما الفصل الثالث فقد تم تخصيصه لأسماء الشخصيات التي شاركت في حركة الأنانيا الاولى، وفي الفصل الرابع اهتم الكاتب بسير الشخصيات التي شاركت في الحكومة الاقليمية التي تم تكوينها في جنوب السودان بعد التوقيع على اتفاق اديس ابابا للسلام 1972 باعتبارها المرة الاولى التي يتقلد فيها الجنوبيين مناصب قيادية عليا وهامة ورفيعة في الدولة ، بينما تم تخصيص الفصل الخامس للشخصيات التي تولت قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان1983 خاصة المؤسسين منهم ، أما الفصل السادس فقد تم تخصيصه لسير النساء الرائدات في جنوب السودان ، في الفصل السابع اورد الكاتب سيراً مفصلة لأكاديميين جنوبيين لعبوا أدواراً كبيرة في تطوير عملية التعليم و البحث العلمي ، وفي الفصل الثامن تناول الكاتب سير الشخصيات التي ساهمت في العمل الروحي الكنسي في جنوب السودان ، وفي الفصل الختامي اورد الكاتب مقالا مطولا بمثابة خاتمة للكتابة تناول فيه مفهوم الوطنية الجنوبية والتحديات الماثلة التي تواجه بناء الدولة في جنوب السودان ، حيث أشار فيه الى أن ” هذا الكتاب يحتفي بالتضحيات و الاسهامات التي قدموها لامتنا ، واتمنى ان تلهم السير المتضمنة في هذا الكتاب الاجيال الشابة في جنوب السودان للقيام بالأعمال التي هؤلاء الرواد العظام”(Kuyok,2015).
لقد مزج الكاتب في معجمه عن اعلام وشخصيات جنوب السودان ما بين كتابة السير و التراجم والبحث التاريخي الصرف، وذلك من خلال اتباع طريقة التبويب غير المعمول بها في كتابة المعاجم والسير عموما ، فالمألوف هو ترتيب اسماء الاعلام و الشخصيات وفق التصنيف الالفبائي للشخوص دون الاهتمام بتسلسل الازمنة و الحقب التاريخية ، وقد اختلفت بذلك مع رصيفاتها من المعاجم و الموسوعات الاخرى، ومعروف ان التسلسل يسهل من عملية البحث ويستطيع من خلاله الباحث تبيان الحقبة التي عاشها الشخص المترجم له من خلال السيرة نفسها ، من خلال ذكر الاسم والحقبة التي عاشها فيها ومن ثم أهم المواقع التي تقلدها وما حققه من انجازات، وقد أضر نظام التبويب و الفصول الذي أعتمده الكاتب كثيراً بمضمون المادة وترتيب الاعلام الذي أوقع حالة من الارتباك في تفسير المنطق المتبع في أدراج بعض الاسماء تحت حقبة معينة في حين تجد أنهم قد أسهموا أيضاً وقدموا انجازات في الحقبة التي تليها ، خاصة في الحقبة المعاصرة في تاريخ السودان ، فمثلاً نجد أن معظم الشخصيات التي أسهمت في حركة الأنانيا الاولى في ستينيات القرن المنصرم ، ظهرت في الحرب السودانية الاهلية الثانية التي تزعمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 1983، واستمر وجودها طوال تلك الفترة حتى مرحلة ما بعد استقلال دولة جنوب السودان، لكن نجد ان الكاتب اختار وضعها وتصنيفها حسب الفصول و المراحل التي انتهجها في تنظيم اقسام وفصول الكتاب ، علما بأن بعض المراحل التي اعتمدها لم تتجاوز العشرة أعوام مثل الفترة التي استغرتها الحرب الاولى من (1962-1972) ، وكذلك الحقبة التي استغرتها مرحلة تنفيذ اتفاقية أديس ابابا وتكوين الحكومة الاقليمية من (1972-1983) ، فتجد ان شخصية مثل جوزيف ادوهو استطاعت أن تلعب أدوار قيادية في حركة الأنانيا ، كما كان من طلائع الثوار الذين خرجوا لتأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان كما تشير الى ذلك العديد من السير و المصادر و التدوينات، وهو ما ينطبق على عدد من القيادات التي امتدت انجازاتها واعمالها لتغطي معظم حقب ومراحل التطور السياسي لجنوب السودان، أمثال باري وانجي ، صموئيل ابو جون كباشي ، والرئيس الحالي لجمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت ، وقد حصر التصنيف ايضا الكاتب في مجال ضيق حرمه من ايراد بعض الاسهامات التي قدمها الجنوبيون في مجالات اخرى مثل الفن و الادب و الفكر و الثقافة ، وهي مجالات مهمة استطاع من خلالها المثقفين الجنوبيين و المهتمين بالإبداع أن يؤسسوا لتنامي الوعي القومي وتحفيز حركة المقاومة من خلال استلهام التاريخ المشترك لجنوب السودان كعامل لتوحيد جبهة النضال في اشكاله المتعددة.
باعتباره أول معجم مخصص للتعريف بسير وتراجم الاعلام و الشخصيات التي لعبت أدواراً بارزة في جنوب السودان، فقد كان من الأحرى بالكاتب أن يقوم بكتابة مختصر تعريفي في بداية الكتاب لنظام الالقاب المعتمد عند المجموعات المحلية في جنوب السودان و التسميات الرسمية لقيادات للملوك و الأمراء و الملكات وقيادات الادارة الأهلية ، ففي بعض السير نجد الكاتب يشير للشخصية باعتباره زعيم تقليدي ، سلطان، رث، زعيم روحي، في حين أن ترتيب السلاطين والقيادات المحلية لدى كل مجموعة يحمل أسماء معينة ، وفي بعض الحالات التي أوردها في سير بعض الاعلام من قيادات الادارة الاهلية المعروفة من امثال اجانق بيور ، دينق مجوك، بيلكوي دوب فقد جرى تعريفهم عند السلطات الادارية الانجليزية بلقب ” ناظر عموم” أكثر من لقب سلطان عموماً المستخدمة بالإنجليزية ، وهي عبارة تستخدم في الادارة المحلية في السودان لرئيس القبيلة ، وناظر عموم لقب تعترف به الحكومة، ويطلق على رؤساء اتحادات قبلية (هل1916:18)، وكذلك الحال بالنسبة للقب مأمور اذ نجد ان هناك بعض الشخصيات الواردة في المعجم قد تقلدت منصب مساعد مأمور في عدة مواقع في جنوب السودان في أعقاب تنفيذ سياسات السودنة ، ومثلما استخدم الكاتب لقب رث المتعارف عليه عند الشلك ، كان في مقدوره ايضا استخدام الالقاب الملوكية المعروفة محليا لدى الزاندي و الأنواك و اللاتوكا في جنوب السودان كإضافة جديدة منه توضح تميزه عن بقية القواميس و التراجم الاخرى التي كتبها اشخاص من خارج جنوب السودان ، لأنه سيشكل بذلك مرجعية للعديد من الكتابات و الدراسات الجديدة التي تتناول عن تاريخ جنوب السودان مستقبلا ، مثلما انه سيمثل بالضرورة نواة اساسية يمكن ان يضيف اليها الكثير من الباحثين و الذين يودون كتابة قواميس او معاجم مخصصة لشخصيات بعينها في جنوب السودان في مجالات معينة او لحقب تاريخية محددة ، خاصة وانه قد افرد مساحة كبيرة ومقدرة لسير الشخصيات المعاصرة ، كما قدم ترجمات جديدة لم تكن معروفة لشخصيات تاريخية في الفترات التي سبقت تكوين الدولة السودانية ، وخلال فترة الحكم التركي و الحكم الثنائي و الحقبة التي اعقبت استقلال السودان في 1956.
من ملاحظاتنا على معجم أعلام وشخصيات جنوب السودان ورواده الأوائل للدكتور كيوك ابول، هي اغفاله لتثبيت سير العديد من الاعلام والشخصيات المنتمية لجنوب السودان، والتي لعبت أدواراً واضحةً ومؤثرة في مسيرتها الحياتية وقدمت العديد من الانجازات التي لا يمكن التغاضي عنها، والتي لا تقل عن اسهامات غيرهم من مجايليهم أو الذين سبقوهم في مجالات عملهم واهتمامهم، وكان لهم حضور مؤثر وملموس.
فمن بين الاعلام البارزين والمهمين الذين كان لهم ارتباط بجنوب السودان وتاريخه، ولم يتطرق لهم المعجم بالذكر على سبيل المثال:
القائم قام زين الدين عبد التام، المولود في مدينة حلفا بشمال السودان من أم محسية وأبيه عبد التام من قبيلة الدينكا ثم انتقلوا بعد ذلك من مدينة حلفا الى العاصمة الخرطوم وتلقى تعليمه بها درس القانون وتخرج في الكلية الحربية عام 1916م. والذي عمل في عدة وظائف من بينها ضابط ومأمور وقاضي وكان سكرتيرا لجمعية اللواء الأبيض وعضو الجمعية التشريعية عن الجنوب وجبال النوبة وآخر رتبة عسكرية له كانت قائمقام (عقيد).
لم يتطرق المؤلف بالذكر للبكباشي اجاك بخيت دينق آرنق، المولود في العام 1906بمدينة شندي، الذي شارك الأزهري في رفع علم السودان لحظة استقلاله في يناير 1965، من مؤسسي سلاح المهندسين بالجيش السوداني في العام 1912، لذلك حمل لقب (ابو الجيش) توفي في العام 1994(Psychotec)، وكذلك مرجان الديناصوري، الذي عمل ضابطاً في صفوف الجيش الخديوي المصري في السودان، من أبناء الدينكا، تدرج في الرتب ونال عدة أوسمة رفيعة، وانتقل مع الأورطة السودانية للمكسيك (محي الدين,2019:485).
كذلك لم يذكر المؤلف اسم عبد المنعم عبد الحي (1922-1975)، الشاعر الغنائي المعروف والمولود بمدينة واو من أبوين ينتميان لقبيلة الدينكا تحديداً منطقة رومبيك، بدأ دراسته في المرحلة الابتدائية بمدرسة الخرطوم الجديدة الأولية ثم في مدرسة الموردة الأولية (مدرسة العباسية، سابقاً) بأم درمان ودرس المرحلة المتوسطة في مدرسة أم درمان الأميرية الوسطى ثم سافر إلى مصر عام 1934 م وأقام أولاً في مدينة القاهرة ثم في مدينة شبين الكوم، تزوج من سيدة مصرية وأنجبت له سته أبناء وثلاث بنات.
التحق بالمدرسة الحربية المصرية وتخرج فيها عام 1942 م برتبة ضابط بالجيش المصري الذي ظل يعمل فيه حتى تقاعد لواء في أواخر عام 1967 م، بالقاهرة 1975 م.
له اخ شقيق اسمه عبد العظيم عبد الحي تدرج في العمل الوظيفي حتى أصبح محافظاً لمحافظة اسوان المصرية في عشرينيات القرن الماضي.
تغنى الكثير من كبار المغنيين السودانيين بقصائده في أغنيات سجلت نجاحاً كبيراً في السودان وفي بعض البلدان المجاورة ومن بينهم سيد خليفة (المامبو السوداني) و إبراهيم الكاشف (أسمر جميل)، و أحمد المصطفى (أنا أم درمان وفارق لا تلم) و حمد الريح (نار البعد والغربة و عبد العزيز محمد داؤود (دوام بطراهم، ويانديماً عبء من كأس الصبا، وأحلام العذارى) و عثمان حسين ( يا ناس لا لا، وقصيدة يا ليالي المصير قولي لخلنا)،ومحمد حسنين (ياسهارى تعالو شوفو البي) ،وعثمان الشفيع (أسمر يا سميري ،وأيامنا، وذاك الصباح أهو لاح يا حبيب) ،وابراهيم عوض (يا جمال دنيانا) ،وعبد الدافع عثمان(هبت نسايم الليل، وفي حبك يا خليلي.(ويكيبيديا)
كذلك لاحظنا ان المؤلف لم يذكر وليم أندريا فائز نصار الملقب بالغزال الأسمر، ولد في 31 مايو من العام 1951م، والده هو أندريا فائز نصار سوداني الجنسية، تعود أصوله إلى جنوب السودان، وجده لوالده طبيب مسيحي لبناني الجنسية، عمل بجنوب السودان، وتزوج من هناك وأنجب أولاد وبنات من بينهم والد وليم. أما والدته مريم فهي مولدة في مدينة القضارف، والدتها من حي المسالمة بأم درمان، أما والدها فهو من أصول إثيوبية، قدم إلى السودان إبان فترة المهدية. أشقائه جوزيف وفائز ولطيف، وشقيقاته آمال وشادية وكاترينا. وثلاثتهن كن من اللاعبات المميزات في كرة السلة، ولعبن للمنتخب السوداني لكرة السلة.
كان وليم اندريا موسيقى ولاعب كرة سلة سوداني، يعد من رواد موسيقى الجاز في السودان، أسس فرقة للجاز عرفت بفرقة وليم أندريه للجاز. لعب للمنتخب السوداني لكرة السلة، وكان أصغر لاعب في المنتخب. قاد السودان للفوز بالبطولة العربية الثانية للسلة عام 1975 بالكويت، حيث فاز السودان في النهائي على العراق 93/91 في مباراة تاريخية. اختير لمنتخب أفريقيا لكرة السلة 1975/1976م، حاصل على وسام الرياضة من الدرجة الأولى عام 1976م.
توفى في الرابع من يوليو من العام 1976م، بعد مرور يومين من بدء المحاولة الانقلابية التي دبرتها فصائل الجبهة الوطنية السودانية، بقيادة العميد محمد نور سعد والتي عرفت في التاريخ السياسي بأحداث المرتزقة، قبل أن يكمل دراسته في المعهد العالي للموسيقى والمسرح، فكرمه المعهد بمنحه البكالوريوس الفخري مع دفعته (أرابيكيا الموسوعة الحرة).
كنا نتوقع أيضا أن يذكر المؤلف اسم عوض دوكة ريحان حارس مرمي فريق الموردة العاصمي المشهور، والمولود بمدينة أويل بإقليم بحر الغزال في 12 فبراير 1956م، حضر للخرطوم في العام 1965م ابان احداث الأنانيا وقتها واستقر بحي الديوم بالخرطوم بحري ودرس مرحلة الابتدائية بمدرسة الدناقلة شمال وفي العام 1972م عاد الى الجنوب واتم دراسته المتوسطة بمدرسة التونج المتوسطة بمدينة واو.
بعد اكماله لمرحلة الثانوي في العام 1978م عمل كجندي بسلاح الإشارة (رقيب فني) وعقب اعتزاله الكرة عمل مدربا لحراس المرمى نادي الموردة لمدة ثلاثة سنوات ثم سافر لدولة الامارات العربية المتحدة حيث عمل مدربا لحراس المرمى في نادي بن ياس وعاد للسودان في العام 2010م.
بعد ظهوره اللافت للنظر في منافسات الدورة المدرسية حجز عوض دوكة مركزه في فريق الموردة وأصبح الحارس الأساسي ولعب للموردة مدة 17 عاما دون توقف وبمستوى شبه ثابت إلى أن اعتزل اللعب في العام 1992م، حقق عوض دوكة عدد من البطولات مع فريق الموردة أبرزها الدوري المحلي عام 1978م وكأس السودان في العام 1988م (صحيفة الراكوبة)
أيضا لم يتطرق المؤلف لنجوم اخرين برزوا في مسار الحركة الرياضية السودانية في فترات مبكرة امثال الدكتور جعفر ريينج ، يور اني حارس فريق الهلال السوداني باعتبارهم رواد في مجالهم حققوا الكثير من الانجازات داخل وخارج السودان.
في مجال الغناء والموسيقي اورد المؤلف ترجمة يتيمة لتريزا نيانكول مثيانق كرائدة في مجال الغناء في جنوب السودان، لكنه سهى عن ذكر الرواد الاوائل الذين أسهموا في التعريف بالأغنية الحديثة بجنوب السودان من امثال أميل عدلان، أرثر محمد سعيد، يوسف فتاكي، رمضان زايد، عبد الله باكندو باكنديو، فيفيانا نياشان، عبد الله دينق، واحمد مرجان ملحن النشيد الوطني السوداني.
وكذلك الحال بالنسبة لمجالات الكتابة الابداعية الاخرى في القصة القصيرة، الشعر، المسرح والرواية، وهذا يعود للمنهجية التي اتخذها الكاتب والمتمثلة في تحديد المجموعات المترجم لها في إطار ضيق من التبويب الذي أغفل تلك المجالات الاخرى.
وبالنسبة للنساء الرائدات في جنوب السودان اورد المؤلف حوالى ستة عشر اسماً لم يكن من بينهم الرائدة و المربية علوية عبد الفراج احدى رائدات العمل النسوي و السياسي المولودة بمدينة ملكال بأعالي النيل في أربعينيات القرن الماضي ، لعبت دوراً تاريخياً في رفع الوعى بأهمية تعليم البنات عملت بالتدريس في المرحلة الاولية في بواكير شبابها، تنقلت في مختلف قطاعات التعليم تدريسا وادارة ، أسست مدرسة الشعبية الثانوية بنات كانت نشطة في الحركة النسوية بمدينة ملكال ، ومؤسسة للاتحاد النسائي السوداني ، وكانت احدى رائدات العمل السياسي و الاجتماعي ، تقلدت عدة مناصب وزارية و نالت عضوية مجلس الشعب الاقليمي في فترة من الفترات (مدونة ناس ملكال) ، تم تكريمها بإطلاق اسمها على احدى مدارس البنات الثانوية بمدينة الرنك بشمال أعالي النيل، وكذلك الحال بالنسبة لاليزابيتا وليم احدى رائدات العمل الكنسي في جنوب السودان ، بدأت خدمتها الروحية بمدينة توريت حينما كانت بمعية زوجها الذي يعمل جنديا ضمن قوات دفاع السودان ، مؤسسة لجمعية اتحاد الامهات داخل الكنيسة الاسقفية في اربعينيات القرن المنصرم في مندري ، واصبحت فيما بعد اول امرأة تصل الى درجة المطران بالكنيسة الاسقفية السودانية (Wheeler,1998:108).
سقطت أيضا عن المؤلف سيرة الشيخ جنقو ايانكو، من امراء المهدية من قبيلة الفراتيت بايع المهدي في العام 1882، بعد ان اخذ البيعة على الفور امره المهدي بإشعال الثورة في بحر الغزال، حيث جمع القبائل وهاجم محطة تل قونة في 18 اغسطس 1882، وكان مدير محطة تل قونة حسن اغا الجعلي غائباً عن مركزه، فقتل رجال الشيخ جنقو عساكر الباشبوزق، وحرقوا المركز واستولوا على سلاحهم وممتلكاتهم ودانت لهم قبائل الفراتيت في مركز تل قونة الواقع غربي بحر الغزال (محي الدين2019:284).
وكذلك لاحظنا أن المؤلف أغفل في المعجم عن سيرة الشيخ حسن سرور الدينكاوي، وهو رجل دين وداعية اسلامي مشهور، درس بالأزهر الشريف، وعمل أيضا في جنوب السودان، ويعتبر من الرواد الأوائل الذين تركوا بصمات واضحة في مجال العمل الدعوي في جنوب السودان، توفي ودفن بالقاهرة، له عدد من الأبناء والبنات الذين لازالوا يحتفظون بصلاتهم ووشائجهم الاجتماعية والاسرية.
أن العمل الذي قام به دكتور كيوك ابول ، في التوثيق وترجمة سيرة الرواد الأوائل في جنوب السودان ،يمثل مساهمة كبيرة ومهمة في التعريف بما قام به الجنوبيين على امتداد تاريخ الدولة السودانية ، كما انه عالج الكثير من الاخطاء و المغالطات التي وقع فيها الكتاب و المؤرخين الذين درسوا او كتبوا عن جنوب السودان في سياق تناولهم للأحداث التي وقعت بجنوب السودان ، حيث نجد جملة من الاخطاء المميتة عن اسماء الاعلام والقبائل و المناطق في كتابات مكي شبيكة ، نعوم شقير، ابراهيم فوزي ، محمد سيد احمد في تاريخ مدينة الخرطوم، و الامير عمر طوسون ، وهي اخطاء مرتبطة بمحاولات ترجمة طريقة نطق وكتابة الاسماء لدى المجتمعات المحلية في جنوب السودان للعربية و الانجليزية، وقد حاول ريتشارد هل ان يعالج جزء كبير منها في بعض التراجم التي اوردها عن اعلام جنوب السودان ، فالملاحظ ان الكتابات السودانية قد اعتمدت الطريقة التي تم من خلالها اعتماد الاسماء في الوثائق و المراجع المصرية التي لم تكن ترى ان هناك اهمية كبيرة للأسماء في مقابل الاحداث التي شاركوا في صناعتها او كانوا جزء منها ، وحتى الان لاتزال الكثير من اسماء المدن و الاماكن تردد بذات الطريقة المصرية.
على الرغم مما حفلت به من أخطاء ، الا أن الوثائق و الكتابات المصرية التي وثقت لفترة الحكم الثنائي في جنوب السودان تعتبر مصادر لا غني عنها لأي باحث مهتم بتلك الحقبة ، خاصة وانها مثلت بدايات تكوين الدولة السودانية كوحدة سياسية ادارية بحدودها المعروفة اليوم ، والتي كان جنوب السودان جزء منها ، حيث وقعت الاحتكاكات المبكرة بين الجنوبيين و الادارات الحكومية بصورة واضحة وجلية ، خاصة مع بدايات تأسيس المراكز و المحطات الخاصة بمحاربة تجارة الرقيق في أعالي النيل ، الاستوائية وبحر الغزال ، ويبدو أن الدكتور كيوك لم يهتم بتلك المصادر بشكل كبير وقد اتضح ذلك في غياب أسماء كثيرة لشخصيات جنوبية شاركت في تلك الفترة، خاصة الجنود و الاداريين الذين عملوا في الجيش المصري من الأرط السودانية المختلفة، و الذين عاشوا معظم فترات حياتهم في مصر وعاد بعضهم الى السودان في حملات الفتح الثنائي وحروب المهدية ، وهذا هو التفسير الوحيد لسقوط العديد من أسماء الشخصيات التي عاصرت تلك الحقبة من المعجم، مع العلم بانه أورد سيرة بعض معاصريهم لأنها وردت في الارشيف و الوثائق البريطانية عن السودان من امثال على عبد اللطيف ، على جفون (الشلكاوي)، عبد الفضيل الماظ وبخيت نيوك واخرين، والى جانب الوثائق والكتابات المصرية فان هناك العديد من كتب السير و المذكرات و الموسوعات السودان التي حفلت بتراجم لأعلام وشخصيات تعود جذورها لجنوب السودان من حيث الانتماء و المولد ، الى جانب الحوارات وارشيف الصحف و معظمها بالعربية التي تطرقت بالتناول لشخصيات جنوبية اندمجت في مسار الحياة الفنية والثقافية والسياسية في السودان ، وقد وردت اشارات عديدة لتلك الرموز الوطنية في الاصدارات الصحفية المبكرة منذ نشأة الحركة الوطنية السودانية ، ولاتزال هناك حاجة ماسة للتحقيق في سيرة عدد منهم ، اذ اتخذ عدد كبير منهم اسماء عربية واسلامية وبالتحديد جيل الاحفاد كما هو الحال مع الدكتور ادهم زين الدين عبد التام التي وردت في كتاب الصحفي السوداني يحي محمد عبد القادر(شخصيات من السودان) الصادر في العام 1952 ، مؤسس جمعية الكتلة السوداء وسكرتيرها ومؤسس حزب الشعب الاشتراكي الجمهوري واول سكرتير للحزب الشيوعي السوداني (الحركة السودانية للتحرر الوطني – حستو) ، اذ يصفه بالقول :” والدكتور ادهم من عنصر زنجي ، وقد ولد في الابيض وتلقى تعليمه الاولي و الاوسط بها، وكان والده قائمقاما في الجيش ،وكان يطمح في ان يتزعم الزنوج ، ولم تلاقي جهوده غير الاخفاق ، كان شماليا مسرفا في شماليته .. وهو وضع طبيعي تقتضيه بيئته التي ولد فيها بالأبيض وتعلم فيها في الخرطوم وزامل فيها خلال عمله في المصلحة الطبية او العمل الحر، ولكنه فجأة اراد ان يكون جنوبيا ليتزعم الجنوبيون ، ففقد عطف الشماليين والجنوبيين معا واصبح اشبه بذلك الغراب الذي اراد ان يكون طاؤوسا” (عبد القادر,1952:185) ، مع العلم ان الدكتور ادهم زين العابدين هو حفيد القائمقام زين العابدين عبد التام المعروفة صلة ارتباطه بجنوب السودان ، مثلما ان الادوار الطليعية التي لعبها في الحركة السياسية السودانية محفوظة وموثقة في ارشيف الحزب الشيوعي و الكتابات التي تناولت تاريخه منذ النشأة و التأسيس وهي كثيرة ويمكن الاعتماد عليها في ترجمة سيرته، و الملاحظ ان ترجمة يحي عبد القادر قد تعمدت تخريب سيرة الدكتور ادهم بصورة شائهه في اللحظة التي كان يناضل فيها لمكافحة العنصرية والمفاهيم السياسية المغلوطة في الدولة السودانية في وقت تجلت فيه سطوة الخطاب الطائفي ولغة اصحاب الامتيازات التاريخية ، وقد وردت في ذات المعجم سيرة يتيمة للسياسي الجنوبي بوث ديو و الذي تم تقديمه كداعية للشقاق و الفرقة و الانفصال بسبب مطالبته بالحكم الفدرالي وحديثه عن ضرورة تضمين مطالب الجنوب في الدستور.
كما أوضح الدكتور كيوك مؤلف المعجم في استهلال الكتاب ، فان صبغة الاحتفاء بالإنجازات الوطنية للجنوبيين كانت طاغية في لغة المعجم وتصديره، سيما وانه حاول أن يقدمه في ظروف النشوة التي صاحبت سنوات الاستقلال الاولى كدفعة تساهم في انعاش الذاكرة وتعزيز روح الانتماء و القومية ، وتلك محمدة جديرة بالاعتبار، كما أنها أضاعت الجهد الكبير الذي بداه الكاتب من خلال حصره في مؤلف واحد، في وقت كان في مقدوره أن يبدأها كموسوعة توثيقية لتراجم ، وسير الرموز والاعلام السياسية والثقافية والاجتماعية بجنوب السودان، وأن تصدر كسلسلة يحكم كل جزء منها رابط محدد مثل الحقب التاريخية المعروفة في تاريخ السودان ، أو الاحداث التي شاركوا فيها وهي معلومة للجميع بطبيعة الحال، وذلك في اطار ذات المشروع الذي تحدث عنه لإعادة تدوين وكتابة تاريخ جنوب السودان من خلال سيرة الرواد والرائدات وتعريف الاجيال الجديدة بالكفاح الطويل الذي خاضوه من اجل تحقيق الاستقلال ،وتظل الحاجة قائمة لتسليط المزيد من الأضواء على تلك الرموز في كافة الجوانب اذ أن الانجاز الجمعي الذي توج بالاستقلال انما جاء في سياق تكامل تلك الادوار في مختلف الحقب و المواقع ، السياسية ، المدنية و العسكرية.
المراجع:
Kuyok Abol kuyok,South Sudan The Notable Firsts,Authorhouse,Uk,2015.
Wheeler,Andrew C,Announcing The Light,Sudanese Witness To The Gospel,paulines publication Africa, Nairobi,Kenya.
- ﺍﻟﺠﺎﻙ ﺑﺨﻴﺖ ﺩينق ﺃﺭﻧﻖ، من الشبكة الالكترونية، طولعت بتاريخ 6 ابريل،2021.
- المعتصم، محمد جنوب السودان في مائة عام، مطبعة نهضة مصر،1972.
- أهمية التراجم في دراسة التاريخ، موقع تاريخ العالم والحضارة الانسانية، طولعت بتاريخ 4 ابريل2021.
- القائم مقام زين العابدين عبد التام، على الشبكة طولعت يوم 5 ابريل 2020م
- حسن، محمد عبد الغني، التراجم والسير، دار المعارف القاهرة،1980.
- طوسون، عمر، بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك ،مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة،2020.
- عبد القادر، يحي محمد، شخصيات من السودان، اسرار وراء رجال ، مطبعة مصر، 1952.
- عبد المنعم عبد الحي، من الموسوعة الحرة ويكيبيديا، طولعت بتاريخ 5 ابريل2021.
- عوض دوكة ريحان ، صحيفة الراكوبة السودانية ، تم الاضطلاع عليه في 31 مارس 2021.
- فرح، خالد محمد، قاموس أعلام السودان لرتشارد هِلْ مُترجماً إلى العربية، استعراض نقدي وتحقيقي، نشر بتاريخ 1 ديسمبر 2016، صحيفة سودانايل الالكترونية.
- قاسم، عون الشريف، موسوعة القبائل و الانساب في السودان، وأشهر أسماء الاعلام و الأماكن، الجزء الثاني،شركة آفروقراف للطباعة و التغليف،, 1996.
- محي الدين، البشير أحمد، معجم أعلام السودان من 1820-1956(الخديوية المصرية والمهدية والحكم البريطاني)، الدار البيضاء للطباعة والنشر،2020.
- محي الدين، البشير أحمد، تاريخ اقاليم جنوب السودان (1900-1920) دار رفيقي للنشر، جوبا،2020.
- ناس ملكال، مدونة الكترونية على الشبكة العنكبوتية، طولعت بتاريخ ،8 ابريل،2021.
- هل، ريتشارد، معجم تراجم اعلام السودان، من أقدم العصور حتى عام 1948، ترجمة سيف الدين عبد الحميد النعيم احمد، شركة مطابع السودان للعملة المحدودة،2016.
- وليم أندريا ، من أرابيكا، الموسوعة الحرة، تمت زيارة الموقع بتاريخ 3 ابريل 2021.