ثمارغوايات

لا شيء يُبكي المهرّج

فطومي

رخامة البار
الإنارة الخافتة
مدفأة الخشب.
والخشبُ
البيانو الأبيض السّاهي في الرّكن
والخناجر المتناظرة على السجّاد
لا تؤنس الضّيف، ريثما تجهز القهوة..
هنا بالتّحديد، ووقتها بالذّات
أيقنتُ أنّ بإمكان المرء أن يكون
جسماً عابثاً بين الأشياء المهذّبة
المأدّبة المهيبة في صالون العزيز
***

لمّا وضعتِ السيّدة القهوة أمامي
نسيتُ لوهلة من كلّفني بالمهمّة
البحر أم البحّارة؟
النّار في بيت العزيز أليفة كقطّ
وزوجة العزيز غاية في الّلطف
لوهلة ردّدتُ في نفسي:
إلى الجحيم، البحر والبحّارة
الأضداد هنا تغريك بالبقاء والتّواطؤ
ونعومة المشهد خلف النّافذة
تُخمّر دمك وتُلهيه عن البؤس قليلاً
لا شيء يحتجّ هنا
حتّى الأراجيح في العراء حول المسبح
تبدو قانعة في بيت العزيز
وكلّ أثاث القصر مُطيع ككرسيّ تعذيب
في مكان كهذا يستحيل
أن يعبق في ذاكرتك كُحولُ الميناء
وحدها القهوة هنا ربّةُ الحواسّ
***
نطقتْ السيّدة:
لو أثنيتَهُم قبل أن يَغضبَ العزيز
وقالت: أستغرب.. ألم تعتادوا خشونة الحبل بعدُ؟
قلتُ بعصبيّة:
لا تقيسي سيّدتي
لا أحد ولا زمنَ يعتادُ ندوب الحبل
فأضافت كلاماً آخر..
خبّأت ظرف النّقود في جيبي
لمّا لاح لي أنّي ذيل سحلية يستمرّ
في التّمويه بعد موت السّحلية
بكيتُ
لكن حين قالت كلاماً آخر
صرتُ دمية مهرّج
معلّقة على جدار الصّالون
في بيت العزيز
***
هيأتي الجديدة المهيبة تُعجبني
فهي تحمل صوراً ملوّنة لمراكبَ صيد..
ولا تُؤنس الضّيف
كيف أغادرها وهي
لا شيء يُبكيها.. كيف؟

 

* كاتب وقاص وشاعر من تونس

زر الذهاب إلى الأعلى