ثمارغوايات

في سيرة العُبور

من أعمال التشكيلي/ عماد عبد الله
من أعمال التشكيلي/ عماد عبد الله

أعبرُ وفي الجلدِ يشتدّ إيقاع الضوء.
الخطواتُ تَبعثُ ما أَسَرَّته الظلالُ لبعضها ليلةَ ذُبِحت القلوب؛
طنينُ الدماء يَبني ما شاءَ من أسلحةٍ،
وغرقُ الجُثَث يَطفَحُ بما ساءَ من لغةٍ،
ومن بين كلمتين تُنطَقَان لتنفيذ الخسفِ مُباركاً،
يخرج الطائر المُوشَّى بأحلام النوافذ التي فُتِحَت يومها،
مُشاهداً ما شاء من جُثَثِ الرمال جميعها وقد لُوِّنَت بأعماق البحار:
تَسَلَّمت أسماءَ أبنائها المُظَلَّلين بروائح مناديلٍ مزّقتها أيدٌ هَتَك الزمان دمعتها،
تَنَشَّقت جدران بيوتٍ لم يَنحَدِر هَدمُها من عوائلَ قلَّب الجوعُ بَصمتها،
ثَبَّتت كلَّ شرنقةٍ صَرَختها بابنٍ من أبناء الكون السريين دون خفقِ جناحِ فراشةٍ،
وسالت أدمعُ الأنهار مع الملامسات الشائكة لما طَفَا فوقها من جسورٍ، سفنٍ، أنوار سَكَرٍ وملامح النهر مجروحة:
أين تختفي المُدنُ في مجموعِ سِلمِكِ الأخَّاذ أيتها النجوم؟
من أية موادٍ تكوَّنت أبراجُ قلوبك المتضاربة؟
أمِن انعكاس الوردة على صفحة الوجه؟
من قِيَاس الخطوة الأخيرة نحو هاويةٍ تشتاق الروح ولوجها؟
أجذرٌ انبَتَّ من ظلّ أحلامه،
وسالت ثماره في ذهنِ من صرَخت النباتات في جوفه،
وداعبت مخاوفَ تُربَتِهِ؟

(2)
كم من الأرض يكفي لتُشبِعَ خوفك؟
خطواتٌ تُحسَبُ بقامة الجلد لم تنتحب ولم تُقتَنَص،
إنها لديك تلمعُ بوجوه كواكبها،
وتشتغلُ بالأشجار لغتها،
ولن تنال الرضا وإن تمتَّعت بخفق الأجنحة الساذج،
وبريق اللبان الدارجي في الفمِ،
وتسريحة الفجر الأخيرة لمنع الشمس من شروقها.
كم من الخلق يكفي لتُستَخدَم اليدُ كما ينبغي.
كم من الجوع سيكفي لتسترحم القلّةُ من قِلّتها؟

أراقب نسور القاع وقد اكتفت بشنّ صوتها على مُدنِ الجميع.
أراقب ما تتركه خلفها من مخالب تُنبِتُ الجنود الجدد،
ما تزرعه المخالب في جذور النبات الحديث،
ما يستلهمه ضوء الشمس من اقتلاع الشجرة،
ما يقتفي الظلّ أَثَرَه في اندلاع رقص الأوراق.
أراقب نسور القاع وقد أسهَمَت بصَمتِها المستمر،
ـ بذريعة انقطاع النهر ـ
بشريعة السلام المُقَاتِل لكلِّ حياةٍ تُذكَر.

(3)
وإن كانت الحياةُ صارمةٌ في تحديداتها لمسارات نجومك،
لكَ أن تكون صارِمَ القلبِ معها،
وإن كان لظلِّ قلبكَ حُكمٌ عليكَ،
لكان لحياة الناس في الآخرةِ حَكَما.

 

* شاعر وكاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى