ثمار

غرفة الأسئلة

حاتم الشبلي

تبَّاً للبياض! وحين يسترق السؤال السمع إلى نفسه، تنكشف أمام عينيه ورطة السائلين، فيبتسم مزهوَّاً بحتميَّتِه، متشاغلاً عنهم، سادراً في استعصائه وهذياناته وسكونه الخدر، ويظل على حالته تلك حتى يفجأه ظهور التأريخ والمناهج والأرقام من حوله فيرتبك، تصيبه لعنة الكائن، فينبري ينقِّب في داخله عن شروط انوجاده، ترهقه العزلة بالاحتمالات والظنون، ويصاب بالإحباط والهلوسة والنسيان. تبَّاً للمعنى! لكنهم ليسوا على ذاك القدر من (الحرفنة) حتى تدركهم شِبَاكُ النسيان. ولأنهم محاطون بالأحداث اليومية، ولا يملكون وسائل كافية للانغماس في مشهد الحياة الكائن؛ فإنهم يظلون على تلك الحالة من الشكِّ المزدوج، اعتباطية السؤال نفسه ولا جدواه والمجازفات المستعجلة لجره وقرنه بإجابات غالباً ما تسقط في حضن الميثيولوجيا الأرضية والتي لا ترحم، فتنترك عليهم آثار من الضياع والعدمية واللا مبالاة والتنميط والتسييق والصلوات. إرهاصات الآدميِّين الأوائل. قبل مئات القرون انقسمت الطبيعة/ الوجود إلى مجرات، ثم انقسمت المجرات إلى كواكب وأفلاك وبحار وأوطان، وأرخت الطبيعة يديها عن تلك العوالم الجديدة، وظهر (النياندرتال) بكامل حيرته يجوب أرض الشك والمظنات الدائرية، ويقتفي أثر المطر والثمار البرية، صنع من دهشته سلماً، إلا أنه خلق بداخله الله في نوبة من حالات خوفه وعجزه المبين وصف الشخصانية.. ابتدأ المشهد المعاصر من اختراع (الإيميل) أو البيوت الخاصة كما لاح في سطور المؤرخين المستقبليِّين، صارت الأشياء رغم أنها تكتسي حلة الترتيب والنظام، محل مراجعات ذهنونفسية، واندفع أحفاد النياندرتال الحاليِّون يحلبون أثداء تجاربهم الخاصة طمعاً في حليب الإجابات الملتبسة، طفقوا يرهقون الكتب والمجلدات ومحركات البحث الإلكترونية دون جدوى، فانكفأوا على ذواتهم يمتصون الصور واللحن واللون والحروف، ومنهم من أغلق باب غرفته واستلقى يتنشق بخوراً ملائكياً يظن أنه طارد لأرواح أسئلته الشريرة، وهم الأغلبية التي لم تعرف (المساسقة) وسفر النجوم. تشيئه التفاكير الما قبل واعية.. (تقريبا كده). ورد في الأسفار السرية للروح، أن هنالك أقانيم لا يمكن للعقل الآدمي سبرها، فهي تحس فقط، كمفعول القبلة، كأشعة الشمس، أو كمفهوم الوطن القديم، ولذلك نجح الإنسان الشقي في صياغة أو اختلاق قوة ما، فصلها حسب درجات المحنة والخطورة التي يواجهها ليمنح نفسه قدراً من الأمن والرضا المتمثل في قبول وجوده، في تلكم الأسفار بالذات، نرى حينما يشع قليل من الضوء مشاهد قصيرة وعجولة عن النعيم والجحيم ودينونة الآدمي.. شروط الارتياب.. لا نرتاب إلا حينما يكشِّر الجزم والتأكيد عن أنيابه المسننة، حينما تتوسد طائعة مختارة تحت شجرة (المتعارف عليه)، بنات الطاقة الذهنية، يحرسها بأحكام جنود المخطوطة الرمزية، ويطاردون قطاع الطرق الآمنة /ضيوف الليل/ الغزاة. لا نرتاب إلا حينما ننفعل بالأشياء (الما حولنا) فيتحرش بسكينتنا أبناء الخيال الديناميكي. تنتظم المظاهرات اليومية على امتداد شوارع الذات، تطالب بحق التنفس، حق الخبز، حق الجنس.. إلخ. وتستمر المطاردات، والغازات المسيلة للخلايا النشطة. فهرس: أولاً: الاهتزاز، ثانياً: الاختلاقات، ثالثاً: جينالوجيا الما يسمي (ح..ق..ي..ق..ة) رابعاً: ورطة محسوسة وتشفق، خامساً: فصل في تربية الأطفال، سادساً: لأنه فعل، إذن يجب أن ينوجد رده على نفسه.

 

* كاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى