(1)
كُلَّما تَسَلَّلْتُ مِثْلَ لُصُوصِ الفَجْر
فِي دُرُوبِ جُرحِكَ ..
كُلَّما باركتُ للمعزين ماءَ صَمْتِهِم
وَوَصَّيتهُم على بلادٍ – بالحِكْمةِ – حُقِنَتْ مِنَّا
حنينَ الدَّم..
ولُغَةَ الهُدهدِ على حُزنِ سُلَيْمَان
وشمسَ العَرْشِ مِنْ ضَلالِ بَلْقِيس
ومَرَاثِي الحِبْرِ فِي عُيون الصَّعَالِيك
وَلَمْ تَبِعْه إِلا فِي سُوقِ المَوْتِ
حَيْثُ أباحتْ صمتَهُ لَعَرَقِ الوَرَّاقِين فِي نَهَار العَدَم
وللعَصَافِير بِسَطْوةِ أشْجَارِهَا فِي غَابَاتِ النَّدَم
وَلِلبَاعَةِ المُتَجَوِّلِين بِنُوْبَةِ جُنُونِ الخَوْف
وأَرَاقَتْ لَنَا الفَضِيحَةَ وَلَعْنَةَ النَّارِ
لأَجْل نَخَّاسِي الحَرْب ..
لَهَا أَنْ تُعلمنا – وَلَوْ لِمَرَّةٍ –
كَيْفَ نُخَبِّئُ فِي جَوْفِهَا المَحْرُوقِ جَنِينَ الوَعْي
حُلمَنَا الأَبَدِيَّ ..
ونُبُوءاتِ الشِّعْر .
(2)
أَنَا الآنَ
أَلْبَسُ وِزْرَ أَفْرَاحِي
أُلْجِمُ خَيْلي بِأَوْهَامِي النَّزِقَةِ
وَأَذُوبُ مُحْتَشِدَاً بِالمَسَاءِ فِي خَيَالاتِ الخَمِيرَةِ
سَمَّيْتُها اِمَرَأَةً تَرْحَلُ فِي بِلادٍ
تَرْحَلُ مِثْلك فِي جُرْحِ النَّهَارِ
سَمَّيْتُها الغَيْمَةَ مِنْ فَرْطِ مَوْهِبتِي
تَرْحَلُ فِي بِلادٍ ..
تَرْحَلُ فِي جرْحِ النّهارِ
سَمَّيْتُها الطَّيْرَ فِي كلِّ طَقْسٍ
مَاءَ قَلْبِي.. حَبِيبَتِي.. قِلَّةَ حِيلَتِي
وَجُوعَ فَلْسَفَتِي
سَمَّيْتُها الوَاقِفِينَ مَرَّةً بَيْنَ ضِفَّةِ الحُلْمِ وَلَحْظَةِ الأَرَق
سَمَّيْتُها جِسْرَ وَصْلِي ..هِجْرَتَي فِي بَاطِنِ الجُرحِ
وحَنِينَي لله ..
فَهُوَ سِرِّيَ المَدْفُونُ في سَمَاءٍ نَاقِصَةٍ
وخرافةٌ شاهقةٌ بِشجَرِ الضَّلال
(3)
ليسَ – دائماً – ما يَذْبُلُ الضوءُ في العتمةِ
ليسَ – دائماً – ما تَتَلاشَى مِنَ الخَوْفِ الرَّغْبَةُ
أفْتَحُ وَصَايَا أَبِي الغَائِبَةَ
سَأرَى كَمْ أَنَا عَارٍ وكَائِنٌ فِي الخَطِيئَةِ
وسَيَلْزَمُنِي نَهَارٌ آَخَرُ حَتَّى أَلْعَقَ مِلْحَ صَبْرِي
وأَنْكَأُ لَه الجُرْحَ
أَوْ يَلْعَقَنِي –كَمَا في الوَصَايَا-
ذَاتُ الجُرْح.
(4)
يَا أيّها النَّهَار
مَحْجُوبٌ أَنَا؛ لا أَقْدِرُ عَلى مِنْحَةِ عَطَايَاكَ
ذَابِلٌ أَنَا.. لا أسْعَدُ بأَغَانِي الوَرْدَةِ
وَلا شَذَى القَصِيدَةِ..
لأنَّنِي للَّيلِ صديقٌ..
وللسّيفِ عبدٌ..
أمنحُه كُنُوزَ مَوْتِي
فَيَهَبُنِي صُكُوكَ الهَذَيَان
أَشْتَهِي دَمَي
فيُقَاسِمُنِي تَصَانِيفَ العذابِ
غَريبٌ.. غَريبٌ أَنا..
شبحٌ لِظِلِّي..
فَيَا أيّتُها الرِّيحُ؛ هَلْ ثَمةَ وجهٌ للحُبِّ
ووجعٌ للعشبِ
وحدٌّ للكلمة.
*شاعر من السودان