رفرفي،
يَتها الأبجدية، يا باب الهذيان، خفيفة تنثرين الهبات بين الخطى والرغبة، وخذي ما تريدين من عتمة ومعاول، رفرفي، فأنت شاهد السهر الذي يهدهد العالم، وباب الأبدية الذي يركض عبره الدمع، رفرفي فما من أنين يتوسل رئة المجرة غيرك ولا من نقص يخيط حكاية الوحشة الثقيلة المستأنسة.. إلاك..
رفرفي، رفرفي..
كظلام يدلف بأطفاله في الصدى، فيرتق الأفق أنقاض الطبول، وسريعاً فليكن الحكم على النسيان، فأنت أم الهجر، وبك رعونة الرماد، ولطالما توسل لك الوقت لتتفجري بقلب عاشق، ظل يربض لك قرب قلبه النعس،
فلم ترفرفي،
رفرفي، فإنها غواية الأنقاض، تعبر الغيوم والدمع والقيامة،
وتسهر البلاغة لتراقب جناحيك،
يعبران الغيب،
كالإغماضة.
……..
لأجلك أوقف الصباح عربته الصغيرة ذات القلب الكمين.. ومضى،
لأجلك علقت الأرض تآويلها
فأنت بلاغة الغد الساهر
ووحشة الأمس التائه بلا قبر،
تعال،
أيها القليل بنشيج العالم، وثرثرة الأقدار، تعال بحبر يأنس لفراغ النهب من يد المكان الخشنة بنعومة العماء، وتفقه في السكون الذي يرمم روحك بالهجرة والحطام
أنت مروحة الزمان
وبيت الشغف.
وفي الحتم المر الذي يتشبث جهة الشرود، حين تضل الدرب للخاتمة البائسة، النبيلة، بحوافر ما يستلف مطلقك المراهق، في الحتم المر كسر منتهك، حين تحتشد الحكمة في المحدودين، والأحذية، والمقابض، سيظل قلبك ورقة عذبة.. في المهب.
تعال.
(……..)
لرفّة الطائر أمام العدم،
لنهر ممتدح بالغمام،
لظلال ضائعة في احتدام الوداع،
لبطش صديق،
لحجر محرر من الطمأنينة،
ليقظة في الانتحار، ولانتحار في يقظة الأمل،
لظنون بسيطة،
لغواية عجولة، ممعنة في الخجل والطيش،
وللصدفة التي نهبت ضرورة هذا الليل
سأنشد بطولة القبلة التي أجرت تلك الخيانة.
اقترب أيها العبث المترف برعب الكائن
وانسج مكائد اليقظة من ظلمات المجاهل
في بطش الفجر والنفس، إذ يقتنصان للمكان
ولتكن الزرقة بأسك، حتى يغلب المعنى، المعنى
ويتعثر الرماد بنمور الشكل تمزق ملاءة الجماد الأخير
هيا،
من مجاهل لأخرى،
يحزم البهاء طيوفك كالقصب، وأنت أيها القوي تمضي بصارية الوداع، لشبح النظام، هيا، قرب قيامتك ترتطم المشاهد وأنت تنقر على الحطام الذي يقلب الصواعق بالمرح، ويضع المراثي أمام بوابة الوقت،
اقترب أيها العبث،
فالصورة ساهمة وخصيتك تكتب الحياة،
أمومةً
إثر أخرى …………..
كيدٍ منذورة للخذلان، ككسل مرهق يتسلل من الدوام، والأجنحة المدللة للظلام تعلق الينابيع على دموع الحوذي، كمأساة تتلصص من هشم في باب الحاضر،
يشعل الغريب جسارة الليل قبل أن يتلف جناح الموت.
وحين تمر جيوش الأزل بأعمارها الناعمة، أعمارها المصكوكة من حكايات الطير، وأرواح العاشق، بالقليل الذي يتوسد خيالاته، حين تمر الجيوش،
يلطخ الغريب جسد المكان بالمجرات،
وينام.
“26”
من أجل الطعنة الشقراء التي سددتها الشهوة لقطيعي وهو يعبر سديم الباطل، سأقتنص الطفولة والجهات الدافئة والنبوءة العمياء، بالأحابيل، سأكون الأرض للأرض والقمر للتهتك، والثعالب للبحيرات الماجنة، ولكنني قبل حرب مؤرقة بالثدييات، سأظل قدر القصدير، أزين جيد الصخب بالهاوية والصليل، سأظل سقف الحيرة والأشكال والمرح، أنا الحذر السمح المصفد بالقلوب
من أجل الطعنة الشقراء،
ستزهر أقمصة المكان،
بالقبعات،
الألفية والماء،
سأرهف رعبي، وأقشعر كهولة،
وليكن لي عبث حريق، لأنضح ثرثرة وحياة،
وأقول للمشهد: أنت أجمل من الذعر والمسالخ،
من أجل الطعنة،
من أجل العانس،
( …………..)
أبوة تدحرج المساء
وتنكث بمواثيق الحكمة الفاجرة، وتتفحص بشغف داعر،
جمهرة
أنوثتي.
“27”
قلبي عافية الشرود، وأصابعي ممسوسة بالندم،
وأصواتي الشحيحة التي في الخزانة، معقودة بربطة عنق المكان،
فأين تذهب أيها النسيان؟…
قبل أن أريك أطفال الفاكهة الذين تخلفهم في دمي كل ذهاب، حيث تتفجر علومك في المكان المطبق بالضجر والهزيع الكث، أين تذهب؟!.. بإشراقتك الصفيقة، التي تبوح للعالم بنسخة الحياة النيغاتيف،
حقائق عمياء وكليلة، وظلمات قربك. صباحات وتروس. خذلان وكمال محرف، نوافذ ودروب مرصوفة بالعذوبة والمماحي، جيرانك، جيرانك يا النسيان، والمعجزات الخرقاء التي تؤلف الأهوال هي صورك التي نخسر بها الألم، وندمدم بالأرقام والشك والاهتبال،
حيث ينسج الأمل فخاخ المعاني، مغمضة على المدائح
فلتمنحني حيرة الجبل،
لأتعلم الحب البسيط،
والقمر، والأغاني.
( …………..)
كونٌ يندثر،
كون من نسيان وشهوات،
وأنا المصائر الملوثة بالورد، والذبائح
أعبر بركة الوجود الراكدة، وأقدامي تتلوث بالطلع والضفادع والتيه، وحولي دراويش كثيرون، يربضون في الضحلب، ويبتهلون للماء، وأنا شبهة المسير العمياء، أتلو للقطيع سلالة الريح والهزائم، لئلا نبتلى بالخلود، وننزح نحو جمر العادة، أنا الحجر الصاخب بعد، بالخطى والدروب، أرتب النسيان والقطيع، ملابس الفلز.
ــــــــ
من كتاب (مشيئة تتململ.. أيضاً) تحت الطبع
* شاعر وصحفي من السودان