ثمار

إنّما الشعراء إخوة

logo

كمٌّ مريعٌ من العواصفِ ذات الوجوه المكفهرّة الغاضبة في الطريق، المزيد منها في الحقيقة، إذ نرى أن ملامستها للأجساد بصورةٍ مباشرةٍ قد بدأت، بدايةً بالجلد وليس نهايةً بالسجن، ثمّ الإعدام ببرودة الصقيع. نُراقب، كشعراء وكتاب تربطنا “خوّة” الإنسانيّة ودمُ الشعر (الكتابة والفنون) التائق إلى الحريّة، ليس كمطلبٍ هذه المرة ولكن، وربما للمرة الأولى، باستحقاقٍ مُرعبٍ يستطيع، بكلّ بساطة، أن يَكشف المدى الأقصى من التناقض والمفارقة المضحكة، والمأساة، في أغلبِ الحالات؛ المدى الأقصى الذي يكتنف الواقع في الأصل، وكيف تجلّى عُنفاً مطّاطيّاً متحوِّل الهويّات، ينفجر في أول بادرةٍ يواجه فيها حُريّةً ما.

نتابع بحزنٍ يقظ، ما حدث في الشهور الماضيّة، من محاكمات تفوق التصوّر والخيال لنصوص أدبيّة، هنا وهناك، وبشراسةٍ غير معهودة. في أغلب الحالات فإن هؤلاء الكتّاب لم يشتموا رئيساً ولا حكومة ـ أسباب “العالم السالف” ـ المحيّر أنهم يكتبون عن الحياة. أهذه ظاهرة جديدة؟ أعتقد أن الكثير من أحلام القرن العشرين لا يُمكن أن تُقنِع من يعيشون في “العالم المعاصر”، من أكبرهم إلى أصغرهم، فالمشاريع المُستساغة اليوم هي الأشد عُنفاً والأصدمُ فَتكاً وتدميراً. وبعد أن دَعَم الفنانون والكتاب، بحركةٍ عالميّةٍ واسعةٍ جداً، مؤثّرة ومثيرة للإعجاب في وقتها، حركات اليسار الاشتراكيّة الأمميّة، وما بعدها من أحلام؛ يتفرّغ كتاب اليوم للكتابة عن الحياة.

نقرأ أن أحمد ناجي دَخَل السجن بعد أن أُوقفت حلقات كتابه (استعمال الحياة) المنشورة في أخبار الأدب المصريّة، بتهمة “خدش الحياء العام”. الشاعر أشرف فياض فلسطيني يعيش في السعوديّة يُتّهم بالردّة، بسبب ديوان بعنوان (التعليمات بالداخل) نُشرَ في العام 2008، ولكن خفّف الحكم عليه من الإعدام إلى السجن ثماني سنوات بعد حملات ومطالبات من مثقفين وكتاب سعوديين ومن جنسيات مختلفة طالبت بإلغاء حكم الإعدام. مُدوّن يُجلد على مدى شهور، آلاف الجلدات. دَعك طبعاً مما يحدث في الصحافة الورقيّة من انتهاكات وتضييق على الحريّات ربما سيدفع بها، جميعها، في يومٍ قريبٍ إلى التلاشي.

[ليس معجزةً أن يطير هذا الإنسان الجميل، المعجزة كونه لا يطير]

– محجوب كبلّو –

إن جوهر الاحتفال بيوم الشعر، هذا العام، لنا، في (الحركة الشعريّة – السودان) هو احتفاء بالحياة والحريّة المُستَحَقَّة التي في اليد، وأن نُجيد استعمالها، أن نهتمّ بها، لتُحدِثَ أثراً لا يُمحى أبداً، ويكون مُتاحاً في “متناول اليد”. إن الحملات التي تقوم بها دول من مُطاردات وملاحقات واغتيالات لأفرادٍ عُزّل لا سلاح لهم سوى المعرفة والجمال والكتابة؛ لا تجدي نفعاً، هذا الأمر واضح.. فكما يبدو [لا يمكن الانتهاء منّا بسهولة].

في السودان، تكثر، للأسف، هذه الأخبار، من تضييقٍ على الحريات وانتهاكات وحروب دفعت بالكثير من الشعراء الكتاب والفنانين للهجرة، وظروف اقتصاديّة طاحنة أجبرت من أجبرت، على الاغتراب، نرسل لهم التحايا، ونفتقدهم في هذا اليوم ـ يوم الشعر العالمي ـ الذي كنّا نتشارك الاحتفال به منذ العام 2007م في الخرطوم بصورةٍ سنويّة، بمختلف الكيانات والجماعات والاتحادات الثقافيّة والأدبيّة؛ وفي مختلف المدن، كما يحدث اليوم في مدينة القضارف بتنظيم منتدى (الشروق) الثقافي، وكذلك في مدينة جوبا بجنوب السودان عبر منتدى (كوربندي)*، الذي يداوم عليه عدد من الشعراء والشاعرات الذين أصبحوا، مؤخراً، ينتمون إلى دولةٍ أخرى!

نراقب هذه الانتهاكات ونتلفّت حولنا، بعيداً نُراقب مشاريع العُنف الناهضة، المتألّقة تجذب إليها أناساً أحلامهم تشبهها، أمواتاً سجناء. ثم، في خضمّ عالمٍ كابوسي كهذا، تنثر نساء ورجال، بنات وأولاد من مختلف الأعمار؛ ينثرون الغنيّ من الحياة هنا وهناك، باستمرارٍ لا يكل، يُبقون على ذلك اللهيب الداخلي ويبذلونه بأجمل ما يكون. لنحتفل بالحياة، لنكن في احتفالٍ دائم، أو كما قال الراحل صلاح الأمين: [سنهزمهم بالقراءة والغناء والضحك].

عادت الكلمة حرّةً، وحلم الشاعر محمد المهدي المجذوب يتحقق: [أحلم بجيلٍ يجعل الكتابة جزءاً من العيش، كشرب الماء]؛ هذه الحريّة، حريّة شعريّة، ثائرة ومتجدّدة في كل يومٍ وساعةٍ ولحظة، أو كما عبّر الشاعر أحمد النشادر: [أَتَغَيَّر بمعدّل زول في اللحظة].

كل عام والشعر بخير

* كلمة الحركة الشعريّة ـ السودان في يوم الشعر العالمي، 21 مارس 2016م

 

ـــــــ

صالون كوربندي، تفاصيل: http://www.alquds.co.uk/?p=369864

زر الذهاب إلى الأعلى