غوايات

حب على غير العادة

من السخف قول ذلك.. ولكني فعلاً وقعت في حب بطلة روايتي التي أكتبها الآن!! فماذا أفعل؟! بدأت أشعر بالغيرة من البطل لدرجة أني صرت أقلل مشاهدهما الرومانسية، ولأن ذلك لا يكفي مع شعور الحب هذا، صرت أفكر جاداً في إدخال نفسي كإحدى شخصيات الرواية.. “شخصية تظهر فجأة لتخطف قلب البطلة فيكملان الرواية معاً”.. أليست فكرة جميلة؟ ليس ضرورياً أن يبدأ الحب من أول الرواية، وليس ضرورياً من أي صفحة يبدأ.. المهم أن يستمر “فالحب متى ما أتى لا يكون متأخراً!”.

ولكن كيف أدخل نفسي في الرواية؟ وكيف أضمن أنها ستحبني؟ أستطيع أن أجعلها تعجب بي، ولكن الحب! “حتى كاتب الرواية لا يستطيع التحكم فيه!”.. لذلك لابد من جعل مشهد دخولي قوياً، ماذا لو استثمرت سفرها المقبل وأدخلت نفسي ككابتن للطائرة؛ فأستخدم مهارتي لأمر بسلامة عبر مطبات هوائية وعواصف وأعاصير.. فننجو من كل ذلك.. لكن صقراً يسقطنا عندما يقرر أن يبني عشا داخل المحرك!! “أي صقر غبي ذلك الذي يريد بناء عش داخل محرك طائرة؟!”.. المهم.. هذا جيد للحب.. فعندما يحترق المحرك دون أن يكون هناك محرك احتياطي “يبدو أن الطائرة سودانية”، أقوم أنا الكابتن باستخدام مهارتي الفذة في الهبوط بالطائرة في شارع زلط! فتأتي الفتاة فرحة لتشكرني، فيزول قلقي ويزول قلقها ونسقط في الحب.. لكني للأسف لا أحب قيادة الطائرات؛ فهو أمر ممل جداً ويجعل دخول المدن شيئاً عادياً، بينما أنا أحب أن أدخلها على مهل، لذلك ربما أجعل نفسي رجل الإطفاء الذي سينقذها.. أو ربما الطبيب الذي سيشرف على حالتها حتى تتعافى، لكن كل ذلك يجعل الحب مملاً وغبياً، ماذا لو جعلت نفسي مختطف الطائرة!! سأقوم فجأة رابطاً حولي حزاماً ناسفاً ومهدداً بتفجير الطائرة إن لم تنفذ مطالبي؛ وهي خمسون ألف دولار، لكن عندما أرى عيني هذه الفتاة وفزعهما، أكره نفسي وكل تاريخي الإرهابي.. ثم أبدأ صفحة جديدة ملؤها الحب، وبدل 50 ألف دولار أطالب فقط أن تقفز معي هذه الفتاة من الطائرة إلى البحر، ثم نقفز.. ليس إلى البحر تماماً، ولكن إلى الحب، وستكون هذه قصة جيدة لأطفالنا “إذ بدل أن أخطف الطائرة خطفت قلب أمكم!”.. ثم سأفرض نفسي بعد ذلك بطلاً للرواية.. بينما يختفي البطل السابق حتى يخرج من الرواية غير مأسوف عليه، لكن إحساسه بالخيانة والغضب يجعله حين يخرج يمسك بالقلم ليواصل هو كتابة الرواية! وهذا ما حدث.. إذ اكتشفت أن هذا الوغد يجهز لي كميناً في الصفحة 345، فبينما أكون ماشياً في الشارع، تسقط على رأسي طائرة عسكرية محملة بالصواريخ لتحدث انفجاراً كبيراً.. فينجو كابتنها وأموت أنا، ليدخل نفسه بعد ذلك إلى الرواية مجدداً كشخصية كابتن هذه الطائرة العسكرية، فحين يذهب ويعتذر لحبيبتي.. تقبل عذره ويسقطان في الحب! لكني لن أرحمه أبداً؛ “سأخرج من الرواية وأمسك القلم.. وسأقابلك في الصفحة الأخيرة أيها الوغد!”.

ثم حين جاء وقت كتابة الصفحة الأخيرة، جلبت سكيناً من المطبخ ثم جلست أمام الورقة، فأتى صديقي ونظر إليّ مستغرباً وقال:

“ماذا تفعل؟ ما هذه السكين؟!”

فقلت له:

“من السخف قول ذلك.. ولكني فعلاً وقعت في حب بطلة روايتي التي أكتبها الآن! لكن هذا البطل الوغد خطفها مني.. اليوم سأكتب آخر صفحة في الرواية… وسأقتله!”.

* كاتب من السودان

وقاص الصادق

كاتب من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى