غوايات

عتبات الألم

(1)

سنوات من العدم

تكفي لإنجاز يقينك بالأبد

وتكفى أيضاً

 لتحرير وهم تأخر قليلاً في الرضاعة من شطر الأماني

ستلفظك الأرض من طوق جذبها إن لم تنام على سرير العزلة وحيداً

إن لم تنتبه للوصية الاخيرة المكتوبة بحبر اللهفة على شمعدان السراب

سنوات من العدم فقط

تكفي لأن تستمتع بأغنية لا تنتهي

لأن تشغل حسك بطريق لن يصل

تنتظر بريدك الأول

موتك الأخير!!

(2)

لكي تحتشد القطط على نافذتي

يلزمني نهار أخر من الجراح

يلزمني صمت طويل

وصاحب يدلني لكهفي القديم

وقصائد هشة مثل عظم حمامة

وقطيع من كلاب تنسى لهاثها في غابة الليل

تنسى انها مجرد إشارة للحراسة

تنسى النباح

وأنسى أننى مجرد كلب في مدينة

لا تثق كثيراً في الحب

ولا تعول على الموسيقى

والصداقات العابرة

والسلام …

(3)

أريد أن أتذكر

لكنني مريض جداً بالنسيان

أريد أن أتذكر جرح الأرض أبداً

لكنني أفكر بالنجاة من دمها

أريد أن أتذكر الطريق إلى قبر أبي

لكنني أخاف من لعنة الظلام

أريد أن أتذكر أغنية أمي الوحيدة

لكنني أغرق في دموع الحقول البعيدة

أريد أن أتذكر وردة في فستان الطفولة

لكنني شارد في القحل والهذيان.

أريد أن أتذكر

أريد أن أنجو

لكنني مريض بالنسيان.

(4)

أعشق المدن الجبلية

وجدران الحانات الآثرية

ونساء الظمأ الأبدي

منذ طفولتي وأنا رفيق دائم للحجر

أنام عليه مطمئنا بلا وجل

أداوي به جروحي الأزلية والعابرة

وكلما سألتني أمي عن ملح دموعي

أشير لها على حجر قديم في البيت

لذا كبرت وأنا متيم بكل ماله علاقة بالحجر والجبل

وعتبات الألم.

(5)

أستعذ بالشيطان من غضب أبيك

ونادي على سر الدم المسفوك

أفتح هذا التابوت

خذ منه ذكرياتك كاملة من غير أسف

وناول طفل حزنك حذاء شارع كامل من الخطأ والنسيان

وكلبك الهرم

الذي خانته أنفه

دله على جثة وطن في عراء الهزيمة.

الأصمعي باشري

شاعر وصحفي من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى