ترجمة

شفتا أمي

س.ك. ويليامز

[مذكرة من المترجمة :يتميز شعر س.ك. ويليامز، الحائز جائزة بوليتزر في العام ألفين، بشيء من الهندسة في تراكيبه، يتراكم، جملة على أخرى؛ وبينها فراغات وغموض، فقط لتسمح لذلك البناء الشعري أن يتكامل. لا غرو أنه كان ملازماً لدائرة تلاميذ الفنان المعماري (لويس كان) لفترة من حياته.هذه القصيدة الرقيقة تحكي عن عادة لأمه.توفي في سبتمبر الماضي ٢٠١٥ عن عمر يناهر الثامنة والسبعين، يا للأسى!]

حتى تلك اللحظة التي طلبت فيها من أمي أن تَكُفّ، أدهشني، ليس فقط قدرتها على الكَفّ

بل أنها بالفعل حين طلبتُ منها، كَفَّتْ. والدتي، طوال طفولتي

كلما تحدثت إليها بشيء مهم، تُحَرِّك شفتيها أثناء حديثي

حتى ليبدو لي أنها تتحدث – تحت أنفاسها- بالكلمات نفسها التي أُحَدِّثُها بها

بل – لضيقي وتمردي وقد اندلعت رجولتي- قبل أن أتحدث بها

عندما كنت صغيراً افترضت أنها نبيَّة، ولم لا؟

كانت قبلها تعرف كل شيء – متى أكون متعباً، أو كاذباً، كانت تعرف بمرضي قبل أن أعرف

بل لربما خطر لي – كيف غفلت عن ذلك- أنها تُسَبِّب ما أقول

كل ما كانت تفعله بالطبع، هو التَّفَوُّه بكلماتي بعد جزء من الثانية من نطقي إياها

لكني لم أدرك ذلك إلا حين صار عندي أولاد يتعلمون النطق، ففهمت كيف،

وفهمت حرف القلق في محاولتها جرّك من السكون

عزمها في انتشالك من غار اللّا اسم الصلد الذي نعتكف به.

كان ذلك في وقت لاحق. أما الذي كنته الآن، كنت أحاول جعلها تَكُفّ

حين أذكر غضبي وكدري في تلك الأيام، السرعة التي كان تصطك أسناني بحوافها

بدا لي تماسكي حين طلبت منها ذلك رائعاً، وهي، غير معترضة

مستعدة لأن تروض عادة قديمة، بعد ثلاثة أولاد وبضع سنوات، بالروعة ذاتها.

حنينٌ هو مشهدنا، في غبش الماضي، متقابلين وجهاً لوجه، أمي وأنا

كَبُرْت وصِرْت طولَها، أو ربما تجاوزتها قليلاً، شفاهنا تتحرك سوية

الآن، تناغمنا ينكسر فجأة، عليّ أن أمضي وحدي، بلا مايسترو، بلا نوتة أتبعها

ترى ما الذي استطاع أخيراً أن يستجمع فيّ الاستياء الكافي أو القلب الكافي لمواجهتها؟

لا يهم. فشرنقتي في ذلك العمر كانت تتفتق، خيوطها تتنصل، تشتبك

ثم أجدني، في الساعة الثانية صباحاً، في فندق متجهم في ميدان

المتاهة الكثيفة للمدينة الأبدية، بينما في الحقيقة، كنت وحدي للمرة الأولى في حياتي

وجدتني أتكئ على الشباك، أُنشِدُ في همس مُتضوّع ما حسبته شعراً

أَودّ أن أعرف ما الذي هذيت به في ذلك الليل لِلّيل، ما تلك المناحات البريئة

أو أن أشعر بالنشوة التي اجتَرّتني من نفسي إلى خارجها، لكن لا شيء هناك

فقط الباحة الوقورة أسفل مني، وفوران القرميد القاتم والأزقة الصماء

سريري المقفر خلفي، وصوتي أجشاً، والهواء العذب الغريب على وجهي كقبلة.

ترجمة : ميسون النجومي

كاتبة ومترجمة من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى