ثمار

الطواحين بين أشواق الإنسان وقسوة الواقع

نورالدين مدني

*هذا النت العجيب يربطنا بالناس وبالعلوم والفنون ويقدم لنا خدمات جليلة إذا أحسنا استخدامه، ومن الخدمات التي يوفرها لنا قراءة الصحف والمجلات والكتب في كل الأمكنة والأزمنة.

*لا أخفي عليكم أنني أفضل قراءة الصحف والمجلات والكتب المطبوعة لأنها في متناول اليد وقريبة من العين، لكنني استمتعت بقراءة رواية “الطواحين.. ثلاثية البلاد الكبيرة”، وأنا ألهث خلف سطورها في فضاءات النت الرحيب.

*الروائي السوداني المبدع عبد العزيز بركة ساكن الذي لم ألتقه إلا عبر النت يجبرني على قراءة رواياته التي لا تخلو من سحر الأسطورة رغم الواقعية الحادة التي تميزها لأنها تعيدك إلى الجذور والأهل والأقربين في أجواء أشبه بالحلم.

*أبطال رواية الطواحين أشخاص نعرفهم ويشبهوننا أمثال المختار وسهير حسان وزوجها “الإجباري” نور الدين التي أجبرته بعد الزواج الذي فرض عليها على أن تكمل تعليمها وتتخرج في كلية الطب، ونوار سعد وحافظ يس والشاعر أمين.

*شخصيات تعيش داخل البلاد الكبيرة بكل مشاكلها وتحدياتها وعذاباتها لكن بركة ينقلنا مع هذه الشخصيات إلى شخوص وأماكن أخرى في تداخل حميم بين البصر والبصيرة، شخوص مثل مايازوكوف المتمرد الشقي الحر كأغنية يمامة، فيما كانت بلد الطواحين حرة لا مبالية كروح الدرويش.

*في مقابلة أخرى بين شخوص الطواحين نجد المختار الذي حاول الفرار من رغباته المكبوتة لكنه ظل معطوناً في الأشياء، وسهير حسان التي تشبهه ونوار سعد التي تتساءل: هل جرفنا والغابة إلى النهر أم ما نزال متمسكين بالأرض؟

*اغفروا هذه الطريقة في عرض “الطواحين” لأنني شخصياً غرقت في متاهاتها ولم أخرج بعد من دوامة الصراع بين شخوصها الواقعية وأحلامها وإحباطاتها وجنونها وسط المشاهد والمواقف المتداخلة بين الحلم والواقع.

*أتوقف عند شخصية نوار سعد فإنها لا تتوقف عن تلبية رغباتها الجامحة، ولا أستطيع تجاوز المختار الذي فشل في أن يحقق طموحاته في أن يصبح صوفياً.. فقد ظلت رغباته المكبوتة تلح عليه بالسؤال المحير: لست أدري هل يمكنني مقاومة الرغبة في الاستسلام؟

*الرواية مشحونة بالأحلام والأشواق الفكرية التي غالباً ما تصطدم بصخرة الواقع، ويجد أبطال الطواحين أنفسهم في حيرة بين “موت” الواقعية الاشتراكية وبين استحالة موت الأفكار، لكنهم في الواقع يدركون أن عالم الثورات والثوار والأناشيد والملاحم قد انتهى وأنهم يعيشون في عصر الرفاهية والفكر اليومي المريح.

*يبقى أبطال الطواحين حيرى بين المرسم المفتوح وأكبر كهوف مايازوكوف في جبل المرسم وبين البلاد الكبيرة التي ما زالت تسير إلى الخلف في الطريق الذي يربط بين الغابة والمطار، حيرة القلق الوجودي بين أشواق الإنسان التي لا تمل التطلع وبين قسوة الواقع .

* كاتب وصحفي من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى