عُواء غنسبيرغ الذي لا ينقطع…
“I saw the best minds of my generation destroyed by madness,
starving hysterical naked, dragging themselves through the negro
streets at dawn looking for an angry fix,
angel headed hipsters burning for the ancient heavenly connection
to the starry dynamo in the machinery of night ” (ALLEN GINSBERG)
عُواء ألن غنسبيرغ !
يا لها من قصيدة مُزعجة وبديعة،كنت قد وجدت هذا النص الطويل قبل سنوات عديدة في واحد من أعداد الكرمل القديمة الصادرة في العام 1992م بترجمة للشاعر العراقي سركون بولص فأعجبتني حد الافتتان لدرجة انني قد حفظت منها أجزاء ومقاطع طويلة عن ظهر قلب ، وفي معرض البحث عن “عُواء” عرفت أنها بالإضافة إلى كونها من القصائد المهمة جداً لحركة الشعر والأدب الأمريكي الحديث،تعتبر “عُواء” أيقونة الحداثة الشعرية في أمريكا الساحل الغربي والشرقي معاً.
نص “عُواء” الذي استغرق من غنسبيرغ كتابة عامين ونيف صدر في العام 1956م ضمن مجموعة شعرية بعنوان ” عُواء وقصائد أُخرى ” وتعرض النص للإيقاف ومصادرة النسخ من المطبعة وإستدعاء الشاعر وحبس الناشر والموزع،وبدأت المحاكمة الأدبية لعُواء ب(سان فرانسيسكو) بتهمة الفحش والاخلال بالذوق العام ، وإستمرت المحكمة حتى إنتصرت القصيدة وأصدرت المحكمة حكماً بتبرئة العُواء.
قامت مجلات ودوريات ثقافية كثيرة ونشرت وقائع المحكمة كالتايم والحياة وأصدر الإتحاد الأميركي للحريات المدنية بياناً وأصدر الأديب والمحامي جيك أرليخ كتاباً نشر فيه وقائع المحكة وأسماه ” العُواء من الرقيب Howl of the Censor” ، لينتشر بعدها عُواء غنسبيرغ إنتشار النارِ في الهشيم الأمريكي .
القصيدة المعجزة ، هذا هو التعبير الأكثر شيوعاً عن نص “عُواء” الذي ومنذ مهده في القرن الماضي إلى لحدنا الرقمي هذا يعتبر النص الأكثر إنتشاراً في نصوص العصر،بل يكاد يكون هو النص الشعري الأكثر ترجمةَ وتداولاً في العالم على الإطلاق ، وكتبت عنها اكثر من ٥٢٥ دراسة نقدية ومنحت بأسمها الدرجات العلمية في الأدب والنقد بل وحتى علم الانسان .
“رأيت أفضل العقول في جيلي، وقد دمّرها الجنون،
يَتَضَوَّرُونَ عُرَاةً ومُهَسْتِرين، مجرجرين أنفسهم عبر شوارع الزنوج،
فجراً، سعياً وراء حقنة مخدّر ساخطة هَبائيون برؤوس ملائكةٍ؛ يتحرقون للوصال
السماويّ العتيق، بالدينمو النجوميّ في مكننة الليل ….”
صديقنا غنسبيرغ الشاعر المثير للجدل ، الأميركي ، اللقيط ، الأشتراكي ، المثلي، المثقف ، الشاعر و أبو الشباب الأمريكي أيقونة جيل البيت ” Beat Generation” الذي كسر القواعد والقوانين المسيطرة وشجع جيلاً من الفنانين للمزيد من التحرر في الابداع ، وعمره 29 سنة كتب معلقته عُواء لا ينقطع فاتحاً بها – Howl صوتاً للشباب اليائس ليصرخ ويعوي ويعوي ويعوي بغضب وبأنفاس الهذيان المُرة ضد مجتمع مدمّر كأسد وانتهازي.
يتحرك النص من غيوم اليأس التي خيّمت على نفوس الشبان في أعقاب الحرب، وكان من نتائجها تحطيم مقدسات مجتمعهم كافة والكفر بها، كرد فعل على القيم الأخلاقية والدينية الصارمة التي ما فتئت تحكم الخناق على طموحاتهم المستقبلية.
السخط الإنساني والإحباط العام إذ يشخّص شعرياً مصادر الكآبة جميعها، من البيروقراطية السياسية المنعكسة إجتماعياً إلى الخضوع للأعراف والتقاليد والتسليم التام، إلى تفشّي النزعة المادية في الفكر وسيطرة التكنولوجيا الحديثة وغيرها، في إله المال عند العبرانيين «مولوخ» الرمز الذي يُقدّم له الأطفال كقرابين ، ومولوخ الإسمنتي حاكم البشرية الصارم الذي يُدمّر المعطيات الأكثر بساطة وأصالة في الطبيعة الإنسانية ، مشبعاً الذات بمشاعر الخوف والقلق والحزن والجنون .
“مولوخ”؛ عزلةٌ؛ قذارةٌ، بشاعة! براميل زبالة ودولاراتٌ لا تطاولُ، أطفالٌ يصرخونَ تحت الأدراج
أولادٌ يبكونَ في الجيوش! شيوخٌ في المنتزهات ينتحبون
مولوخ! مولوخ! كابوس مولوخ! مولوخ الذي بلا حب! مولوخ الذهنيّ!
مولوخ قاضي البشريَّة الثقيل
مولوخ السجنُ الذي لا يُتخَيَّل!
مولوخ المحبس الذي بلا روح، لعظمتين متقاطعتين وكونغرس الأحزان!
مولوخ الذي بناياته يوم الحساب! مولوخ الحجرُ الشاسعُ للحرب!”
ملحمة شعرية مهداة إلى “كارل سالمون” الكاتب صديق الن غنسبيرغ الذي التقاه في فترة إقامة قصيرة بمصحة للأمراض النفسية يسميها غنسبيرغ ” أرض الحجر Rockland”.
I’m with you in Rockland
where we wake up electrified out of the coma by our own souls’ airplanes roaring over the roof they’ve come to drop angelic bombs the hospital illuminates itself imaginary walls collapse O skinny legions run outside O starry-spangled shock of mercy the eternal war is here O victory forget your underwear we’re free
I’m with you in Rockland
in my dreams you walk dripping from a sea-journey on the highway across America in tears to the door of my cottage in the Western night
قوة هذه القصيدة الساخرة و نزعتها الرومانسية الراديكالية وتصديها لمسألة الحريات الشخصية والإنقلاب على السائد جعل منها أسطورة الكتابة الشعرية العابرة للمؤسسات واللغات والحواجز مجتمعة ، سادت من دونها بضجيجها وعُواءها الذي لا ينقطع .
المراجع:
– رابط النص باللغة الإنجليزية الامريكية : Howl
– رابط الترجمة : سركون بولص من موقع حديقة لوركا
.