بوب ديلان: أنا شاعر، وأعرف ذلك!
قد أجمع الوسط الثقافي في أمريكا بأن بوب ديلان يُعتبر الشخصية الثقافية الأكثر تأثيراً في الوسط الثقافي والأدبي في أمريكا، وعلى قيد الحياة. أثيرت الكثير من النقاشات النقدية حول تصنيف ديلان؛ هل هو مغنٍّ أم ملحنٍ أم شاعرٍ غنائيّ، ولكن يبدو أن الكلمة الأخيرة في النقاش الذي أُثير حول المغني الذي عُرِف بـ “صوت الجيل”، منذ الستينات، قد كانت لأكاديميّة نوبل للآداب؛ حيث تجاوزت موسيقى البوب ومَنَحت ديلان جائزة نوبل للآداب.. بذلك، تم وضع مغني أغنية “أنت لا تحتاج إلى خبير الأرصاد الجوي لمعرفة الطريقة التي تهب الرياح” وأغنية “قد كُنت كبيراً في السن في ذلك الحين، وأنا أصغر سناً من ذلك الآن”.. وضعته، على قدم المساواة مع وليام فولكنر وارنست همنغواي وتوني موريسون وغيرهم من الأمريكان الحائزين على جائزة نوبل العالمية للآداب. ويُعتبر بوب ديلان أول موسيقي يحصل على هذه الجائزة في تاريخها الذي يبلغ 115 عاماً.
أصدر بوب ديلان (واسمه الحقيقي روبرت آلن زيمرمان)، أكثر من أربعين ألبوماً غنائياً خلال أربعة عُقود من الزمان، ولكن كانت هناك دائماً معضلة مُربكة تُواجه النقاد في الوسط الأدبي والموسيقي معاً في أمريكا، وهي كيف يتم تصنيف بوب ديلان: هل هو شاعر، أم مُلَحِّن أم مغنٍّ؟!
قد سُئِل ديلان ذات السؤال في مؤتمرٍ صحفيّ عام 1965م، وحينها قال جملته الشهيرة: “كثيراً ما أُفكِّر، أعتقد في نفسي كرجلٍ من الغناء والرقص”.
واحتدم النقاش في أوساط النقاد عام 2004م عندما سَرَت شائعة بترشيح ديلان لجائزة نوبل للآداب. أدّى هذا النزاع إلى صُدور خَمسة كُتب، دفعةً واحدة، تتناول تجربة بوب ديلان، من ضمنها كتاب “ديلان: رؤى الخطيئة” من تأليف كريستوفر ريكس، بروفيسور وأستاذ الشعر في جامعة أكسفورد، صَنَّف فيها ديلان بـ “الشاعر الغنائي”.
يقول كريستوفر ريكس، والذي ألَّف أيضاً كُتُباً عن ت. س. إليوت وجون كيتس؛ يقول إن كلمات ديلان لا تؤهله لكي يكون شاعراً فقط؛ بل تُصنِّفه بأن يكون من أفضل الشعراء في كل العُصُور، على نفس مُستوى ميلتون، كيتس، وتينيسون. وأشار إلى أن ديلان يجيد اتقان القوافي، والتي غالباً ما تكون مُذهِلة ومُحكمة تماماً. ودلَّ، على سبيل المثال، إلى أغنية “الرياح الحمقاء” التي صدرت في العام 1975م.
“الريح الحمقاء، تهبُّ مثل دائرةٍ حول جمجمتي،
من سدِّ “كولي” الكبير إلى مبنى الكابيتول”
واضحةٌ هنا العلاقة المجازية بين الرأس ورئيس الدولة، و”الرياح الحمقاء” تهبُّ من العاصمة واشنطن؛ من أفواه السياسيين، أشار آلان غينسبيرغ لهذه الأغنية باعتبارها قصيدة لـ “أكبر خيبة أمل وطنية”.
كثيرٌ من النُّقّاد ينظرون إلى كلمات الشعر الغنائي على أنّها “مجرد أغانٍ فقط”، وترتكز على الأداء: الكلمات، والموسيقى، والصوت، جَنباً إلى جنب لإظهار قوة وسلطة الأغنية، في حين أن القصيدة الشعرية تقف، بصورة مثالية، من تلقاء نفسها وتسيطر على موسيقاها الداخلية الخاصة بها.
ولكن كلمات بوب ديلان الغنائية ترتكز على ابتكارٍ خاص به، تجعلها تُقرأ كقصائد أيضاً، وديلان نفسه يقول انه تأثر بالكثير من الشعراء في كتابة قصائده، يعد آرثر رامبو وفيرلين بول جنباً إلى جنب مع وودي غوثري من ضمن الشعراء الذين تأثّر بهم، ووصف نفسه ذات مرة بأنه “شاعر الستينيات المتجول”، وعندما يتحدث عن تأليف الأغاني، يقول انه يمكن أن يكون أستاذاً في الأدب: “يُمكنني إنشاء عدة مدارات، وتتقاطع بعضها البعض وتم إعدادها بطريقة ميتافيزيقية”، رغم ذلك، أثار فوز بوب ديلان بنوبل للآداب استياء واعتراض الكثير من الكتاب في العالم، وفي أمريكا خاصةً، بحجة أنه لا يصح أن يذهب أعلى تكريم للآدب إلى الموسيقى!
“هذه أغنياتي وإنها مثل القصص الغامضة، من النوع الذي رآءه شكسبير عندما كان في مرحلة النمو. أعتقد أنّ بإمكانكم تتبع ما أقوم به بالعودة إلى ذلك العهد”، هكذا أعلن ديلن في العام الماضي حين تسلم جائزة الغرامي.
المصادر
– ترجمة من ويكيبيدا وعدة مجلات ومواقع على الإنترنت.
* شاعرة من جنوب السودان
* تم النشر تزامناً مع ملف الممر الثقافي الذي تصدره صحيفة السوداني.