غوايات

الوقت في كهف الخطايا

 

لستُ مُضيئاً بما يكفي نهاراً جائعاً / لست معدماً كي أصير إلى ليل يكرهني العاشق فيه ويتقيؤني الرمق / الدرب مشحونٌ بالعبارات النازفةِ وقصيدتي وحدها تنتظر لصاً طريفًا في مسرح الرمز / تُلقي بروحها بين الواقفين على بلاط الخيال / وحدها تُجَمِّل صمتها المستهلَك كطبق نداء في وليمة الحيارى..

كُنتُ أنادي الحجارة كي تدفق للمسافرين رشفة حنان
ألعق ملح دمع اليتامى
وأسأل العابرين عن عشبة البهجة..
عن حقل حزن المعاني..
مرة واحدة يداهمك طوفان الذاكرة
فتنسى..
مرة واحدة يلبسك فستان حرير القصائد
فتتوه..
مرة واحدة يصلبك الغياب على شرفة الوقت
فتعوي..
ها هي صرختك النافذة تغني أوبريت الشجر الصامت
ها هو كهف صمتك يتلو مزمور الحنين على الشارع الهارب من السابلة
ها هم السابلة ينحتون الخوف فوق بيوت الغرباء..

فأتذكّر
أتذكّر
أنه وقت الخطايا!!

وقتٌ لضيق لسعة القميص.. وقتٌ لانتظار سلعة الألم الرائجة.. وقتٌ يطبع لؤمه في المعنى من صورة الدم بيدٍ من حرام…

وقتٌ للأصابع الباردة تفتح باب الندم.. وقتٌ للقلب يترك سكينه تطعن في الجار.. وقتٌ للغياب الأعمق من النقصان وحُسن التعليل..

وقتٌ يزحم فيه السطحيون شارعاً بحذاء وحيد.. وقتٌ للموت الذي لم يعد تستر رائحته طلوع الروح!

أنت الوقت وأنا الخطايا

دوران الحلبة بالبطء يغرقك في النوايا اللعينة

هذا ما أحاوله للنجاة من سوء المعنى..
مثل البحث عن مخبأ ليلي أداري فيه فكرة النهار المشؤومة
أن أحاول الجسد المغلق بإيحاء من فاكهة مشتركة
والاكتفاء بأكل شرائح المحبّة الفاسدة في طقسي منذ أزلٍ تقريباً كي أتحاشى ضجيج الولائم..
أن أتنفس مجبراً بعمق مؤلم لمدة النباح في حنجرة كلبي وأنا متمدد على ظهري منفرج الرجلين ويداي على صدري..
أن أعاود النظر لشاشة الصمت المسكون منذ كهوف ومعجزات
أن أضحك على خاطرة شريرة مرَّت من أمامي مثل قطة جائعة
أن أعدّد هزائمي اليومية وانتصاراتي التافهة وأدعو ذلك (يجب النظر للنصف الموبوء من الهواجس)
لم يعد الوقت حنيناً بتسريب حالتي خلال محبرة الخديعة!!

فيا أيتها الخطايا

يا شهوات الطغيان المسلوبة بالفعل

يا غريزة البطون الجائعة

قذيفة العالم الطائشة في المشيمات

أُسميك في مرايا الإله بالخوف المرغوب واللوح المقذوف..

اغسليني في اسمك المهضوم وسمّك المدهون بالرعشات والترهات وأجنة الذاكرة القادمة

أدهشك بصحيفة الضد وكتاب الخنوع وبالسماء الملونة بحربك وضلالك المُرسل في كبسولة الحياة..

يا أيها الوقت

أيها الطريد في هلع اللحظة

النافذة المجروحة بذوبان القدرة في عجز الفراغ

الطفل النبي, الباهت, الراسخ, المُريب, المُربك, المُترهل, الواخز, الحالم, المتأخر, الواقع, القليل اللاعب, الغائب, الحال, الملعون, المتعجرف, المسموم, القلق, الهاجر, المهجور, الساقط، المتعثر في الصورة والكئيب في الهلاك…

أنا هيكلك الراقص يا أيتها الخطايا

تابوتك الأوحد وحارس حياض جثتك الخالدة..

العظم الناقم على بنات الجماجم, رهائن القاموس ولغات العناق من صدر الكلام حتى نهاية الليل

أنا ابنك يا أفاعي إذ تزحفين تحت صرير الورقة وفي جسد السرير وفي كهف الصمت..

لا وقت لديَّ..

لا وقت..

لا

 

 

 

 

* شاعر من السودان

الأصمعي باشري

شاعر وصحفي من السودان
زر الذهاب إلى الأعلى