حياة الفتنة المستيقظة
* الكاتب دوماً في المهب، وهو يقتبس نفسه أبداً من شرائح وجوده المقذوفة على أسطح متحركة، وفي بسالة الالتقاط الدقيقة نفقد/نعثر على ذوات كُتَّاب، عواصف، تواريخ، ولحظات تمتحن لغات تتخلق بعد تحت بركان الخيال.
* الكاتب على المهب وهو المنذور لرحلة التيه والهدم والجهالة المتبرجة بصدق الغريزة والوحدة، وأسئلة الكاتب هي ذعره المسفوح بنبل الأقفال التي تعرّف شفرة الكائنات على هذا الكوكب المسكين، أسئلة الكاتب أسئلة جهاته المتناسلة وعدمه المحروس بدروب الشر والبداءة والشك الوثير صاحب النرد.
* نِزال الكاتب هو نِزال سكران مع الوقت/الوجود /النكهة/الموت/العناصر/الذات/الأنواع/ والجيوش المأجورة التي تحرس مسيرة الخيال والمعنى بالأشكال والتواريخ..نزال عميان يرفهون عن قداسة الابتذال بلا قصد، ويبترون أرواح مجراتهم بإشاعات الخياة القليلة.. نزال الكاتب أزلي ضد الأزل نفسه.
* يتكئ الكاتب علي عمائه المقيم وأزهار توقه الهاذية.. مسافراً، عارياً، عابراً، هادماً، لئيماً، مهجوراً للأبد، مطلاً من نفسه على نفسه، ناذراً عنقه لمقصلة منسية ومهملة،حاملاً سلال المجهول المعبأة بخساراته ومعاركه العاشقة بلامبالاة مسحولة بالأيام والآخرين.
*الكاتب شعوب بلا أرض.
* وفي الأقدار الموهوبة بالمجازفة يقود الكاتب جمهرة روحه الضالة الى هيئات مجدّفة وجلة، مكللة بالهدم بلاطموح سوى العصيان المضرم، مخترعاً حضاراته المعطوبة وخطاياه المجنحة فقيراً،جليلاً،أعمي تحت الأنقاض المنتحرة..مجهشاً بالأشياء والإثم.
*ممسكاً بيد الشغف الطفل،عابراً قارات من هلوسات مكتومة ومحموماً بالخلود والنقصان ينزح الكاتب من اقتراح الى حدس ومن جنون الى تصور، تعبث بذاكرته الخديعة ويحرس اسمه النسيان.. يمضي الكاتب الى التهلكة العارفة المجبولة من زرقة الوجود.
* حياة الكاتب هي حياة الفتنة المستيقظة.
*بالبراءة المحاربة، بالحشود المتوحدة، بالجمهرة الأليفة المخاتلة المختومة بشمع الرقة الخائنة والطوائف المبللة بالجموح والليل،بالسهر المخرب والخرائب الناعسة، بالمآتم المخضرة والضحك المنتحر والأحلام المغمضة على أحابيل خائفة، بمهازل لاترى وبوابات مهجورة ومقترفة من الشكيمة.. يقعي الكاتب في سلال مملوءة بكل شيء..يرى الى كل شيء.. غير نفسه.
* والكاتب هو سهر الكون على أبعاد محترقة مسرفة في أوهامها، هونشيج التصورات والكوابيس الباذخة، تتقاذفه القواميس وتلعب بأعصابه شفرة الذعر، موزعاً بين سماءٍ مفعمةٍ بالمكابرة وأرض موهوبة للطغيان يقود طواطمه المحطمة ورموزه المجنحة حيث لانسيان يرحم ولانكهة تنزع اظافرها من جثث سكانه المذهولين، متخبطاً بين جحيم يقود قطيعاً من مهالك، تقوده حرية من قيود.
* لا نجاة في الكتابة.. لأنه لا نجاة في الكتابة.
* لن يكون بوسع الكاتب غير السير وحيداً في دورب تحفها الوحشة وتكتنفها المداخل والمتاهات حيث الخطوة مغسولة بالفتك الرشيق والحركة تتربص بها مصائد وفخاخ وأحابيل تنسجها ظنون وأقدار ومجابهات، لن يكون بوسع الكاتب الا أن يغرس أظافره جيداً في جثته لئلا يسقط.. لئلا يطيش بين بهجة الخلود الفقيرة ومراسم النسيان المغبرة باسمه الحزين.
* والهدر الذي يربض في ساحات الكتابة متذرعاً بشكلها ومدخناً رسمها ليس له غير الهدر موئلاً ومصباً لأنه سليل الغفلة الخائبة وربيب الخيبة الطامحة للظهور متنكرة في هيئة الكتابة لا غير.
* وهو في الزنزانة نفسها مدلوقاً على الجهات الفاتكة يدير حربه الناعمة مع الحراس والجهات، وهو في المهب مختنقاً بخيالاته النائمة، وهو في الإغماءة، وهو في البرزخ المصقول بحرية المشاهدة والفرجة، وهو في القيود الرابضة تحت شظايا المعنى والقياس، وهو في السهر المقنع، وهو في العتمات النازحة المحتقنة، وهو في البرهة الموءودة، وهو في النشوة المغدورة، ليس للكاتب غير الهلاك في لا يقينه غير الموصوف في مجابهات البياض، ليس له الا العدم الماثل في الافتراض تحسباً لسكين العادي الصدئة، تحسباً للحيل المقيمة بين بيدق السهولة وملك الكنوز اللانهائية في رقعة البياض.
* شاعر من السودان