الشابّ ذو النظارات، والرّجل ذو القبعة!
في يومٍ ما، كان الفتى الصغير بجانب بركة الماء التي تكونت في منزلهم بعد هطول المطر يلهو، و كان كلّما طُرق باب المنزل، جرى عبرها فقط ليبلل قدميه، كانت له كلّ ليلة حكاية مع أبيه!.
كان الفتى الصغير يحبُّ الجلوس وحيداً، كان وكأنه يراقب نفسه تكبر؛ وفي يوم ما، وهو جالس مع رفقته تحت ظلّ الشجرة أمام بيتهم في الشارع، مرّ أمامهم في الطريق رجلٌ يرتدي قبعةً من القشّ، لم تكن ملامحه تدل على شيء إطلاقاً، لم يكن هادئاً؛ كان بارداً بالفعل!، ولم تكن القبعة تخفيه؟، بل كانت تكشفه!، ناداه الرجل ذو القبعة عبر حركة إيمائية بيده، لم يرتاب الفتى الصغير في أنه هو فعلاً المقصود، ذهب إليه و وقف أمامه في حيرة.. ردّ السلام عليه في نبرة هادئة؛ سأله الرجل ذو القبعة: “هل يُأذن الديك صباحاً!؟”، رد عليه: “نعم، بالطبع!”، قال له: “ولكنني سمعته يؤذن عصراً هذا اليوم، فهل شرقت الشمس من مغربها أم ماذا!؟”، رد عليه: “ماذا تعني!؟، هل تظن أن اليوم هو القيامة أم ماذا!؟”، قال له: “لا، ولكنني أستغرب فقط لماذا لم أسمع أحداً يحدثنا من قبل عن صياح الديك عصراً، و إذا كان ذلك كذلك، فلماذا أنا واثق من أنني أمضي في الطريق الصحيح الذي أخبرني به صديقي، رغم أنني لم آتِ به من قبل!؟” ردّ عليه: “ربما لأنه أخبرك بعلامات أنت تجدها فعلاً في الطريق”، قال له: “أنت ذكي أيها الفتى؛ لكن كيف يمكنني الثقة في شيء كهذا، تطابق علامتين في تجربتين منفصلتين… فهل تظن أنني تائه؟”، رد عليه: “أنت تائه بالفعل إن كنت لا تستطيع الوثوق فيما ترى!”، قال له: “ربما أنا لست واثقاً فيما أرى لأنني أسمع أكثر ممّا أرى، فكيف لي ذلك!؟”، رد عليه: “الأمر بسيط، ثق في معرفتك، في إحساسك، في الهواء الذي يخرج من جوفك وتقطعه حبال إلى أصوات، تغلفها مخارجك بالنطق، ويصير هذا الكلام معنى قائماً بالفعل”، قال له: “أشكرك شكراً جزيلاً أيها الفتى لقد علمت الآن إلى أين أنا ذاهب”، رد عليه: “إلى اللقاء أيها الرجل ذو القبعة، ولا تشكرني، فأنا لم أفعل شيئاً سوى أنني أجبت”.
ابتسم الرجل ذو القبعة ابتسامة بدت وكأنها ماكرة؛ ومضى وهو يعلم أن الفتى الصغير قد وقع في شراكه… وفي يومٍ ما، كبر الفتى الصغير، دخل إلى الجامعة، وصار هو الشاب ذو النظارات… الشاب الذي يجلس وحده كثيراً ليتأمل، ويكتب، ويبحث عن إجابة ما زالت معلقة في أفق السؤال: “ترى، من كان ذلك الرجل ذو القبعة!؟…”
* كاتب من السودان
* تم النشر تزامناً مع ملف الممر الثقافي الذي تصدره جريدة السوداني