ثمار

رسائل جندي

ايمن عبدالسلام

عزيزتي ، أكتب إليك هذه الرسالة في ظروف عسيرة، فأنا أكتب إليك مجبراً، إذ طلبوا منا ليلة أمس كتابة خطابات إلى أهلنا ليطمئنوا قليلاً، الرجل الذي  يقاسمني الغرفة، كتب إلى حبيبته جواباً غرامياً، انه يصفها أكثر مما يجب، فمن  خلال صورتها اكتشفت لأول مرة في حياتي امرأة تضاهيك قبحاً، هه أمزح (لا لست  امزح)، المهم ، حتى الآن لم يتسن لي أن أقتل أحداً، كل تلك الأيام التي  قضيتها في الجيش ذهبت سدى، فقبل الالتحام مع العدو بدقائق، كان القادة قد  وقعوا اتفاقيات سلام، عدنا ليلتها خائبين إلى المعسكر، ولا ادري لماذا  يقيمون الاحتفالات ونحن لم نقتل أحداً، عليهم اللعنة، سأرسل لك المزيد من  التفاصيل، طبعا إن أرغموني على ذلك.

عزيزتي، كما توقعت اليوم أرغمونا على كتابة رسائل إلى الأهل، لا ادري لماذا يحتاج الأهل  للاطمئنان، والحبيبات للرسائل الغرامية، أتمنى أن تدعونا نعمل، فلدينا  الكثير من البطاطس لتقشيرها بعد أن هدأت الحرب، المهم طلبوا هذه المرة أن  نصف الخضرة التي حولنا للأهل، هؤلاء كذابون، ما حولنا لا يعدوا كونه شجر نيم تتساقط منه الكثير من الأوراق، والحشائش هنا لها أوراق حادة، لقد مزقت  أرجل الرجال، نخرج كل يوم إلى النهر لغسل البطاطس ثم تقشيرها، لقد تعلمت  الطبخ بالفعل، وبعد قليل سأعد طبقاً من الفول، طبعاً لن أعد طبقاً من البطاطس،  أن كنت تظنين فأنت غبية كما عهدتك، هه أمزح (كذبت عليك ثانية)، البطاطس نبيعها في سوق المدينة لتسديد ديون الجيش، حسناً إلى اللقاء، المرة القادمة لن اكتب إليك حتى لو وضعوا بندقية كلاشنكوف في رأسي.

عزيزتي، لقد وضعوا بندقية كلاشنكوف في رأسي بالفعل، ولأول مرة اكتشف بأني رجل جبان، أخاف من مجرد بندقية محشوة بالرصاص، أنا لا استحق امرأة مثلك، إلى اللقاء.

أمزح بالفعل، لو فعلت ذلك كنت ستموتين منتحرة، أنا احبك لكن ان انتحرت سأحب غيرك، لن اكذب عليك، ارجوا أن تردي عليّ برسالة اطمئن فيها عليك، المرة القادمة لن اكتب إليك إطلاقاً، اللهم إلا إن اشتعلت الحرب من جديد.

عزيزتي المنحوسة ، الحرب اشتعلت من جديد، ولم اكتب هذه  الرسالة لأني أحس بدنو الأجل أو ما شابه ذلك، كتبتها فقط لأني وعدتك بذلك،  فكما تعلمين أنا رجل نبيل، غصباً عن أبيك الذي يراني رجلاً أخرقاً، وكلنا  نمتلك العيون، فأنا أراه مجرد مسخ ابن (لذينة)، لديه الكثير من الجينات  الغبية لدرجة انه أعطاك نصفها، ههه لست أمزح، لقد رأيت منك الكثير،  بالمناسبة، وصلتني رسالتك قبل يومين، كيف أمكنك أن تكتبي رسالة من ثلاثين  صفحة، هل شربتي شيئاً قبل أن تهدري كل ذلك الحبر، لم أكن أتوقع أن تكوني  بذلك الغباء، طبعا لم اقرأ منها حرفاً واحداً، أشعلنا بها الحطب ولعبنا على ضوئها الورق، المهم اعلمي بأني احبك جدا، وأقدسك إلى أبعد حد.

عزيزتي أحس بأن الدنيا ليست بخير، فعندما تدوي صافرات الإنذار داخل المعسكر، أتذكرك، وأتذكر صوتك المزعج، لكنه جميل رغم ذلك، البارحة رن جرس الإنذار، ظننا أن المعسكر قد اخترقه الأوغاد، لكننا عندما بحثنا لم نجد إلا فأرا حاول التسلل إلى مخزن البطاطس، وعندما رأيت الفأر تذكرت أباك، إلى اللقاء يا عزيزتي، لا أحس أني بخير.

خطاب رقم واحد من قائد المعسكر:

عزيزته التي يبدو أنها ليست غالية، لقد مات حبيبك، نعم مات ميتة بشعة، ذهب صباح الأمس على ما أظن إلى النهر ليغسل حبتي بطاطا من أجلي، لكنه لم يعد، ظننا أنه غرق أو ما شابه، لكننا عند المساء وجدنا أشلاءه متناثرة عند الضفة الأخرى، لقد أكله التمساح يا عزيزته، ومات دون أن يطلق رصاصة واحدة ابن المنحوسة، المهم سنرسل لك الجثة.

خطاب رقم اثنين من قائد المعسكر:

عزيزته، لقد جمعنا ما تبقى من جثة حبيبك، وضعناها في كيس نايلون لنرسلها لكِ في الصباح، ووضعناها في الثلاجة، لكن في الصباح عندما فتحت الثلاجة، لم أجد حبيبك، الجنود بعد أن سكروا ليلة البارحة أرادوا أن يأكلوا اللحم، وقد فعلوها.

 بيان رقم واحد من الحبيبة إلى قائد المعسكر:

 أنا لا أهتم، شكراً.

* كاتب من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى