لحاء شجرة وجلد أفعى
رجل
عند ناصية الشارع جلس، ثم دخّن، وتبوّل على حائطٍ جلست تحته امرأة على حفرة دخانٍ تنتظر رجلاً يتبوّل عليها.
امرأة
حلقت عالياً، عصرت سحابة فضية مثقلة بالمياه، وحملت عن قمرية فراخها، وعن نسرٍ عبء التحليق، واستحالت ضفائرها شراكاً عظيمة اصطادت كل السحب والطيور الجارحة، ولكنها خرَّت من خلالها كمياه، ٍ وسقطت على أرض جدباء وموحشة، ولحقت بها ضفيرة صغيرة انغرست في الأرض، وأخذت تتحول إلى شجيرة، وعندما اكتمل تحولها قالت: اسمي شجرة تفاح. ما اسمك؟
قالت: امرأة.
بنت وولد
ويمضي الزمن وتذبل الذاكرة، وتغيب تفاصيل المكان وتضاريسه، لكن هناك طاحونة تهدر قرب السوق، وكباش تمرح عند النبع في طرف البلدة، وبنت وولد يلتقيان أول كل مساء.
ومضى الزمن واندرس كل شيء، الطاحونة والنبع والسوق، وقام مكان آخر يقال له مكان البنت التي تزوجت الولد، الذي كانت تلتقيه أول كل مساء، وفيه كباش تمرح وطاحونة تهدر في سوق صغير، ونبع قرب جبل وأولاد وبنات ومساء.
جدران
على الجدار وفي إطار مذهب، كانت صورة له وهو صغير. وقفت تتأملها وتستنشق رائحة الحليب، وعلى الجدار الآخر أعلى المكتبة كانت صورتها، وهي في السابعة عشرة من عمرها وبدءِ تكون نهديها.
التفتت، وجدت الطفل يضع البزازة، ويتبع الحليب على الجدران.
تسلق
تهيأت نبتتان للسباق، وعند نفخة البداية، أخذت الأولى تركض بجذرها داخل الأرض، وأخذت الثانية تركض بغصنها على الجدران.
ثمرة
– تفاحة؟
– لا أحب مذاق الخديعة، أبعدها عني وحدث إبليسك بأني سوف أقضم اللاهوت والناسوت وبوذا أيضاً عندما أريد ذلك.
– كرم؟
– من أي أرض؟
– من حقل إبليس، ولكن للحقيقة والأمانة قامت بحصده الملائكة.
– ومن يعصره لي؟
– هذا أمر بسيط وواضح، فإذا ما حملته وركبت مركب نوح، فسوف تلتقيك كل نساء الأرض اللائي حملن أرحامهن، ليحبلن بنسل بشري لما بعد الطوفان. هؤلاء سوف يعصرنه لك ثمرة ثمرة، وسوف يسقينك إياه قطرة قطرة، وسوف تنام معهن واحدة واحدة، أما إذا ما نزلت إلى الأرض واستعصمت بجبل، فسوف تعصرك أحجاره وتريقك دماً، وتشربك الحيَّات وتستظل بكرمك عندما يصبح شجراً مثمراً وظليلاً، وتحدث عظامك التي تصفر فيها الرياح عن عبء حمل الكرم طازجاً ومعصوراً، ويقول صفير عظامك: عبء هي كل الثمار، وكل الدماء والأرواح فقط العظام ليست عبءاً، لأن عليها أعباء الصفير في هذا السكون.. في هذا العدم.
امرأة
رأت صورتها على جدول ماءٍ، فأصلحت ضفائرها.
رجل
رأى صورته في كتابٍ أخذ يصلح في ثقبٍ أسفل بطنه.
امرأة
تحدثت للماء وثرثرت كثيراً. وتغير لون الماء أكثر من مرة.
رجل
أخذت النار تخرج من فمه وأنفه، ثم فتر اللهب فيها، حتى تحول إلى دخان.
امرأة
نظرت لصورتها في المياه. نهدها انتصب لحظة النظر، داعبته بأطراف أناملها، امتلأ بالحليب، وامتلأ الغدير.
رجل
نظر لصورته في الكتاب، أبصر الثقب أسفل بطنه، مجدداً، ورأى أفعى ضخمة أسفل ثقبه.
رجل وامرأة
التقيا، تحدثا، قالت إن صورته على غلاف كتاب مثل تنين ينفث النيران من مناخيره تدهشها، ولكن دهشتها الكبرى في تلك الأفعى الضخمة، التي تنبت أسفل كهف في بطنه، والتي تنتصب كلما رأت هذا الكهف تحت بطنها.
خريطة واتجاه
أخرجت امرأة خيرطة. تطفَّل عليها الرجل، بالنظر ثم بالسؤال: عن أي مكانٍ تبحثين؟
طَوَت المرأة الخيرطة بعنف بائن، وألقت بها من أعلى بغضب عظيم.
وخطت خطواً غاضباً في اتجاهٍ لا يوجد بالخريطة.
احتار الرجل في أمر المرأة والخريطة والاتجاه. وسجل حيرته هذه على خريطة من جلد الغزلان، وانتعلها وذهب في اتجاهٍ لم يكن موجوداً في الخريطتين.
شجرة وأفعى واتجاه
جاء الشتاء ومضى الصيف، وشقَّ نهر طريقه نحو البحر، وهطلت الأمطار، ونبتت غابة في وسط السهل، ورسا جبل بين تلال الرمل وكتل الجليد، وخرجت الأفاعي من الكهوف، وظلت الأفاعي تخرج من الكهوف، وتَلِجُ الكهوف.
بحركة رتيبة صارت هي الميقات والتاريخ والمؤشر إلى الاتجاهات.
سجل الرجل حركة ولوج وخروج الأفاعي من الكهوف على جلد أفعى.
سجلت المرأة فحيح الأفاعي وطنين الكهوف على لحاء شجرة. لبس الرجل لحاء الشجرة ومضى مورقاً ومثمراً وجميلاً في اتجاهٍ لا يوجد بالخارطة. انتعلت المرأة جلد الأفعى، ومضت فاتنة تتراقص برشاقةٍ، ودخلت كهفاً تصفر الريح فيه، ومزامير من العظم والعاج تنتظر أن تدخلها الرياح، لتصفر في هذا السكون، لربما أوجدت في الخارطة الاتجاه.
المكان
أسطورة الآلهة والبشر، وتقاسم الأحداث بينهم، يعني اختلاق شخصيات تتحمل عبء الخلق وأخطاء المخلوقات.
* كاتب وقاص من السودان