(1)
يَا لَكَوْنِكِ.
خَالِقَةٌ تَتَلَعْثَمُ فِي نُطْقِ أسْمَاءِ مَخْلُوقَاتِهَا الرَّاعِبَةِ
لِيَخْرُجُوا هَكَذَا:
يَتَمَسَّحُونَ بالجُدْرَانِ زُلْفَى، وهي هَارِبَةٌ مِن حِصَارِهِم،
تَتَشَقَّقُ فِي صَيْحَاتِهِم رَقَصَاتٌ مَفْتُونَةٌ بِضَمِيْرِ الشَّلَلْ،
تَكْسُو أَصَابِعُهُم الرَّقِيْقَةُ جَفَافَ الرِّيْحِ
بأسْمَالٍ بَاحُوا بِهَا
أَمَامَ جَلاَلِكِ الْمُنْتَهَكِ
ولَمْ تُبْصِرِي سَلاَمَهَا الأَعْمَى.
الرِّيحُ
(تِلْكَ الْمُتَمَدِّدَةُ فِي الفَرَاغَاتِ بَيْنَ خَلاَيَا التُّرَابِ
كَثُعْبَانٍ زِئْبَقِيٍّ يَنْكَمِشُ إثرَ حَالِ نَظَرَاتِ العَابِرِيْن).
(2)
يَا لكَوْنِكِ
مُنْذُ البَرْقِ مَقْهُورَاً يَتَدَرَّبُ عَلَى خَطْفِ سُلاَلاتِكِ البَاهِتَةِ
فِي اللُّغةِ، وجُرْحِ الإنْسَان،
مُنْذُ أن نَهَرَكِ الطِّفْلُ الْمَولُودُ
لِيَكْشِفَ لَكِ هَوْلَ النَّبْضِ الَّذِي سَاكَنَهُ فِي جَسَدِك،
مُنْذُ أن لَفَظَتْكِ الْحُرُوبُ البَعِيْدَةُ عَن أُذُنَيْكِ
قطةً ضَامِرَةَ الْخَوْفِ هُنَاك:
ونَحْنُ
نُشِيْرُ إلى ألفَاظِ الكُنُوزِ البَذِيْئَةِ، حِيْن عَشِقَتْهَا أقدَامُكِ الشَّاكِيَاتُ من رِحْلاَتٍ فَانِيَاتٍ،
نُشِيْرُ إلى آخِرِ رَمَقٍ مَعْقُوفٍ؛ خَاطِفِ اللَّوْعَةِ مِن نِدَاءِ بَحْرٍ هَجَرْتِهِ لأنَّ الشَّمْسَ أزعَجَتْ رُوْحَ اليَابِسَةِ فِي اسْتِجْدَائِك.
نُشِيْرُ إلى قَبْرٍ مُنْتَصِبٍ يَتَفَحَّصُ جُثَّةً مُخْتَارَةً لأجْلِهِ، مُؤَكِّدَاً أَنَّهُ يَمْلُكُ أيْضَاً:
لَحْمَاً
وعِظَامَاً
وعَوَاصِفَ قَلْبِيَّةً…
لكِنَّهَا
خَالِدَة.
(3)
يا لَكَوْنِكِ
إنَّ النُّجُومَ تَعْرِفُ مَسَارَاتِهَا
فلمَاذَا تُشْفِقِينَ عَلَيْهَا بِخَلْقِنَا؟
إنَّ الأرْضَ _لا مَفَرَّ_
أمٌّ لأبْنَائِهَا الْمَيِّتِيْن؟.
وَشَيْنَا لَكِ بأَمْرِ الغُرَابِ ذِي الصَّوْتِ الجمِيلِ
مَن كان يحرِّقُ الأشْجَارَ بِخطوَاتِهِ،
أخْبَرنَاكِ بِأحْلاَمِهِ عَنِ الصَّوْتِ الشَّاحِبِ فِي الزَّنْزَانَةِ الجنَّة،
عَنِ اللَّمْسَةِ القَاتِلَةِ لأَنِيْنِ الْمُكَوَّمِيْنَ فِي غايَتِكِ.
(4)
يَا لكَوْنِكِ.
مَعْذُورَةٌ؛
إذْ في العَالَمِ:
نَوَافِذُ مَرْئِيَّةٌ،
أَصَابِعُ تَنْهَبُ الأنْفَاسَ القَادِرَةَ عَلَى الصُّرَاخِ
وأشْجَانُ سُكْرٍ تُلَوِّحُ الأمَاكِنَ بِسُمرَةٍ بَيْنَ.. بَيْن.
إذ فِي العَالَمِ:
بَسَماتٌ تَتَكَوَّنُ في خبثٍ هادئٍ مِنَ الْمَاضِي.
وسُمُومٌ عَاشِقَةٌ تَتَنَـزَّهُ بأشهَى الْمَلاَبِسِ دَاخِلَ رَغْبَةِ الْهَجْرِ والنُّكرَان.
إذْ فِي العَالَمِ نحنُ:
كَاشِفٌ مَرْتُوقٌ بالهَذَيَانَاتِ، يَمُتَصُّ مَرَارَةَ الظِّلاَلِ الـمُدَلاَّةِ عَنْ كَاهِلِ الْحُبِّ
ولَهُ السَّلاسِلُ
تَهَدُّجُ التَحدِيقِ في القَتْلِ الْمَبْعُوثِ وعُودَاً
وكُهْرَبَاءُ القِيَامَةِ الْمَضْغُوطَةِ فِي رُوْحِ أَسْلِحَةٍ تَنْتَظِرُ ضَحَكَاتِهِم.
(5)
إذ نَحْنُ فِي العَالَمِ
نُترَكُ
كَذِكْرَى مَوْتٍ مِسْكِيْنٍ لَمْ يَتَحَقَّقُ
لكنَّا نَعُودُ عَلَى ظُهُورِ الظِّلاَلِ
حَتَّى يَتَذَكَّرَ الضُّوءُ مَلاَمِحَ وجْهِهِ
فَيَسْطَعُ فِي كَوْنِكِ
مُشَرَّداً
غَيرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْه.
2009م
* شاعر وكاتب من السودان