الوباء الصّامت: الإساءة الجنسية للأطفال كتاب جديد يُدشّن في نوفمبر المقبل

في شكل سلسلة من المحاضرات يشهد مطلع نوفمبر القادم تدشين كتاب “الوباء الصامت:الإساءة الجنسية للأطفال: الوقاية والعلاج” للكاتبة د.ناهد محمد الحسن، الصادر عن دار المصورات. ويقع الكتاب في 206 صفحة من القطع المتوسط، وسيكون الكتاب متوفرا في الخرطوم وعدد من المدن العربية خلال أسابيع.
و تعتبر الإصدارة فاتحة في درب تحليل العنف الجنسي ضد الأطفال الذي ينخر في سلام المجتمعات في صمت. تجدون في هذا المجتزأ من مقدمة الكتاب إجابة لبعض الأسئلة حول وجهة الكتاب و معاوله الهادمة للصمت :
” لمن هذا الكتاب؟
أول سؤال يخطر لأي كاتب؛ لمن يكتب كتابه؟ بالنسبة لي ترددت طويلًا بين أن أكتب للأطفال للوقاية أو للأسر أو للمختصين؟ بعد تردد فكرت أن كتابا يبذر معارف أولية للجميع سيكون مفيدا، و لتنوع المخاطبين حاولت أن يكون الكتاب بلغة يفهمها الجميع ما أمكن. و بالطبع ليس بمقدور كتاب كهذا أن يكون تفصيليا حول كل شيء،و لكنه بداية نبني عليها معارفا أكثر تخصصية في كافة مباحث الإساءة الجنسية للأطفال .
كيف تقرأ هذا الكتاب؟
يتحدّث الكتاب بصورة عامة عن الإساءة الجنسية مع بعض الفقرات التي تركز على السودان. يتكون الكتاب من ستة فصول يفضل قراءتها بالترتيب، و يمكن قراءتها من أي فصل على حسب المقصد. يتحدث الفصل الأول عن نمط الإساءة الأكثر شيوعا في العالم و في السودان و أثر ذلك على تعافي الضحية.يقدم الفصل الثاني إجابة عن سؤال من هي الضحية على ضوء الدراسات العالمية و المحلية و النظريات المتعلقة بالضحية. في الفصل الثالث وصف للمعتدين و عوامل الخطورة المتعلقة بهم و الجانحين كذلك بالإضافة للنظريات التي تشرح أسباب حدوث الإعتداء الجنسي. يناقش الفصل الرابع أعراض و علامات الإساءة و الآثار الآنية و اللاحقة للاعتداء الجنسي. في الفصل الخامس يناقش الكتاب حجم حالات الإبلاغ عن الإساءة الجنسية في العالم و في السودان و أثر ذلك على الوقاية الثانوية ( إيقاف الاعتداء الجنسي)، و العوامل التي تؤثر على ضعف الإبلاغ و دور الفرد، الأسرة ، المجتمع و الدولة في التشجيع على الإبلاغ. يختتم الكتاب بفصل عن العلاج بصورة عامة قد يساعد الجميع في فهم الأسس العامة للعلاج ، كما يقترح بعض التكتيكات المساعدة .
هذا الكتاب هو أول عمل لي عن الإساءة الجنسية للأطفال باللغة العربية، فقد صدر لي عن دار نشر ألمانية باللغة الإنجليزية كتاب عن الإساءة الجنسية للأطفال العوامل المرتبطة بالضحية . أتمنى أن تجدوا هذا الكتاب مفيدا و محفزا لمزيد من الكتب الأكثر تخصصية في هذا المجال .”
إن إنتهاك الطفولة مسألة صادمة وقد تترك جراحًا نفسية عسيرة، لكن تكشف د. ناهد عن الأمل والقدرة على البرء بحيث لا يتعين على الناجين من العنف الاستمرار في المعاناة فتقول : ” حين يتعرض شخص ما لجرح أو كسر مثلا في يده ، و يقوم الطبيب بتنظيف الجرح و خياطته أو وضع جبيرة لتثبيت الكسر ، فسيقول لمعارفه مثلا أن الطبيب قد (عالجني). و عبارة كهذه و إن كانت تمنح الأطباء تقديرا لجهد مبذول إلا أنها تغفل دور شريك أساسي في العلاج ، في الحقيقة يقوم بكل الجهد الحقيقي و المعقد. حين يحدث كسر في اليد مثلا ، فإن الطبيب يقوم بتقريب العظم المكسور من الآخر و وضع جبيرة تثبته في محله. بعد هذا تقوم خلايا في الجسم تعرف بالخلايا (بانية العظم) بلحم العظمين معا ليعودا عظما واحدا مرة أخرى. و كما يحدث في البناء أحيانا فإن عملية اللحم هذه قد تشكل زوائد خارجية في العظم منطقة الإلتحام. يأتي وقتها دور خلايا أخرى في الجسم اسمها (الخلايا آكلة العظم) تقوم بإزالة الزوائد العظمية و إعادة العظم إلى شكله السابق قبل الكسر. في الجسد البشري آليات للشفاء تقوم بترميم الجروح و الكسور و توقف النزيف و تحمي الجسم و نحو ذلك. ما يقوم به المعالجون في غالب الأحوال هو مجرد تيسير و مساعدة تمكن آليات الشفاء الحقيقية في الجسم بالقيام بدورها بسرعة و فاعلية. و هنالك كثير من الحالات يشفى فيها الجسم بصورة تلقائية و دون تدخلات خصوصا في حالات الإصابات الصغيرة. ما يحدث على مستوى التجارب الجسدية يحدث على المستوى النفسي ايضا؛ فكما يقول (كارل جوستاف يونغ): فإن النفس لها ميل نحو الشفاء الذاتي و النمو نحو الاكتمال. و في حالة حدوث تحريض لآليات الشفاء الذاتي الطبيعية هذه يتحقق الشفاء و التحول. و هو ما يعرف بوظيفة (التسامي)، و هي مبدأ جوهري في علم النفس التحليلي عند (يونغ). كما يعتبر فكرة مركزية في أشكال علاج نفسية أخرى كالعلاج بالرمل مثلا. و من واقع خبرتي و ما اطلعت عليه في أعمال آخرين فإنه يكاد يكون مبدأً عامًا في فهم و علاج الصدمة النفسية. حيث يرى بعض المعالجين أن استعادة جانب من الصدمة النفسية على فترات متكررة بالنسبة للمتعايشين مع الصدمات هو وظيفة الجسم التكيفية و طريقته في الشفاء و التحول. و هو أحد الأعراض التي يشتكي منها المريض. و مثلها مثل حالات أخرى كالصداع في حالات ارتفاع ضغط الدم الناتج أصلا من محاولة تمدد الأوعية لتخفيف الضغط. محاولة الجسد للتكيف مع الأزمة هو عرض أيضا و نداء استغاثة .
ينظر علماء النفس إلى الأزمة بعين مختلفة، باعتبارها فرصة للتغيير . الشخص المدمن على الكحول الذي يرفض العلاج قد تجعله أزمة طلاق أو حادث سير، أو اعتقال من قبل الشرطة يقبل العلاج و التغيير متى ما أحسن المعالج تحفيز المريض لتحويل الأزمة لفرصة علاجية.
الإساءة الجنسية و أي حدث عنيف مشابه هو شيء سيء جدا يحدث للإنسان خصوصا إذا كان طفلًا صغيرًا. و رغم قبح و فظاعة هذه التجربة إلا أن مقاومة الإنسان النفسية طفلًا كان أو شخصًا كبيرًا هي ملحمة يرصدها العاملون في مجال علاج الصدمة النفسية بالكثير من التقدير و الذهول .عبر مقاومته لإيذاء الصدمة النفسية يتعلم الإنسان كيف يتعايش مع الأذى، و كيف يجد طرق جديدة للتكيف، تتعمق معارفه، يزداد تقديره لذاته، و يصير أكثر تعاطفا، و تتطور نظرته للحياة بشكل أوسع و أعمق، ينمو بشكل ايجابي في اتجاهات عدة ، مظهرا مستويات مختلفة من المناعة النفسية. و من المهم أن نؤكد هنا أن هذا الحديث عن قدرة الإنسان على النمو و التعلم و التطور لا تعني بأي حال أن على الإنسان أن يتعرض لفظاعات”.