اليوم السادس

إلى أخي في التشاؤل (قصي همرور)
كَانَتِ الْأَرْضُ – كَما هي اليوم- خَرِبَةً، وَخَالِيَةً من أي فِكْر..
كَان ذلك قَبل سِتَةِ أيّامٍ سَرْمَدية، واليوم السرمدي بألف ألف سنة أبدية، والسنة الأبدية بألف ألف قرن شمسي.
فِي البدءِ نَشأ الفِكر.
كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.
وأنتم تعلمون بعد ذاك ما قيل لكم في التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية.
تعلمون ما جاء في الدخان، والزمر، والبقرة، والمجادِلة.
تعلمون أعمال الرسل، وكل الطيبات والبشارات وكذلك النُذر.
وربما مررتم على صحف طاهرة في بلاد الصين والهند وأرض كوش والحبشة.
وإليكم الشروحات الدستورية:
الأرض جسد الانسان، والروح فكرية، والخراب زوال العقل، والخلو مجاز، والماء حياة، والجَلَد الاختلاف، والسماء حجة دامغة، واليابسة شهوة، والبحار فضٌ، والثمر والشجر والبقل والبزر ذريات بعضها من بعض، والنهار عمل، والليل تدبر، والتنانين العظام أقطاب الأرض، والوحوش خواطر، والملح الذي سيأتي ذكره، وغيره، في العنقاء هو اليقين والماء علم في كل حال، والسبع صاحب سطوة، والمتردية سواقط الفكر، وذات الظفر سهلة التبرير لدى النفس، وذات القدم ما طرقها الناس فأبلوها، وذات الجناح ما لا يستقيم على الأرض فعلها.
كل ذلك قَد كان في مَسَاء وَصَبَاح اليَوْم الخَامِس.
فَلَمَّا قَضَىٰ الفِكر الْأَجَلَ وَسَارَ في الإنسان حيناً من الدهر، أقعدته الحيل، فآنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً.. فترك ما بين يديه طلباً لخَبَرٍ عن الأصلِ القديم، أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ ليستقيم.
فَلَمَّا أَتَاهَا بتسليم ويقين وخوف وشك ورهبة وجهل، نُودِيَ، من وراء الحُجب الزمانية والمكانية، مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ حيث مستقر ومستودع التجليات، فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ، من محل التنزل القديم بلا زمن، ومِنَ الشَّجَرَةِ العرفانية: أَنْ يَا فكر إِنِّي أَنَا.
كل ذلك قَد كان في مَسَاء وَصَبَاح اليَوْم السَادِس.
العدد المعدود
وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ. وكانت فتنة عظيمة، ترامت البحار على اليابسة فكادت أن تذهبها، وعم الخراب الجسد، وأكلت الأشجار الثمر والبقل، وهجمت وحوش الخواطر على الأقطاب في ليل التدبر، واستحر القتل. وكانت فتنة عظيمة، ومات خلق كثير فنادى أسفل الفكر أعلاه:
(لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى عَبْدِكَ؟ لماذا حمّلتني أمانتك؟ وَلِمَاذَا لَمْ أَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَنَّكَ وَضَعْتَ ثِقْلَ هذه الأمانة عَلَيَّ ؟ مِنْ أَيْنَ لِي نارٌ وجذوة حَتَّى أُحيي جَمِيعَ هَذَا الركام؟ لِأَنَّي أسمع صوت بكاء عظيم وشهيق خافت وصوت مكبوت ينادي: أَعْطِنَا نصطلي)
وحين صَمَتَ أعلى الفكر عن إجابة أدناه نادى الأخير يائساً:
لَا أَقْدِرُ أَنَا وَحْدِي أَنْ أَحْمِلَ جَمِيعَ هَذَا ٱلحِمل لِأَنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيَّ.
فَإِنْ كُنْتَ تَفْعَلُ بِي هَكَذَا، فَٱقْتُلْنِي قَتْلًا إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، فَلَا أَرَى بَلِيَّتِي.
كل ذلك قَد كان في مَسَاء وَصَبَاح اليَوْم.
عَنْقَاءُ مُغْرِبِ
—————
بعد ألف ألف يومٍ سرمدي
—————
قال صاحب النفس الملهمة لصاحبه: إني أرى شجراً وثمراً وزيتوناً وعنباً. صاحب العلامة على الخدين قد جاء ببشارة، وصاحب اللحية الكثة أتى بالتفصيل في بلاد الفرنجة، وصاحب النشوء صانع المفتاح، وصاحب التحليل والتفسير قد أصاب في عين ما أخطأ. وكلهم أعاجم النشأة شمالاً وجنوباً.
يا صاحِ لا تصحُ على حالٍ نمت عليه، ولا تأكل مما أكل السبع ولا المتردية ولا ذات ظفر او قدم او جناح او روح. عليك بالملح والماء ففيهما الاكتفاء.
يا صاحِ إن الدخول خروج، والذهاب إياب، والمكوث رجوع، والناس نيام، والحق وجوه، والحقيقة وجهان.
يا صاحِ قد ذهبت الفتن وأشرقت الحكم، فلا ذنب ليغفر، ولا سيئة أو خطيئة تُكفّر. اذهب فافعل ما شئت فلقد صبرت حتى نلت.
كل ذلك قَد كان في مَسَاء وَصَبَاح يومٍ بعد ألف ألف يومٍ سرمدي.