تصدير
أَنَا الخَطِيئةُ
الدَمُ الـمُتَخَثِرُ فَوْقَ جُرْح المشاعر
الحَظُ الـمُتَعَثِرُ بـِحَجرِ الحَقِيقَةِ
أَنَا غَيمُ الشَهَوات
نـَحْلٌ هَائِمٌ فـي عَسَلِ البَنَاتِ
شَوكٌ فـي مُصَافَحةٍ حَـمِيمَةٍ
أَنَا الوَقَارُ الـمُصْطَنَعُ فـي زِيَارةٍ عَائِليةٍ
هَبوبٌ يَعْصِفُ بِأبوَابِ الـحُقُولِ
أَنَا الذُهُول
التَكْشِيرَةُ النَاعِسَةُ لِعَاشقٍ خَجُولٍ
ليالٍ يَهْرَعْنَّ لِكَنْسِ أَحْدَاقِهِّن مِن سَهَرِ العَاصفةِ
أنا من يدقُ الطبول
ليوقظَ آلاف الفراشات
و يهنأ بالرحيقِ العَسُول
أنا حُمى الظهيرة
انحناءة الأنهار لتُقبل جَبِينَ الأَرض
سجينٌ في بَيتِ عَنْكَبوت
أَنَا التَنَاقضُ و الأَوبةُ الزَائِفة
سوقٌ بطرفِ المدينةِ
يبيعُ قِشر الكَلاَم
أنا مديحُ البائعِ لبِضَاعَتِه الكَاسِدة
نظرةٌ عشوقةٌ لـَم تـَجِد عَيناً لِتَهْبِطَ عَليها
إِفتراسُ الفَجْر لِبَقايا الليلِ الهاربِ
أَنَا اليَقْطِينةُ التي سَقَطَت عَلَى فمِ يُونُس
النبوءةُ الرائجةُ فـي صفقةِ الدياناتِ
ركعةٌ فائتةٌ فـي صلاةِ النفاقِ
أَنَا مَن يدلُ الفِعل عَلَى فَاعِله
مَن يُقلِب القلبَ على فِراشِ الظنونِ
مَن يطعن ظلاً شارداً
مَن يـَحْشُو رَغِيفَ الوَقَت بزبدةِ المللِ
أَنَا غُروبٌ و هروبٌ
تَأشيرةٌ ناضجةٌ إلـى بلادٍ نيئةٍ
أَنَا هَمٌ يَهِيمُ عَلَى وَجهه
أَنَا الغُنْوَات اللائي يُذهِبنَّ الـحَسْرَات
كفٌ طائشةٌ تَغْمِسُ نفسها في بركة الجسد
أنينُ يدلُ الألـم على ثغراتِ الفريسةِ
أَنَا “الدَمِيرَة”
أَسْتَفْرِغُ شَرَاباً لا يليقُ بمعدةِ النيلِ
أَنَا الكَذْبةُ الصَادِقةُ
الطِفلُ الذي أَرسَلته أُمه لصلاةِ الحاجةِ
و ذَهَبَ ليَلهو مَعَ أَقْرَانِه
أَنَا الدَمعةُ التي نَزَفَت وَلـم تـَجِد خَداً رَؤومَاً
الضَحْكةُ الـمُرتدةُ مِن أذنٍ خَرْسَاء البَصِيرة
أَنَا الأسِرةُ المُزيَّنة فـي حوشٍ رمليٍ
بإِنتِظَار ضيوفٍ لَنْ يَأتُوا
أَنَا الـمُسَافرُ
بِلا وَداعٍ و حَقائبٍ و أُمِنيَاتٍ
أَنَا الغَريِبُ بِلا غُربةٍ
الـمُتَغَرِبُ فـي القُرْب
الذي لا يَنْتَظِره أَحد
وَ لا يَأْسَى له أَحد
أَنَا السَجينُ و السِجنُ و السَجانُ
أَنَا قبلةٌ حائرةٌ
فـي شِفَاهٍـ حَجَريةٍ
شَلْخٌ لـم يَبْرأ بـِخدِ صَبيةٍ
شَجَرَتان تـَهْمِسان
لئِلا تَنْقل الرِيح نـَجْوَاهما
أَنَا البِلادُ التي بَتَرت سَاقَيها
و تَنَاسَت أَنـَها رَاقِصةٌ بـِملهى الخَوف
أَنَا النَاريُ
أَهِيمُ نـَهاراً فـي مَتَاهاتِ الغَابِ
و أتـَمَرغُ ليلاً فـي صَدرِ الصَحْراءِ
أَنَا كُلَمَا دَلت بَوصَلتي عَلَى الشَرقِ
نَزَحت أَنـْحَائي للغربِ
السرُ المُفتَضَح
نـَجْوَى مـُحِبٍ لـم يَنْشَرِح لـهَا صَدرُ الـمَحْبْوب
أَنَا الذي أَكَلَ الوَرْدَة
آملاً أَنْ يَتَعرَّق مِنه العَبِير
شَوقٌ كَاذبٌ
مَلهاةٌ أَضَلّت عَرَّاف الطَرِيق
أَنَا الحَرِيق
شَهْقةٌ يائِسةٌ من رئةِ الغَرِيقِ
التَحْديقةُ الفَاتِرةُ
المُحاولةُ الشَقيةُ لِعبورِ العِناق
غُموضٌ لا سِر به
و شوكٌ أنيقٌ
أَنَا من يَمضَغُ الذكريات
يَشْربُ عليها كأساً من حريق
مِزلاجٌ يَفتحُ باب المداراتِ الشرقيةِ
أَنَا لا أَسْتَفِيق
مِن غيبوبةِ رُؤاي
أَنَا البَريقُ أَنَا البَريق
إِشْتِعالَ البنَفسَج فـي حقلِ البُرتقالِ
تأويلُ الحرف بأقوالٍ ملعونةٍ
أَنَا الحبُ الجائرُ
و العَدوُ الغادرُ
طًائِرٌ يُحلقُ بـِخَياله فَقط
عينٌ تـحدقُ من بِئْر ظُلْمَتِها
أَنَا اللونَ و الدَائرة المُضيئة
تفسير
هاء
الهاءُ رَغْبَة
الهاءُ رَقْصَة
عَلَى نَافُورةِ الدَمِ الـمَالـِح
الهاءُ حَرْفٌ مَارِقٌ عَلَى الأبـَجَديةِ
الهاءُ هَلْسُ اللُغة
الهاءُ هَمٌ
الهاءُ هَـمّت بِه وَهَمَ بِـها
لولا أَنْ رأى بُرهَان قَلبه
الهاءُ هَسْهَسةُ أَوْرَاق الخَرِيف
الهاءُ هُنَّ
و هُـمُـوا
و هَـمْـهَـمـَاتُ الحَائِرين
الهاءُ حَرْفٌ مُخْتَلِس
حَرْفٌ نَعِس
الهاءُ تتأرجحُ بين الضحكِ والتأوهـ
الهاءُ بين الهُناء والهُناك
ياء
وَصَمونـِي بِالأبـجَديةِ
نَسَبوني لِلغَةِ الحائرةِ الشَيقِة
حَبَسُوني بَينَ الكَلِمَات،
لَستُ بِـحَرف
إنـي شَيءٌ يُشْبه الطَرْف
لَديّ دَمعٌ وإِشَارَة
و رِمْشٌ و هَمسٌ
و مَنَارة
إنـي يمـامٌ يفرُ مِن حَلقِ الحبيبةِ الـمَـثْقُوب
يُـحطَ على كَتِفها الـمُتعَب
لـِيَرسُمَ تـَهَدُل الإِشَارات
أَتـَحَدرُ مِن عَائلةٍ نَبيلةٍ
أَبـي كَان نُطفةً فـي خَيَالِ القَصِيدةِ
و أُمي وَتَراً مَشْدَوداً بـلحونٍ فريدةٍ
إلتقيا ذات همسةٍ
حِين سَقَطت الكَلِماتُ
مِن ثَغْرِ فَتَاة بالـحبِ عنيدة
كيَف أَكونُ حَرفاً للنداء؟
و لا أَجدُ مَن يُنَادِيـنـي
مَن يُغَنِيني
مَن يـُحَيِني
لُغةٌ مُرْبِكةٌ!
تَضَعُ النُعُوتَ مَكَان الأَسْـماء
والأَفْعَالَ مـَحَلَ الفَاعِل
والإشارات رمزاً للخواء
هل أنا حقاً ياءٌ منسيةٌ عَمياء؟
يا ليتني مِتُ قبل هذا وكنتُ حكياً منسياً
ألف
أَتَظُنُ الأنـهَار تـَجْري فـي دِمَائِك؟
تَبْكِي باسْـمِكَ
تـَخْذُلكَ عِند الـمَغِيب
تُنَاجِيك فَجْراً وسِراً
أَتظُنها حقاً تسعى إليك؟
أَتَظُنُ الأنـهَار ريحانةً لـِجسَدِك الـمَحْموم؟
فَاكِهةً لِقَرَابِينك الـمُوسِـميّة؟
أَتَظُنُ الأنـهَار رَسْـماً وإِشَارة؟
خَيطاً رَفيعاً مِن الـماءِ يَلْهَثُ فـي مَدَارهـ
أَتَظُنُ الأنـهَار باباً يُفضي للصَحارى؟
نـَهْرٌ فـي عَينيكِ
نـَهْرٌ فـي شرايينكِ
أَنـَهْرُك شَرِبَ ظِله؟
وأَخْفَى رَافِديه لئِلا يُصافح البَراري الـجَامـِحة
أَنـَهْرُك نـَهْرٌ إلـى هَذِه البَسَاطة؟
باء
بِاسْـمكِ الـمُتبلُ نطفةً فـي رَحمِ الـخَيالِ
رَسَـمنا جِسْراً
تـَمرُ مِن فَوقِه الأَسْئِلة
بِاسْـمكِ النِيلي
رَسـَمنا مـَخْرَجاً لا يُؤدِى للنَجاة
رَسَـمنا فراغاً وأَخيِلةً للأجوِبَة
وبِاسَـمكِ أَيضاً وَسَـمنَا جِبَاهنَا “خمسة/عشرة/واحدة/اثنان”.
كاتب ومترجم من السودان