غوايات

في الموت والحياة معاً

 

قديماً جداً
كنت أصنع الكلمات من الطين
كنت صغيراً على الوحشة
صغيراً جداً
قبضة يدي لا تصلح للقتال
ولا تصلح للحب أيضاً
أصنع بها الكلمات
فقط
كلمات صغيرة مثلي
ولكنها بقبضات متفاوتة
تشبه الحانات الرخيصة في ضجيجها
وفي طعم نبيذها السيّئ
بنادلة أو دون ذلك
بحارس ضخم على الباب الخشبي القديم
أو دون ذلك
براقصة عارية تتأرجح على العمود الفولاذي
أو دون ذلك
الكل يتبادل الكلمات مجاناً
كما يتبادل العشاق القبل
في العلانية أو السر
في الشوارع الجانبية أو الرئيسية
فقط هم يتبادلونها
كنت صغيراً على شفاه حبيبتي القادمة
لدرجة أنني لم أظنني سأكبر
سأكبر حد السماء
وأقبلها في ممر الغيوم الضبابي
بين رائحة الملائكة
وبين أسرار الديانات العتيقة
بين الأسراب المهاجرة وفراخها المنسية
على ظهر سفينة حربية قديمة
أخرجها من معطفي
وأشتم رائحة بكائها
أشتم حسرتها
وخيبتها في اللقاء.
بذراع مبتورة
ومعطف لم يصنع خصيصاً
للذراع الأخرى
بندبة على خدِّ الحقيقة المرّة
وعطب بقلب الإرادات
فقط أصنع القذائف من الكلمات
وأصوبها نحو السماء البعيدة
التي أنجبتنا بأشكالنا
ومنحتنا سر أسمائنا والصفات
علمتنا كيف يبدو هذا العمر سجيناً

في قبضاتنا الصغيرة
كيف نبدو غرباء عن هذه اللهفة.
غريبون عنا
نفرط في الحب والحزن
في الكتابة والوحشة الغائبة
في الموت والحياة معاً
نجلس على الوقت
كالفراغ
نضع حزناً على حزنٍ
وندخن
ندخن بوحشية مفرطة
وكأننا نريد أن نحرق غابة

على صدر المواجع والخوف
ندخن ونكتب
ونتقاذف بالقصائد كالرماح
القصائد الحزينة
التي لا تصلح لشيء حتى
لا تصلح للحب والطمأنينة
وبقبضتي الصغيرة هذي
سأعجن الأرض
وأصنع منها كلمة واحدة
يا صغيرتي
كلمة لا تحتاج لمصعد

كي تصل إليك
لا تحتاج حتى لانحناء الشهوة فيك
كلمة صغيييييرة
كقبضة يدي المتيبسة
لا أقوى على إخراجها
أو ابتلاعها.

 

 

* شاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى