البهاء سميناها، وعشقها لمن يحيا طليقاً من سلطة عقله ويضحك ملء المسامرات التي بيننا بلذة باهته، عشقي أنا لمن يسترق من الضوء غفلته ويجرب أشياءه عامداً لمضارعة القدماء، أو كما فتيات المواقيت الخصوصية، يهدرن الحليب ولا يندمن على شيء مما فقدن. البهاء إذاً رغاء البعير عند انتصاره وحنينه.
قلت: البهاء مناداتك لي وأنا متعب النفس.
قالت: البهاء انتظارك عند حائط المغني، والرب لا يعشق الواقفين إلا ليسألوه هدى الأرواح.
مخرج النفس ما سال عنها وأزبد.
وكُنَّا عَبَدْنا المسام التي هجرتها شعيرات الدم نزولاً عند حاجة السيسبان، المسام بكتنا وعرّشت حولها (ببغاوات) القصور الفارهة.
على سرجها المخملي، مترعات الأشواق حرّزتهن بصورتها، ما أفاء علينا الإله به من نعيم.
بنت ما نطق السيسبان وهو حال النسيب يزيل كروب البوادي غناءً، والبوادي إذ تكسرت حنيناً في غناء السيسبانة أهدت بداوتنا شقوتها، ونحن محابيس أفخاذ الغابة لا يكفي شهواتنا غير دفق الاستواء.
قالت: أنادي ولاتك حين ذوات القرابين نلن من خوفهن مرفأً يحتوي مراويد أحلامهن. حين المساء يراني براء من الروح أقرب للسلب من قبلة العاشقيْن اللذيْن استهاما وقرّب ضوء المصابيح وجهيهما.
أنا منحت العيال ما أنكرته عليَّ المزامير قبل انتشار الشقوق بوادِ المنال.
أنا إذاً غائبة في نعيق الملاعين، بيضاء.
السيسبان هداي ولا ينبغي للحبيب أن يشيح بسترته عن شهوتي
الغائبات جميعاً كتبت نشيدي وغنين مقطعهن الأخير اشتهاءً
والموت يبس ويخضرّ ما غرفته يداي، على شفتيَّ نداء وقلبي يصيح.
أيها الخيل!
أنتم بقايا نوالي من العشق.
أنتم قرابين عشيقَّي ذانك.
وأني بوحي الإله عرفت مكان الرضاع، ولم يكفني ثدي أمٍّ شحيح، يجود بقطرة عشق ويأبى ممانعة أن يزيد. أنا إذاً غائبة عن حديث المساءات غائبة عن صلاة الجماعة واسعة الشوق للاكتفاء بصدري عن المانعات.
صدرها مدفن الصفير ومواجد قيثارتي إذ شكت توقها للبكاء. صدرها سلسبيل النعيم، يسقني من حنين المزامير ما بخلت عارفات الحضور به.
بقجتي ما حوت غير طوق من الحلم مدخرٌ للذي هزَّني أول الأمر ثم استغاث بأنواره عن غياب المقيمة في حلمها.
بقجتي جعلت فرجة اللاعبين جائزة في حق ما حط في جسدي من دمامل. وأنا لا يراني العراة ولا يدركون انتشار العطر بما حملت شهوتي.
لي سيسباني ولك المنتهى، لي شفرة النصر ولك الثغاء، لي ما ليس لك.
ويلك من سائل العشق الذي من يميني أتى، ضوع العبير الذي من نفاذ أمات النداءات جمعاء. بعداً لما صنع الوجد بقلب عاشقة فتتت الريح سطوة عينيها وبريقهما، ولم يبق في قلبها سوى إصبع من حنين.
السريرة أرفع ما نَظَرْت في الغرام وليس من يعلم أدناها غيري وأنا من هيّج الموج وعلّم الشوق نسج المواويل البريئة، السريرة ما انفكت تواري النجيع الذي يبتديك بنهج القرون المضيء ظاهرها وهي كاملة في العماء.
وعثرنا على صوّاع الكلام
قال لي: العزلة، عثور على ما يراد، ونشيدها الكامل، ما صاغه القديس، نشيد الذي زانه ما تقلب من نشيج النائحة، لئلا شواظٌ يهِديِ إلى الخوف، ذعران ما بالحداء عرضنا للخروج معاً.
حداء الذي شق قلب المسافة في غسق، وكنت إذ ذاك عارٍ من الصبر، والصبر لا ينبغي للهزيم.
الصبر مرّغ أنف الجريحة في حلمها، شاد من عرْفه وجل القاعدين، وهي في تينك حال، تروم ثغاء القتيلة من طلب. القتيلة مما جعلناه فطرتنا، وكنا نناجي ولآت أوان كتبنا هداك.
النهاية:
كنا بلغنا البداية إذ غرغرتك دواء من الشوق في بادئ الموج،
كانت تناديك بالمنتهى وتعلم خوفك، كانت تفلي ضفائر ليلاتك الناعسات،
وكنا إذا نطق العشق بالنار زدناه ناراً.
وإن فار تنور حلمك صببنا عليه من القطر ما ينبغي لأولي النول أن يظفروا بنهايته؛
والنهاية لن تنلها؛ النهاية تأتيك إذ لا تشاء.
مكان المريدات يهرعن شوقاً إلى باب عزلتك الأبدية.
النهاية ما ينتظرنا قبالة بدء النشيد. مهملة تلكم الخاتمة.
العزلة ثانية:
الأصدقاء مثلاً، ليسوا أنقياء بالضرورة، وهم دائماً ما يقتلونك بنشيد الأسئلة، الأصدقاء جميعهم حمقى ونزقون، كلهم مرتمٍ في ما اشتهته غرائزهم، كلهم نتن.
ليس لك أن تعض على شفتيك إذا ما سقتك السنون زعاف الأسى، ليس لك أن توحد بين القرابين التي شأنها هجرة الأصدقاء، ليس لك أن تموت كما تشتهي. والأصدقاء بذا بدلوا اللحن أكثر فتكاً بقلبي من الشوق بالعاشقين. وكنا غداة هجرنا العشيرة أو هجرتنا، بذلناك للموت والموت أعمى، وأنت فرغت من العشق أفقر من أعين الناحلين.
النهاية قبل النهاية:
سيّان عندي مجيء المساء وغيبته.
سيّان عندي إذا نطق اللحن بالغيب أم زاد فصح الرذاذ.
سيّان عندي اعتلائي مِتان المريدات أو تركها في الحداء بدن.
النهاية كاملة:
فهي كاملة أوان السماء سماؤك، وحدك والأرض فرش ستطويه بعد فراغك من حجوة الريح والموج. ولولا فتاتك رعناء في فتكها بالغياب، وخرقاء إذ ورّقت شوقها لبقايا الغريق، وإن يكن ما جادت النائحات به بعض قربان؛ لكان المسام تفرّع في طيه وانتحى.
إنشاد
الإصحاح الأول:
جاء فيما قاله أشعيا – وهو أشعيا الذي يخصني – خطوك الرخو يطيح بأحلام الطبول، والطبول التي هجرت مشرق الشمس لن ترتخي لرخاوة هذا النزف، بل ستحشد كل آلهة النشيد ببابك. منذ بدء الخليقة، ومنذ أكوام الطين الأول، وهذا الطبل يئن، ينادي وأنت تزال منكمشاً عن تمددك، عن فطرة الطين المبلل، وأنت تنأى عن ما ورثته السلالة من نداءات الطبول الصاخبة \ أنت تتعرى في رقصك الماجن ببلاط السلاطين المخنثين،
الإصحاح الثاني:
جاء في كتاب الرحيل: لو أن الرجال تنادوا لكريهة، تبعتهم طبول القبيلة تهون ما يجعل الرحيل أبدياً والراقصات الضواري، يطلقن لأجسادهن العنان، في غنج يحررن هرمونات الكائن من سلطة الجنس، ومن يا ترى يغفر ما اقترفن من خطيئة المزاولة، فالعرق النقي لا يسيل على جسد الطبل، وقلوب ذوات الدسم لا ينبغي أن تمتلئ إلا بعشق فحل واحد
الإصحاح الثالث:
عن برنابا – وهو كما أشعيا برنابا يخصني – في الفجر تتجمع قطرات الندى على خد وردة، وتقبلها، وحين يزيد أوار الحريق، تهرب القطرات عن العشيق، لا أحد يضحي بالقلب من أجل أحد، وليس العشيق غير خادع للمعشوق، من يضحون هم الأنبياء ومن يحترقون بنار التقصي هم الشعراء، لأنهم مجبولون على الشقاء
الإصحاح الرابع:
جاء عن يوشع أنه قال: لا تكن كالجاحدين، فقبيل تمتص شرابك تصدّق على النخلة بشربة ماء، الأشرار وحدهم من يتلذذون بفعل الخطيئات، ويقذفون بالحجارة على النُّهُرِ غير آبهين بحنين الجبل، كن كالأخيار، الذين يضيئون عتمة ليلاتهم بالنشيد، ويجشمون الرباب غناءً للحقيقة، كن كمن هم براءٌ من الخصام، لا يقرعون الطبل حتى تنام أبقار القبيلة.
الإصحاح الخامس:
جاء عن يوشع – وهو يوشع الذي لا ينتمي للماضي – إنه قال: ريثما ينطلق السهم المشدود على القوس نحوك، دع قلبك مشرعاً لجمال الآتي، لا تغمض عينيك، تبسم واستبشر برحابة الوجود ولا تقنط، فربما ينكسر القوس قبل مفارقة السهم، وربما السهم أعوج.
* شاعر ومترجم من السودان