ترجمة

لا ينبغي لأحد أن يكون فاسداً: العدو واهب الصدقات

سلافوي جيجيك

منذ العام (2001) أصبحت دافوس وبورتو إليغري المدينتين التوأم للعولمة. ففي دافوس، وهي منتجع سويسري صفوي، تلتقي نخبة العالم، من مديرين تنفيذيين ورجالات دولة وشخصيات إعلامية، في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي، خاضعين لحماية أمنية مشددة، ومحاولين إقناعنا (وأنفسهم أيضاً) بأن العولمة في حد ذاتها تملك العلاج الأكثر نجاعة للأزمات والمشكلات التي تواجه العالم. أما في بورتو إليغري، وهي مدينة برازيلية شبه مدارية، تلتقي نخبة حركة مناهضة العولمة، محاولين بدورهم إقناعنا (وأنفسهم أيضاً) بأن الرأسمالية المعولمة ليست قدرنا المحتوم، وذلك وفق ما يحيل إليه شعار الحركة الرسمي: “عالم آخر ممكن”. ومع ذلك، يبدو أن جمهرة بورتو إليغري قد فقدت بطريقةٍ ما زخم قواهها الدافعة والمحّفزة. إذ لم نعد نسمع عنهم، خلال العامين المنصرمين، سوى القليل القليل: فإلى أي وجهة كانت ترنو نجوم بورتو إليغري بوميضها المُشع؟

بعضٌ منهم، على الأقل، تحرك صوب دافوس، حيث نغمة الاجتماعات تخضع الآن لسيطرة مجموعة من المقاولين الذي يطلقون على أنفسهم بشكل ساخر (شيوعيين ليبراليين)، أولئك الذين لم يعودوا يقبلون بالتعارض بين دافوس وبورتو إليغري: فزعمهم حيال ذلك يكمنُ في ادعائهم أنه بوسعنا أن نقتسم كعكة الرأسمالية المعولمة (التي تزدهر بدورها كالمقاولين) ونتناولها جميعاً (مُجيّرين بذلك كل أسباب مناهضة العولمة التي أفضت إلى ولادة المسؤولية الاجتماعية، وقضايا البيئة، وغيرها من القضايا). ومن ثم لا توجد حاجة إلى بورتو إليغري: فعوضاً عنها، بالإمكان أن تصبح “بورتو دافوس”.

لكن، من هؤلاء “الشيوعيين الليبراليين” المشتبه فيهم دوماً؟ هم: بيل غيتس وجورج سوروس (1)، والمديرون التنفيذيون لـ(Google) و((IBM و(Intel) و(eBay)، وفلاسفة البلاط كتوماس فريدمان (2). إذ يجادل المحافظون الحقيقيون اليوم بأنه ليس اليمين التقليدي فحسب، باعتقاده الأخرق في السلطة والنظام والوطنية المُتزمّتة، ولكن أيضاً اليسار التقليدي، بحربه ضد الرأسمالية، كلاهما منشغل بمعاركه مع ظلال المسرح، وذلك بتجاهلهما للحقائق التي تنبثق من واقع متجدد الأشكال. إذ تكمن دلالة هذا الواقع الجديد في الصيغة الشيوعية الليبرالية المبتكرة: “ذكي”: كن ذكياً تعني أن تكون حيوياً ومتفتِّحاً وغير خاضع للبيروقراطية المتمركزة؛ وذلك بالاعتقاد في الحوار والتعاون مقابل السلطة المركزية، وبالتحلي بالمرونة مقابل كل ما هو روتيني رتيب، وباكتساب المعرفة والثقافة مقابل الإنتاج الصناعي، وبكل ما يتجسّد في التفاعل الذاتي العفوي مقابل التراتبية الراسخة.

يُعدُّ بيل غيتس أيقونة ما يُطلق عليه “الرأسمالية التوافقية”، أي ما يسمى بـ: “المجتمع مابعد الصناعي” و”نهاية العمل”. إذ يتغلب السوفت وير على الهارد وير، والنيرد الصغير على المدير التقليدي ببدلته السوداء. ففي المقر الرئيسي للشركة (3)، هنالك القليل من النظام الخارجي، حيث يسيطر قراصنة كمبيوتر سابقون على المشهد، مستغرقين في العمل لساعاتٍ طويلة، ومستمتعين بالمشروبات المجانية في محيطٍ أخضر. إن الفكرة التي تنطوي على ذلك تحيل إلى بيل غيتس بوصفه سفَّاحاً هامشياً مدمِّراً، مهكِّراً خارجياً، من نصَّب نفسه وتبوأ موقعه كرئيس مجلس إدارة محترم.

إن الشيوعيين الليبراليين مديرون تنفيذيون رفيعون، إذ يعملون على إنعاش روح التنافس، أو لنعبِّر عن ذلك بطريقة أخرى: هم المهووسون بمحاربة الثقافة بوصفهم المسيطرين على الشركات الكبرى. إذ إن عقيدتهم الجديدة، والتي هي نسخة ما بعد حداثية مطورة من “اليد الخفية “(4) لآدم إسميث، تتمظهر من خلال: ليس هنالك تعارض بين السوق والمسؤولية الاجتماعية، وإنما بالإمكان توحيدهما معاً لجني فوائد متبادلة. وكما أشار إلى ذلك فريدمان: لا ينبغي لأحد أن يكون فاسداً لكي يقوم بالأعمال التجارية، لأن التعاون بين الموظفين، والحوار  مع العملاء، واحترام البيئة، وشفافية الصفقات، كلها مفاتيح للنجاح. ولقد وضع أوليفر مالونيت، مؤخراً، من خلال مجلة (تِكنِك أرت) الفرنسية، وصايا الشيوعي الليبرالي العشرة:

1 ـ ينبغي عليك أن تمنح كل شيء مجاناً (حرية الوصول، حرية النشر، إلخ)، لكن عليك أن تدفع نظير الخدمات الإضافية التي سوف تجعلك غنياً.

2 ـ ينبغي عليك أن تغير العالم، وليس بيع الأشياء فحسب.

3 ـ ينبغي عليك أن تكون واعياً بالمسؤولية الاجتماعية وأن تتشاركها مع الجميع.

4 ـ ينبغي عليك أن تكون مبدعاً: ركز على العلوم و التصاميم و التقنيات الحديثة.

5 ـ ينبغي عليك أن تخبر الكل: لا توجد أسرار؛ أقر بالشفافية واعتنق ممارستها وبحرية تدفق المعلومات؛ فعلى كل البشر أن يتفاعلوا ويتعاونوا مع بعضهم بعضاً.

6 ـ ينبغي عليك أن لا تعمل: لا توجد وظائف ثابتة من التاسعة إلى الخامسة، لكن انخرط ببراعة وحيوية ومرونة في التواصل.

7 ـ ينبغي عليك أن تعود إلى المدرسة: انخرط في التعليم النظامي.

8 ـ ينبغي عليك أن تعمل كالإنزيم: لا تعمل فحسب من أجل السوق، ولكن أيضاً من أجل تحفيز أشكال جديدة من التعاون الاجتماعي.

9 ـ ينبغي عليك أن تموت من الفقر: لذا أعِد ثروتك لمن هم في حاجة إليها، لأنك صرت تملك أكثر مما بوسعك أن تنفقه دوماً.

10 ـ ينبغي عليك أن تكون الدولة: على الشركات أن تنخرط في شراكات مع الدولة.

إن الشيوعيين الليبراليين برغماتيون، وذلك بكرهم للنهج العقائدي. فاليوم لم تعد هنالك طبقة عاملة مُستغَّلة، وإنما مشكلات ملموسة تلِّح لكي تُحل: المجاعة في إفريقيا، مأزق النساء المسلمات، العنف الديني المذهبي والطائفي. وحيثما كانت هنالك أزمة إنسانية في إفريقيا (فالشيوعيون الليبراليون يعشقون التوَّله بالأزمة الإنسانية، لأنها تدفعهم لاستخراج أفضل ما بداخلهم ومنح أفضل ما لديهم)، فإننا بدلاً من الانخراط في الإفصاح الصريح عن مناهضتنا للإمبريالية، نجد أنفسنا مدفوعين إلى التوحد معاً للعمل بأفضل طريقة ممكنة لحل المشكلة، حاثين الناس والحكومات والشركات على الانخراط في مشروع مشترك عام، مكتفين بتحريك الأشياء بدلاً من الاعتماد على الدولة المركزية لكي تمد إلينا يد العون والمساعدة، وعامدين إلى التعاطي مع الأزمة بطريقة إبداعية مبتكرة.

إن الشيوعيين الليبراليين يحبون الإشارة إلى أن قرار بعض المؤسسات الدولية الكبرى، الذي كان يتعلَّق بتجاهل قوانين الفصل العنصري في شركاتهم، لم يكن يقلل من أهمية الكفاح السياسي المباشر ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. إذ إن إلغاء الفصل داخل الشركة، بدفع نفس الأجر للبيض والسود على حدٍ سواء، الذين يشغلون نفس الوظيفة، وغيرها من تمظهرات إلغاء الفصل، يُعد المثال الأكمل على التداخل والتشابك بين المصالح التجارية والكفاح من أجل الحرية السياسية، وذلك منذ أن أصبحت أنشطة هذه الشركات تزدهر في جنوب إفريقيا، في فترة ما بعد نظام الفصل العنصري.

إن الشيوعيين الليبراليين يحبون مايو 1968 (5): ما يسمى بتفجر طاقات الشباب وبزوغ الإبداعية! وما أفضى إليه ذلك من تمزيق النظام البيروقراطي! وبما حدث من تحفيز للحياة الاجتماعية والاقتصادية بعد انجلاء الأوهام السياسية! إن الذين صاروا آنذاك كباراً بما يكفي، فوجدوا أنفسهم يتظاهرون ويتعاركون في الشوارع، تغيروا الآن لكي يغيروا العالم، لتثوير حيواتنا بشكل حقيقي: ألم يقل كارل ماركس إن كل الثورات السياسية لم تكن ذات أهمية مقارنةً باختراع القاطرة البخارية؟ أليس من المحتمل أن يكون ما لا يملك ماركس أن يقوله بصدده اليوم هو: ما كل هؤلاء المتظاهرين ضد الرأسمالية المعولمة مقارنةً مع الإنترنت؟

وفوق كل ذلك، فإن الشيوعيين الليبراليين هم مواطنو العالم الصالحون، الأخيار القلقون عليه؛ فهم قلقون الآن من تفشي التعصب الشعبوي ومن  جشع المؤسسات الرأسمالية غير المسؤولة. إذ يرون أن “الأسباب الكامنة” وراء مشكلاتنا المعاصرة تتمثل في الفقر الجماعي واليأس اللذين يفضيان بدورهما إلى الرعب الذي يثره التعصُّب. فهدفهم لا يتمثّل في جني الأموال، ولكن ينحو إلى تغيّير العالم (مع أنهم في نهاية المطاف سيكسبون المزيد من الأموال). ولعل بيل غيتس هو المستفيد الأوحد والأعظم في تاريخ الإنسانية، وذلك مقابل ما يمنحه من هبات إلى جيرانه، بإعطائهم مئات الملايين من الدولارات لدعم التعليم ومكافحة الجوع والملاريا وغيرها. وما يمكن استخلاصه والإمساك به من كل ذلك، أنك قبل أن تنذر هباتك على طول الطريق ينبغي عليك أن تأخذها (أو كما يعبِّر الشيوعيون الليبراليون عن ذلك بصيغة أخرى: أن تخلقها). ولمساعدة الناس، فإنه تُبذل المسوغات حيال ذلك، بحيث ينبغي عليك أن تملك الوسائل للقيام بذلك، أي بالتبرير استناداً على التجربة. وذلك بعد إدراك كل ضروب الفشل المُدمِّرة التي طالت الأساليب والآليات الجماعية للدولة المركزية. التي تُعلمنا أن المشاريع الخاصة هي الأكثر فعالية حتى الآن. وبتنظيمها لأنشطتهم التجارية، وبعد تحصيلها للضرائب المفروضة على هذه الأنشطة بكل يسر وسهولة، فإن الدولة تكون نتيجة لذلك قد قوضت هدفها الأساسي من نشاطها الوظيفي (المتمثل في تحسين حياة الأغلبية للأفضل، وبمساعدة من هم في حاجة لذلك).

إن الشيوعيين الليبراليين لا يريدون أن يكونوا مجرد آلات للربح: وإنما يريدون لحياتهم أن تكتسي بمعنى أكثر عمقاً. فهم يرفضون كل دين عتيق وتقليدي في مقابل مناصرتهم للقيم الروحية والتأمل الروحي غير العقدي والمذهبي (الكل يعرف أن البوذية ترفِد المعرفة العلمية بالدماغ، لأن قوة التأملات يمكن قياسها علمياً). إن شعارهم اليوم هو المسؤولية الاجتماعية والإقرار بالفضل والعرفان وردِّ الجميل: فهم أول من يبدون امتنانهم للمجتمع الذي يهبهم كل ما هو خيِّر بلا حدود، بجعلهم قادرين على استغلال مواهبهم وتكديس الثروة. لذا، نجدهم دوماً ما يستشعرون أن من واجبهم أن يهبوا المجتمع شيئاً ما ومساعدة الناس. إن هذه الهبة التي يجود بها المجتمع عليهم، هي عين ما يجعل نجاح الأنشطة التجارية يستحق الجهد المبذول والعناء والثناء.

ولا يعد ذلك ظاهرة جديدة كلياً. لنتذكَّر أندرو كارنيغي (6)، الذي وظف جيشاً خاصاً ليسيطر على العمل ويضبط تنظيمه وليُخضِع العمال في مصانع الفولاذ، ليشرع لاحقاً في توزيع أجزاء كبيرة من ثروته لدعم الأنشطة التعليمية والثقافية والإنسانية وتمويلها، مُبرهِّناً بذلك، وعلى الرغم من أنه رجل حديد وصُلب، أنه يملك قلب من ذهب؟ وبنفس الكيفية، فإن الشيوعيين الليبراليين اليوم يمنحون الهبات والمساعدات بيدٍ ويستعيدونها باليد الأخرى.

هنالك اليوم مُليِّن للأمعاء مصنوع من الشيكولاته ومتوفر على أرفف المحلات التجارية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يروج له من خلال عبارة إشهارية متناقضة: هل لديك إمساك؟ عليك أن تأكل الكثير من الشيكولاته!….إلخ. إن أكل الكثير من مثل هذه الأشياء هو الذي يؤدي في حد ذاته إلى الإصابة بالإمساك. ومن الممكن الكشف عن بنية المُليِّن المصنوع من الشيكولاتة من خلال المشهد الأيديولوجي المعاصر، أي بما يجعل ذلك الشيء الشبيه بسوروس بغيضاً وكريهاً للغاية. فسوروس يقف منتصباً من أجل الاستغلال المالي الحثيث الذي يتوَّحد مع عميله المضاد، وبقلقه الإنساني على ما يتمخض من الأزمة من تبعات اجتماعية يتحملها اقتصاد السوق الحُرّ. إن الروتين اليومي لسوروس يتجسَّد من خلال: نصف زمن عمله اليومي يُكرَّس للمضاربات المالية، فيما يخصص نصفه الآخر للأنشطة الإنسانية (تمويل الأنشطة الثقافية والديمقراطية في بلدان ما بعد التجربة الشيوعية، مدبجاً المقالات والكُتب) التي تُنفذ لمعالجة الآثار المتربة على مضارباته المالية. إن وجهي بيل غيتس يتماثلان بالضبط مع وجهي سوروس: فمن جهة، هنالك رجل الأعمال القاسي، مُدمِّر أو مُخضِّع المنافسين، والذي يهدف فعلياً للاحتكار؛ ومن جهة أخرى، هنالك الخيِّر الأعظم والمُحسن الواهب الذي يقول: “إذا لم يكن لدى الناس ما يكفي من الأكل، فما الذي يُخدم لكي يكون لدى الناس كمبيوترات؟”.

ووفقاً لأخلاقيات الليبراليين الشيوعيين، فإن السعي الحثيث وراء الربح يُعادل العمل الخيري. فهو جزء من اللعبة. لأن قناع الأنشطة الإنسانية يُخفي ضمنياً الاستغلال الاقتصادي؛ إذ تعمل الدول المتقدمة بشكل ثابت على “مساعدة” الدول المتخلِّفة (بالقروض والمعونات، وغيرها من أشكال العون)، وذلك حتى يتسنّى لها تحاشي القضية الجوهرية: تعقيد موقفها الكامن في عمق الوضع المأساوي للعالم الثالث وما يترتب عليه من مسؤولية ملقاة على عاتقها. ونتيجة لذلك التعارض بين “الذكي” و “غير الذكي”، فإن الاستعانة بمصادر خارجية يُمثل فكرة مفتاحية. ذلك لأنك تُصدِّر الجانب (الضروري) المُظلم من الإنتاج. العمل الخاضع لتراتبية مُهيَّكلة صارمة، التلوث البيئي إلى مناطق العالم الثالث غير الذكية (أو إلى تلك المناطق الخفية في العالم الأول). إن حُلم الشيوعي الليبرالي الذي لا تحده حدود، يتمثَّل في تصدير طبقة عاملة مستغَّلة كاملة إلى الأسواق الفقيرة الخفية في العالم الثالث.

لذا، لا ينبغي على الأوهام أن تحجُبُنا: إن الشيوعيين الليبراليين هم عدو كل كفاح تقدمي حقيقي في عالم اليوم. ذلك لأن كل الأعداء – المتطرفين، الإرهابيين، بيروقراطيي الدولة الفاسدين وغير المؤهلين – هم نتاج ظروف محلية عرضية طارئة. فعلى نحوٍ دقيق، ولأنهم  يريدون حل كل هذه الاختلالات الوظيفية التي تكتنف المنظومة الرأسمالية المعولمة، فإن الشيوعيين الليبراليين هم التجسيد الحي والمباشر لكل ما هو خطأ في التعاطي مع هذه المنظومة. إذ يكون عندها من الضروري الدخول معهم في تحالفات تكتيكية لمكافحة العنصرية والتمييز الجنوسي والظلامية الدينية؛ لكن من الأهمية بمكان أن نتذكر ما الذي يشغلهم بالضبط.

و يميِّز آتاين باليبار، في كتابه (La Crainte des masses) (1997)، بين نمطين معاصرين متعارضين من العنف المُفرط الكامن في أحشاء الرأسمالية اليوم: فمن جهة، هنالك العنف الموضوعي (البنيوي) المتأصل في الشروط الاجتماعية للمنظومة الرأسمالية المعولمة (التخليق الآلي لأفراد مقصيّين ومهمشين، من المشرد إلى العاطل عن العمل). ومن جهةٍ أخرى، هنالك العنف الذاتي الناجم عن انبثاق أشكال جديدة من التعصب الديني والإثني (أي العنف العرقي). فمن المحتمل أن يكون الشيوعيون الليبراليون قادرين على مكافحة العنف الذاتي، إلا أنهم يمثلون عملاء للعنف الموضوعي الذي يخلق شروط ولادة وتفجير العنف الذاتي. إن سوروس نفسه الذي يعطي الملايين لدعم وتمويل التعليم، يُدمر حيوات الآلاف من البشر الذين يلهجون بالشكر لمضارباته المالية، ليسهم بذلك في خلق شروط بزوغ التعصب وعدم التسامح الذي يشجبه ويدينه.

إحالات:

(1)جورج سوروس (1930):رجل أعمال أمريكي من أصل يهودي، ورجل البورصةالذي يعتلي المرتبة 99 في قائمةأغنى رجل في العالم وتزيد ثروته عن 9.0 مليار دولار. فقد استطاع استثمار وعيه الذاتي وتحويله إلى أرقام رابحة في البورصة حتى أطلق عليه أرباب البورصة العالمية لقب (عبقري المضاربة) وأن يتحول من صراف للعملات بموطنه هنغاريا في عام 1945 إلى نادل (جرسون) بمطعم ثم موظف بنك في بريطانيا في عام 1947 وتاجر بشركة في أمريكا في عام 1959 إلى مؤسس شركة استثمارية في نيويورك في عام 1973 إلى مالك للبنك الفرنسيسو سيتيه  جنرال. لم يُعرف خارج نطاق المال والأعمال عن جورجسوروس إلا القليل قبل أحد ما سُمي الأربعاء الأسود في العام 1992 حيث تمكن ربح من مليار دولار من خلال المضاربة فقط وبالاعتماد على حسن توقعاته فقط. إلا أن سوروس لم يبق ذلك الرأسمالي الذي لا يهمه سوى المال،بل إن، وكمايتحدث، مرّ بتحول منذ نهايةالسبعينيات في حياته تغير على أثرها وأصبح ميالا للتأثير في المجتمع والعالم. وسوروس الذي عاش تجربتين مريرتين كانت أولاهما أنه نجا من معسكرات الاعتقال النازية بسبب ادعاءأبيه أنه ممسيحي وثانيتهما هي تجربة العيش في ظل النظام الشيوعي الدكتاتوري. حصل سوروس على إجازة دكتوراه من جامعة أوكسفورد. وكان سوروس وراء أزمةالنمور الآسيويةالتي هزت هذه الدول لصالح مجموعة من البنوك واتهمه مهاتير محمد صراحة بمحاولة ضرب اقتصاد ماليزيا. .كمااتهِم بالمضاربةعلى الريال السعودي لإنزال قيمته، كما رفعت في وجهه دعوى قضائية للتهرب من الضرائب في كازاخستان رغم محاولة الظهور بمظهر صاحب المبادئ السامية. وقد ثبت أن منظمته المسماة “منظمة المجتمع المفتوح” ارتكبت جرائم مالية تعدت 600 مليون $. وثبتت أيضاً علاقة هذه المنظمة الوثيقة بالمخابرات الأميركية. وكانت حكومة كازاخستان (2004) أول من اكتشف فساد جمعيته وجمعيات عدّة أهلية تعلن مبادئ سامية وهي في الحقيقة تعمل بمنتهى الخبث والشر وتبث السموم في المجتمعات وأسمتهم كازاخستان آنذاك بالخونة!!!. كما قامت أيضاً منظمة المجتمع المفتوح” والتي يقع مكتبها الرئيس في نيويورك بفتح فرع لها في طشقند (أوزباكستان) عام 96 وأنفق 22 مليون $ تحت بند الإصلاحات وكان يدعم المعارضة الأوكرانية من اجل ثورة في اوزباكستان على غرار جورجيا (عام 2003).

(2)توماس فريدمان: صحافي و كاتب أمريكي.

(3) المقصود شركة مايكروسوفت.

(4) “اليد الخفية” (Invisible hand): هي استعارة ابتكرها الاقتصادي آدم سميث. قام آدم بشرح مبدأ اليد الخفية في كتابه ثروة  الأمم وكتب أخرى، حيث يقول: إن الفرد الذي يقوم بالاهتمام بمصلحته الشخصية يسهم أيضاً في ارتقاء المصلحة الخيرة لمجتمعه ككل من خلال مبدأ “اليد الخفية”. حيث يشرح أن العائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الأفراد.

(5) يحيل هذا التاريخ إلى أحداث ثورة مايو عام 1968 في فرنسا: وهي فترة عنيفة من الاضطراب المدني سادتها الإضرابات العامة والاعتصامات في المصانع والجامعات في أنحاء الجمهورية الفرنسية بدفع من الطلبة والعمال والاشتراكيين والشيوعيين. انتهى الأمر بالموافقةعلى حل الجمعية الوطنية والإعلان عن عقد انتخابات برلمانية جديدة.

(6) أندرو كارنيغي: رجل صناعة أمريكي.

*سلافوي جيجِك هو فيلسوف ومنظِّر اجتماعي وناقد ثقافي سلوفيني، له مساهمات في النظرية السياسية ونظرية التحليل النفسي والسينما النظرية، كما يُعد أحد كبار الباحثين في معهد علم الاجتماع بجامعة ليوبليانا. كما عمل أستاذاً زائراً لدى جامعة شيكاغو، وجامعة كولمبيا، وجامعة برنستون، وجامعة نيويورك، وجامعة منيسوتا، وجامعة كاليفورنيا، وغيرها من الجامعات. ويشغل حالياً منصب المدير الدولي لمعهد بيركبك للعلوم الإنسانية بجامعة لندن. ويكتب جيجك في العديد من المواضيع مثل: الرأسمالية، الأيديولوجية، الأصولية، العنصرية، التسامح، التعددية الثقافية، حقوق الإنسان، البيئة، العولمة، حرب العراق، الثورة، ما بعد الحداثة، ثقافة البوب والأوبرا والسينما واللاهوت السياسي والدين، وغيرها من القضايا المعاصرة.

Reference:

.Nobody Have To Be Vile:The Philanthropic Enemy-Slavoj Žiže-

.London Review of books-Vol. 28 No. 7 • 6 April 2006-page 10 | 1919 words-

زر الذهاب إلى الأعلى