دوماً ..
وفي الليلِ
حين يصعد العاشق تلَّ أوجاعِهِ
يُحصي الثواني
قطرةً قطرةً من دمه ،
تَمُرّ الطيوف زاهيةً بخيالهِ
تُحيل جسدهُ إلى هبوبٍ
وروحه إلى مديح ،
العاشِقُ المُعذَّب بالفساتينِ
طفل البساتين ،
صوتهُ بُكاء المُرِيدِ ولهفةُ الغائبِ
له في الجسد مسالِكٌ وعذابات
له في العذابِ لذَّة الوجعِ ورجفة الحنان المباغت ،
حين تهدأ أنفاسهُ تذوبُ رئتاه ،
العاشِقُ الذي يَتنفَّس معشوقه
الذي إذ رآه ،
أصابتهُ أعضاؤه بالغناء ،
هو دوماً لا حديث له ،
جِلدهُ ستائر مرمرٍ تؤذي صمته ،
يبتلعُ أصابعهُ في كل مديحٍ يغشاه
ولا تَتغشَّاهُ السَّكينة ،
هو عدو نفسه ولا عدو له .
الـ يخافُ على روحه من روحه ،
الـ يخافُ على معشوقهِ من الزهرةِ النَّافِرة
من الماء قبل النار
ومن النور قبل الظلمة الحالِكة ،
العاشِقُ إلهٌ في سماوات الجسد
يغفرُ لمعشوقه وان لم يرتكب الخطايا ،
رسول العذاب
يُحرِق نفسه بالأسئلةِ الصِّامِتة
ولا يحترق ،
يُشعل أصابعهُ شمعاً لمعشوقهِ ويذوبُ على ثيابهِ ،
هو حين تراه ، لا تراه ،
وحين تسمعه ، لا تسمعهُ ،
هو حينٌ بين الحين والحين ،
ولحظة مُراقة بين اللحظاتِ التي تأكله ،
يسجِنُ نفسه في اللهفة
ويَسرُج ظهرهُ لتمتَطيهِ البراحات الواسعة ،
تجدهُ في الليلِ مُحتضِناً أنفاسه
كَسَرابٍ
يحسبهُ العَابِرُ ماء ،
حتّى إذا جاءَهُ لم يجدهُ شيئاً .
و ينظُرُ في الشيء ما لا يُرى
يَرَى الدمعة في خيالِ العين ،
روحه المُسَافِرة في الجَّمالِ الباذخ منذ القِدَمِ ، دليلهُ ،
وجَسَدَهُ وسيطٌ بينها والأذى ،
يَعصِرُ الأبد
بأصابعٍ مِن المعنى وتعصِرهُ النظرة ،
كلمةٌ تُشِيخَهُ ولمسةٌ تُعيدهُ للطِّفُولةِ ،
تَراهُ سَاكِناً مِن شِدَّة الوجد
في الظَّلامِ يَرى النُّور ويمضي عاسِلاً في الكلام ،
يَرى في الشيء الواحد ألف شيء ،
وفي الآلاف يَرى الواحِد ،
مُصَابٌ بالليلِ و الأسى
يَغرقُ في التَّناهيدِ كلما عَبَرتهُ الطُّيوف ،
كلما شَرَعت أعضاؤه في الغناء .
وكلما جاءت بِنتٌ
بفستانها المملوء بالغمامِ أحبَّها .
العاشَق الأعمى
الـ يَرى الأشياء بعين البصيرةِ الثَّاقِبة لا بِعينيه ،
لا تسألهُ عن بيتٍ ولا مال
له في كلِّ قصيدة ، بيت وأولاد ،
وفي كل امرأةٍ ، لهُ أُم .
* شاعر من السودان
