ثمارغوايات

قصيدة من ديوان (Gravedigger of the New York City)

رمادي

1
النبيذُ في وردةِ الوداعِ
الدخانُ كالمدينةِ في القيامة
مثلما لا تضنّ هجرتها بموعدِ دفن موتاها
مثلهما والطازج من حُزنها كلحم قديسٍ حيّ
كمعدنٍ طيِّعاً في رعونةِ الإسمنت.
… ..
هُنا، في اللِّيلِ الغريب عند نيويورك
كُلما عن تقرّحه تعولُ بخيبتها الإنسانية
كُلما عن عزلةِ الكائناتِ تيهُ المُنقلبْ
في جحيمها والحياةُ من مكرها لا تخاتلها
مثلما لا يجاريها من عبثه والمحاولة
مثله ومن عنها والنخبةُ ما لا يعود.
2
أمريكا أمريكا
تصعّرُ خدها للناس- المدينةُ
هكذا تكونها من حدوس الرؤيا
ما يأتي من مغامرة كشوفاته
من بوصلة المنحنى في رابيةِ الحتفْ
في دوار البِحارِ المالحة الغائرة
في إلحاح شحاذها في تهاويم الكارثة
من هستيريا الرُّعبِ في الأنفاق المظلمة والأزقة
في استعلائها عليها في تاريخها وإرثها وذاكرة اللصوصْ.
3
الرسالاتُ متجمعةً
لا تألفها في نيويوك كما لا تكون
كأنهما سماءٌ معصوبةُ العينينِ تتنكّبُ حيرته
أو كأنه ما لا يظفرُ بجديدها من جنّته أو نارها
في الفرح والمكره، هنا كهناك، في الزحام
على صراطها أو مشيئة نيويورك .
… ..
يغفر اللهُ خطايا حفار قبورها
بيد أنه لا يغفر لها.
4
عن كثبٍ يجترُّ البيضُ ملهاته
على وجومها المنتحب- أجراس الكنيسةِ ترن
عنها والعائلِة صليبِ خلاصها الأشهى
عندها أو سحنة السُّود المُتعجرفة
أو هي من طبقةٍ تنصرها طبقةُ من حقارةِ المنبت
في الرحيل قبل يأسه بالوصول
ومن سيرتها السيئة في رداءة طقس المُصاهرة .
… ..
لمن هذه الأرض
لكشَّافٍ نزق العُرْي والرؤيا
أم لنبوءة الرِّيحِ من سماء عزلته الباذخةْ؟!
5
مواطنٌ من الدرجةِ الثالثة
أكذوبةٌ تنطلي على الحضارةِ الباردة والديمقراطية
رأيته الآن هنا، بأم عين اللاهوت
رأيتها – المدينة ُفي اللِّيل وشاعرها
العمياءُ عن بصيرة الورَّاق
في الحبرِ من مهروق بما تخسرها
ما بفقدها من تقادمها عليه
سقيفة قبائلَ دمهما الأسود الفاسد.
6
السناجبُ على الشجرةِ
من راح عنها كمن غدا
خماصاً تمضي قوافلها في الشتاءِ والصيف
بطاناً نحوها تعبرُ كمن لا يألف حفيف الصنوبر
كأن به جِنَّةً بما هو يلمسُ فراغها- الممسوسُ
ما يظن عدا ما يوشكها في الحديقةِ الكونية
في تقديرها والعاشقُ
من شكّته في عقربِ الوقت .
… ..
من نفوذ القوي:
طبلٌ أسود في الجبانةِ يرزم
ضعفٌ بيّنٌ عن ضالّةٍ
ما هو عنها ما تسعى به
ما يسعها أو ضيق عيش المُتذمر
كأنما من محض ما يولغُ ما يجرؤ عليها
كأنها به من اجتراره اقترافه لجنحة هذا الوهم.
7
في ليلِ الجنرالات البهيم
قبلها أو بعدكَ عند تخومها- أمريكا قبل تصمت إلى الأَبد
قبل أنْ تُؤتي عليها بمن لا قِبَل لصنيعها بما هو من موبقاته
بمن ليس من حصارٍ سوى حصارها بها
بمن هو عنها ينسلُ في العراء بمن عليه يسدلُ جفنها
بمن هي ما يغطّ في النومِ حتى كوابيس ما هو عليها
من غفلتها لا يراه .
… ..
– الحيُّ أبقى من الميتِ
وتقولها بالخيبةِ في المضيقِ
بما ليس يدلُّ عن انحسار تنورة الفاتنة
عن عار ٍمثلما لا نجاة
من خدعة المفرزة في الجوار
مثلما لا سلطان للحربِ سوى جعجعة السلام
سواك ونيويورك من مخازن السلاح
حتى حفار قبورها في دركِ نهاية العالم.
8
كل هذه القذارة
ولم يفلت العبيدُ من وعيدها
كلما من أبراجِ المراقبة يهرب السجناء
كلما عن سيادتها المُذلة يتملظ
عنها- المتحررُ ويبرطم .
… ..
كأنه نيويورك في كفن الموت تُشيَّعُ
كأنها – حفارها في حنوط القانطة
يدركها في ركعةِ السهو الأخيرة.
9
عن فضائلَ مغشوشةٍ
لبن على عسل غفرانها
الزجاجُ دونها أو حجارةِ العبيد
السود لو تفاضلوا عن جسارة ِالأمريكي
لو عن أفاويقٍ ما يظله من غيبوبتها وسطوته
أو ما هو يبغيه بدلاً عنهما بالذي يكُونها والعُنصرية
ما يظنه بالمؤانسة خِلّاً، ما يميط قناعها
خلا منافحةِ مواعظ مارتن لوثر
وجورج واشنطون وولت ويتمان
ما عنها أو له كفاية الفقير وصرخة المستغيث وو الخ
لذلك في العدالة والحق جحافل الحرية تمضي
لذلك في الجذع والرغبة هستيريا جنونِه تتفاقم.
10
قشورُ الحضارةِ في لُبِّ العائلة
في الهواءِ المكدس الذي يضربُ أرخبيل الرِّئة َ
من حفيف مديحها من وخز العملِ
في الكسل اللذيذ وهو يبلغُ ناطحة سحابها
في التراب البليل من خيال الذروة
إلى بداية النهاية إذ تثكلها به أمها .
… ..
كأسٌ هنا، له ما يزال
لخَدرِها والليلة الماجنةْ
كأسٌ لنخوِة القبطان ِمن هلاك اليابسة
كأسٌ للبحرِ في زرقة المائجِ في عيون هلاكها
كأسٌ للمائعِ كنيويورك
في مقبرة حفارها.

 

* شاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى