جغرافيا اللوحة السودانية (1)
وصراحة لا أدري إن كانت مجاميع التسطير قد أوفت مسلك البحث عن هوية وإنسانية اللوحة التشكيلية السودانية حقها ومستحقها؟ إلا وقادتنا المحاولات سابقاً صوب التاريخ الهزيل بحثاً عن الإجابة على هذه التساؤلات والتي هي في مؤدى حقيقتها ليست سوى أسئلة كونية وجودية، تضافرت كثير من الظروف الغريبة الى استنساخها واجترارها تمجيداً وتعظيم سلام لعصامية التجربة ومن ثَمّ تَعميمها كجُهد جماعي لتكون سُهولة التسمية تجربة تشكيليّة سُودانية!!
أفرزت هذه البساطة في التَّناول دُون انتقاص الرغبة الصادقة لها في البحث عن هيولي قدسية للوحة ولفنانيها على حد سواء، فكانت على استحياءٍ تبحث عن الجمال في هذا التاريخ الطويل دون التعمق في حقيقة إنسانية المُنتج!! وكأنّ هذا المُنتج بسبب هذه القدسية عمل إلهي، فكله جميل وصاحبه فنان رائع، لتتراكم هذه التجارب على فراغ إنساني يُجافي حقيقة واقع البيئة المفترضة وواقع الفنان المنتج نفسه، وأقصد هنا الفنان التشكيلي الذي لم يتيسر له ركوب الطيارة وما بدلوا الأحلام التي تصارع البقاء بحثاً عن حقيقة هذه الماركة الإنسانية.
هذه الاندفاعات صوب التاريخ لم تؤسّس سوى لواقع مُزيّف، تغاضت عنه عَمداً أقلام الكل، شيء جميل لتكون صيانة المنتج نقداً ليس سوى ترقيع لثوب التجربة والتي في غالب أحيان وجوديتها هي مُغتربة عن واقع الفنان نفسه، سواء كان الفنان الموجود بالداخل أو الفنان المغترب، كل التاريخ كان يُصب في ذات قالب القدسية القبيح الوافد مع ثقافة الغرب للوحة ولفنانها حتى أسّس ذلك بصورة جازمة لصراع أزلي بين الفنان ونفسه والفنان وعمله المُقدّس وبين الفنان والفنان في صراع وحوش الأنا المنفوخة قدسياً وبين الفنان ومتلقيه المفترض ثم يأتونك متسائلين عن الأمية البصرية؟
ومن جوة مصارين نفس العمل المقدس كانت الحصيلة اجتراراَ لمفردات فشلت تماماً في إيفاء الوجه الحضاري والثقافي للوطن السوداني حقه ومستحقه. على أن إنسانية التجربة تفضح هذا السلوك البائس في التعاطي مع العمل الفني كمنجز إنساني نبيل، سبعة أجيال من الفنانين الأكاديميين يحسب الفنان المحترف والممارس على أقل من أصابع اليد الواحدة من كل جيل، إلا من ركب الطيارة فهو خارج سرب هذا التقييم القاسي والمرفوض سلفاً من غالبية القديسين والقديسات الأحياء منهم والأموات من قبيلة التشكيل المفترض أنه سوداني.
فهذه القدسية الغبشاء طمرت مع فجاجة التمسك بها على اختلاط انواع المعرفة بالفن كفعل تأثير وتأثر كل سبل التقييم الواقعي بعيداً عن كذبة إنسانية وعالمية الفن التي روّجت لها بدهاء مافيا الرأسمالية الغربية البغيضة والتي حولت الفنان لتاجر قبل أن تحول العمل الفني لسلعة، لندخل في دوامة الفلسفة ومفاهيم الفن باعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة!! إلا أن هذه النكتة السمجة دائماً ما تفضحها تلك الظروف القاهرة للفنان السوداني اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، على فصاحة ووجاهة كم هائل من الدكاترة القديسين (الكبار) خالص والذين هم برضو ما بدلوا تبديلاً في التمسك بكل قيم الغرب في التعاطي مع الفن كبراح تعبير انساني وشغل سوق فكانت شوية مفردات كمحفوظات دجاجي يلقط الحب يُمكن أن تخدع أن العمل سوداني من رحم الواقع وتبدلاته الغريبة في مخصوص إنسانيته.
ظلّت اللوحة السودانية مهزومة جغرافياً بسبب غياب الثقافة البصرية لدى غالب الفنانين أنفسهم فغاب الفنان صاحب المشروع الإنساني مع استمرار جريمة غياب التربية الجمالية المتعمد من قبل الإدارات الحكومية، هذا الواقع الإنساني الغريب أجج فقه صناعة النجم التشكيلي المقدس.
يتبع..
* كاتب من السودان
* تم النشر تزامناً مع ملف الممر الثقافي الذي تصدره جريدة السوداني.