ثمارغوايات

صَلَاةُ الشَّاعِر

حاتم الكناني

تَسِيلُ جِهَةٌ مَقْلُوبَةٌ مِنَ الكَوْكَبِ الرَّقْمِيِّ،
تَمُوتُ شَهْرَاً فِي مَلَذَّاتِهِ السَّبْع،
أَوْ تُرْسِلُ سَمَاءً جَائِعَةً لأرْضٍ تُمْطِرُ الأَرَانِب،
يَا أَنْتَ،
يَا نَافِذَةَ الوُجُودِ الشَّاقَّةِ،
وَيَا طَيْرَ رِحْلَتِكَ فِي الهَوَاءِ الغَامِض،
تَغْمِسُ مَصِيرَكَ فِي زَيْتِ العَدَم،
وَتَبْنِي الغُمُوضَ عَلَى عَوَاهِنِ الأَفْعَالِ المَفْقُودَةِ فِي بَيْتِ الزَّمَن،
يَا مَنْ وَمَنْ..،
تَبْدُو وَتَنْسَى الطَّرِيقَ عَلَى القَارِعَة،
تَجْهَلُ آلاءَكَ الْبَدَوِيَّةَ فِي صَحْرَاءِ الإلهِ،
الصَّحْرَاء المَسْؤولَة عَنْ تَسْلِيَةِ النَّهْرِ بِأَلاعِيبِ المَجَاز.
النَّصْلُ المُعَلَّقُ فِي مِشْجَبِ الدَّهْرِ يَدْعُوكَ لِلنَّوْمِ عَلَى سَرِيرِ المَاءِ المُحْتَرِق،
وَأَنْتَ يَا دَمَ المَعَاوِلِ تَجْتَازُ بَحْرَكَ بِالكَلَامِ المُسَدَّدِ نَحْوَ يَابِسَةِ الثَّعَالبِ اللُّغَويَّة،
تَنْهَبُ سَهْلَ الإشَارَات،
أَنْتَ يَا حَبِيبَ البَيْتِ والمَزْرَعَةِ الصَّمَّاءِ وَالحَلِيبِ المُقَدَّس،
يَا غُبَارَ الآلِهَةِ المُعَذَّبَة،
وَطَيْرَ الحُمَّى؛
تَنْهبُ الليلَ وَتَقْرَأُ النُّجومَ فِي غُرْفَةِ الأَبَدِيَّةِ المَشْغُولَةِ بِتَدَاوِلِ الأَزَل.
أَنْتَ يَا وَثَنَ الرَّحْمَةِ، قُلْ لِي:
كَيْفَ الصَّباحُ المَعْجُونُ وَعَشِيرَتُه المُلْهِمَة..؟
وَكَيفَ تُحَلِّقُ الأَسْمَاكُ فِي حَدِيقَةِ الكَوْنِ دُونَ أَنْ تَجْرَحَ الحَرِيرَ السَّمَاوِيَّ بِأَذْنَابِهَا؟
يَا طَيْريَ المَسْكُوبَ فِي بِلاطِ الله الأَسْمَر،
هَبْنِي القُبْلَة المَنْسِيَّة فِي شُرْفَةِ البُرْتُقَال،
هَبْنِي سَمَاءً وقَمْحَاً.
أَنْتَ يَا صُدْفَتِي المُكَرَّرَة فِي كُلِّ عُمْرٍ وَعُمْر،
يَا شَجَرِي المُدرَّبَ عَلَى الطَّيَرَانِ وَالتَّسْبِيحِ الذَّهَبِيِّ،
يَا كَلْبِي وَقَافِلَتِي وَحُجَّتِي عَلَى الوُصُولِ إِلَى دَرَكِ الغِنَاءِ العالِي،
أَنْتَ يَا كُلَّ كُلٍّ وَمُعْجِزَةٍ؛
تَنْسَى أَسْرَارَكَ المَنْقُوشَةَ فِي بَحْرِ الرَّمْل،
يَا سَارِقَ التَّمَائِمِ الصَّخْرِيَة،
وَمُعْجَمَ الصِّفَاتِ وَالأَحَوَال،
يَا أَنْتَ، يَا رِيَاحُ، يَا مُضْغَةُ، يَا مَلَاحِمَ الذَّاتِ،
يَا مَعْدِنَ الخَشَبِ المَصْقُولِ بِاللمْحَةِ المَغْرُوسَة فِي اليَدِ الشَّاعِرَة،
يَا (تَنْسَى بَابَاً وَتُوصِدُ آخَرَ).
العصافيرُ الضَّيْفَةُ تَنْهَقُ تُنَادِيكَ مِن أَكْفَانِها العَارِيَة،
وَالمَصَائِدُ تَصْرُخُ مِنْ لِذَّةِ خِدْعَتِكَ المُذْنِبَة.
تَتَأَهَّبُ يَا قَمَرَ الرِّحْلَةِ وَبَيْنَنَا سَمَاءٌ مَطْلِيَّةٌ بِالشَّكْوى وَالحَنَان،
وَتَمِيلُ أَلْوانُكَ عَلَى مَوائِدِ البَسَاتِينِ فِي مَوَاسِمِ النِّسْوَةِ الفَاكِهَاتِ،
كَمْ نشوةً سَتَبْلُغُ حِينَهَا دُونَ أَنْ تُدْرِكَ عَنَانَهُنَّ؟
كَمْ زَبَدَاً يَنْهَالُ عَلَى صُدُورِهِنَّ المَشْجُوَّة؟
أَنْتَ يَا رِيحَنَا المَطْهُوَّةَ بِالدَّمِ المُرَوَّضِ وَالجَسَدِ الصِّفْرِيِّ،
وَيَا حِمَارَ الوَقْتِ فِي مَرْثِيَّةِ السَّافَنَّا،
يَا شَيْخَنَا المَمْطُورَ بِالشَّتَائِمِ المَاسِيَّة،
يَا وَلِيمَةَ الحَظِّ الهَائِلَةِ، وَيَا (تَلْتَهِمُ الرِّقَّةَ فِي مَائِدَةِ العُبُورِ؛ تَصْلُبُكَ الكَنَائِسُ، كَأَيِّ نَايٍ يَنْدُبُ الشَّجَرَ؛ يَعْبُدُكَ المَاءُ فِي غُفْرَانِهِ، وَالرَّبُّ فِي أَكْفَانِه، يَعْبُدُكَ الكَسَلْ).
الطَّرِيقُ المَحْمُولُ عَلَى جُثَّةِ المَشْيِ يَمُوءُ بِالسَّهَرِ عَلَى الخَلَائِقِ النِّسْيَانَةِ فِي خَرائِبِ المَعْنَى؛
الطَّرِيقُ المُجَرَّبُ يَصْطَادُ الخُطَى قَبْلَ عَاصِفَةِ الله؛
وَأَنْتَ، يَا مَسِيِحِيِ المُدَلَّلَ، اِغْفِرْ لِي نَوْحِي،
وِعِظْنِي بِمَا تَجْهَلُ مِنَ بَوَارِقِ الأَسْمَاءِ،
يَا ضَيْفِي فِي بَيْتِكَ،
اِقْذِفْنِي بِحِجَارَةِ النِّدَاءِ،
وَاتْرُكْنِي لِنَفْسِي قَبْلَ أَنَ تَهُبَّ رُوحُكَ المُجَرِّبَة.
تَجْتَرُّ حُقُولَكَ الكَلِمَاتِيَّةَ، وَأَنْتَ الحَنِينُ المُدَرَّبُ عَلَى المُتْعَةِ وَالهَوْلِ،
وَكُلَّمَا شِئْتَ يَطِيرُ مَعْنَاكَ لآخَرَ لَمْ تَكُنْهُ،
وَلَا خَطَرَ بِبَالِ حَيَوَانَاتِ الحَقِيقَةِ النَّاطِقَةِ، وَالمَزْهُوَّةِ بِالأسْئِلَة.
أَسْرِجْنِي – بِالله – يَا حَمَامِيَ المُعَلِّم، يَا فَرَاشَتِي الزَّاهِدَة، قَبْلَ أَنْ تَنْطَفِئَ بِأُمِّكَ النَّارِ،
يَا ابْنَ الرَّمَادِ،
يَا كَذِبِي الصَّرِيحِ، يَا دُعَائِي المَلْعُونِ بِاللهْفَةِ،
أَنَا مِحْرَابُكَ،
صَلَاتُكَ المَدْهُونَةُ بِالتَّصْدِيَةِ،
سَجْدَتُكَ التي نَسِيتَهَا فِي الضِّفَّة الغَائِبَة،
يَا غَزَالَةَ الأَسَى الضَّاحِكَة،
يَا كَاهِنَ الطِّيُورِ
فِي حَدِيقَةِ الأَفْعَال.

 

* شاعر من السودان

زر الذهاب إلى الأعلى