غياب إتحاد كتاب جنوب السودان
سنوات عديدة مضت ، منذ أن حازت البلاد على استقلالها من السودان ، وشرع الجميع في وضع الملامح الرئيسية للمؤسسات المدنية و التنظيمات الأخرى على ضعفها هشاشتها وضبابيتها التي لا تخطي العين ، لكنها استطاعت أن تتجاوز مرحلة التجريب و المحاولة إلى طور الوجود الذي تأتي محاكمتنا لها علي ضوئه ، أجسام نقابية عديدة نشأت لضرورات تقتضيها مصالح المجموعات الحاكمة ، أو رغبة في الحصول على تمويل أجنبي من المنظمات الدولية العاملة في بلادنا ، ومضى بعضهم إلى ماهو أبعد من ذلك في إنشاء الجمعيات والروابط و الاتحادية ، وهو أن تكون لهم بمثابة الجسر الذي يقودهم إلى التقرب من القيادات السياسية و الاستمتاع بما يعود عليهم من مكاسب في وقت صارت في الوظيفة بعيدة المنال ، كما أن غياب المؤهل الدراسي البسيط هو ما دفع بالكثيرين إلى التفكير في تكوين تلك الروابط والتجمعات دون هدفها الرئيس الذي هو الدفاع عن مصالح الفئات المعنية وتمثيلها إلى جانب تطوير المجال الذي تنشط فيه الجهة المعنية .
خلال تلك السنوات مجتمعة ، ظللنا نطرح السؤال على جميع المهتمين بالعمل الثقافي و الإبداعي بالبلاد من الكتاب في شتى المجالات بمن فيهم الباحثين و المتخصصين أصحاب الإصدارات و المساهمات المتخصصة في الثقافة و الإبداع ، وهو سؤال مرتبط بدواعي ومسببات عدم وجود اتحاد معني بالكتاب في دولة جنوب السودان ، ليضطلع بمهامه المناطة به كتنظيم مدني يضم تحته مجموعة من المعنيين بالكتابة عن جنوب السودان باعتبارهم المعبر الحقيقي عما يدور في البلاد من خلال كتاباتهم وما يقومون بنشره ليتفاعل معه جمهور المتلقين و المهتمين و المتخصصين لان الكِتاب و المجلة و المقال لا تقف عند حدود الاستهلاك المحلي لكنها تعبر إلى الخارج وتتلاقح مع جملة الإنتاج المعرفي ، الثقافي و الأدبي للبشرية جمعاء ، إلى جانب كل ذلك فإن وجود اتحاد للكتاب في جنوب السودان سيساهم في إحداث حراك كبير في الساحة سواء الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية من خلال إقامة المنابر ، تحليل الواقع ودراساته من خلال الكتابة ، الإصدارات وحتى البيانات ، صوت الكتاب و المثقفين المنحازين لقضايا الوطن والمواطن ، لا يقل أهمية عن أي صوت آخر لشتي الشرائح الفعالة في الدولة والمجتمع .
أعتقد بأن الوقت قد حان للتفكير في المسألة بصورة أكثر جدية من ذي قبل ، فقد علمت مؤخراً أن بعض الكتاب و المثقفين الذين سبق وان صدرت لهم كتب ودراسات باللغة الانجليزية قد بدأوا بإجراء حوارات ولقاءات حول كيفية تأسيس اتحاد للكتاب في جنوب السودان ، لكن تلك التحركات الإقصائية ماتت في مهدها لأنها كانت أشبه بمحاولة تكوين (جمعية سرية) أكثر منه اتحاد للكتاب في البلاد ، وفي هذا تناسي أو تجاهل متعمد ، رسخت له النقاشات المبكرة للدستور الانتقالي ، الذي تمت مناقشته علي خلفية ذهنية حرب التحرير السياسية باعتماد اللغة الانجليزية كلغة رسمية في المعاملات المكتبية الرسمية ، دون الوضع في الاعتبار الموقع الجغرافي للبلاد ، التاريخ السياسي الذي اوجد أجيال في جنوب السودان ، درست بالانجليزية ، العربية ، الامهرا ، وربما السواحلية ، و التي تعد من وجهة نظري بالإضافة إلى لغاتنا الوطنية الثرة ، مصادر قوة والهام للأجيال التي تلقت معرفها بواسطتها ، وتستطيع أيضاً بان تكتب في الشعر ، القصة أو الرواية بتلك اللغات مجتمعة ، لطالما أنها ستقوم بالتعريف بجنوب السودان من منظور إبداعي ، تنفتح معه نوافذ كثيرة للتواصل الإنساني الرفيع ، بدلاً عن هذا الانغلاق المتعمد الشبيه بما قامت به بريطانيا إبان هزيمتها في الحرب العالمية حيث فرضت علي نفسها ما تعارف علي بالـ(العزلة المجيدة) .
عليه فليس هناك أي غضاضة في أن تتوحد جميع تلك الجهود ، وتتم الدعوة لمؤتمر تفاكري لجميع الكتاب في البلاد ، من اجل ابتدرا النقاش حول كيفية تكوين اتحاد للكتاب خلال المرحلة المقبلة ، واني لعلى ثقة كبيرة بأن نجاح تلك المبادرة سيكون بمثابة الانطلاقة الحقيقية نحو مرحلة جديدة في جنوب السودان ، ونتمنى من شباب الكتاب و المبدعين والباحثين المتخصصين في قضايا الأدب و الثقافة بالمبادرة من اجل عقد لقاء تشاوري للكتاب لوضع اللبنات الأولى لقيام أول اتحاد لكتاب جنوب السودان .
* شاعر وصحفي من جنوب السودان
* نُشرت هذه المادة تزامناً مع ملف الموقف الثقافي الذي تصدره صحيفة الموقف بجنوب السودان.