ثمار

أفريقيا في المخيلة الصينية

 c7775bb3-2591-4be6-8da5-8a8e076209c0

مئات السنين.. بل بعمر الكوكب الأرضي كله؛ والميديا العالمية لم تتوقف لحظة واحدة عن رسم الصورة التقليدية المخيفة عن القارة الأفريقية، القارة العجوز، المريضة، البدائية، التي منذ لحظة التكوين الأول هي محض “خراء أرضي” مهول يتمدد على فلوات الكرة الأرضية.

ما يثير دهشتي دائماً.. أبداً هو:

السؤال البريء؛ اللئيم، الطاعن:

هل الأفارقة يأكلون لحوم البشر؟!

إن الشعب الصيني تاريخه لا يختلف كثيراً عن التاريخ الأفريقي، عانى من ويلات العسف الدكتاتوري و”الهلكوت” المتوالي؛ قرناً إثر قرن والصينيون بكامل عريهم يحصدهم الموت والمجاعات والفجيعة، عشرات من الأباطرة الدمويين، آلاف من طبقة النبلاء والطغاة، عصوراً خالدة من العبودية الملعونة على جبين التاريخ الصيني؛ تنتقل قصصه، أساطيره، ملاحمه، بؤسه جيل بعد جيل وسيظل صداه ما بقي الجنس البشري.. يروى ويحكى ويُعلق كقلادة عظيمة تتأرجح على أعناق الأجيال القادمة.

سلفاَ؛ الصين حتى الثمانينيات كانت منطقة مغلقة، معزولة عن العالم الخارجي؛ بحكم طبيعة الأنظمة السياسية المتعاقبة على الحكم؛ وبالطبع أيضاً بحكم طبيعة بنية الوعي الثقافية لدى الإنسان الصيني نفسه؛ إذ تشكل الثقافة الصينية والإرث الصيني العمود الفقري لصورة العالم ومطلق الوجود في العقل الصيني، ما أعني: أن التمركز المطلق حول الذات الثقافية والأنثروبولوجية دون فتح اي نوافذ تتيح للصيني رؤية الآخر المختلف.. ومن الناحية الأخرى؛ التعقيد الحاد للغة الصينية الذي جعل التواصل الثقافي والسوسيولوجي أمراً شبه مستحيل بين الصينين وبقية دول العالم والمجتمعات الإنسانية، حتى بدأت تتشكل أسطورة الاقتصاد الصيني في عهد الرئيس دنق شاو بينق؛ أسطورة القرن الواحد والعشرين كما يحب العديد من المفكرين الاقتصاديين الأمريكيين مغازلة الاقتصاد الصيني الصاعد كالعاصفة.

ونتيجة لتلك العزلة؛ لم يجد الصينيون أي فرصة للتواصل الطبيعي مع بقية الكيانات البشرية المختلفة، هذا الأمر بالذات – وبعد الانفتاح المفاجئ على العالم وتدفق الأجانب نحو الصين – حيث وجد الصيني نفسه أمام الآلاف من السلالات البشرية، التي كانت من قبل بالنسبة له ما هي سوى قصص وحكايات.. لن تتاح له الفرصة لرؤيتها لولا المعجزة الاقتصادية التي يقودها القادة السياسيون بثبات وقوة لم تحدث مطلقاً في تاريخ العالم كله.

لكن؛ برغم هذا النمو المباغت والمتسارع والانفتاح الكلي، إلا أن الكائن الصيني حتى الآن لا يتمتع بكامل حريته في خياراته الشخصية القصوى، فباسم الحفاظ على الخصوصية الثقافية والخوف المطلق والمريب من قبل القادة السياسيين؛ تفرض الحكومة أنظمة قاسية، رقابة مفرطة على وسائل الإعلام، المواقع الإلكترونية، وسائل التواصل الاجتماعي، الصحافة، المطبوعات والقنوات الشعبية التي تتيح حرية التعبير والمشاركة الفاعلة في الحراك الاجتماعي والسياسي.

هذه السياج؛ وعبر القنوات الإعلامية المحدودة؛ يتلقى الإنسان الصيني معلومات محدودة عن العالم الخارجي، ربما – بطريقة ما – وغالباً؛ كما يرى العديد من المتابعين، أن الصينين كونوا صورا ذهنية براقة ولامعة بل عظيمة عن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا – ربما ايضاً بسبب قوة الأعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص في بث صورة الشعوب الفائقة عبر هوليوود – في تقرير صادر عن إحدى الصحف الصينية فإن أكبر سوق للأفلام الأمريكية هو الصين!، لذا تجد الصينيون مفتونين بالإنسان الأمريكي؛ لدرجة صديقي الباكستاني المثقف (أفتاب حسين) سماها عبادة حين قال:

“إن الصينيون يعبدون إلهين: العمل وأمريكا!”.

لكن؛ حتى الآن يمتلك معظم الصينيون صورة مشوهة ومضطربة عن القارة الأفريقية والإنسان الأفريقي، ليس فقط في المخيلة الصينية وإنما في معظم أنحاء الكوكب؛ وحيث ينحصر وجود الإنسان الأسود في نطاق الكسل الوجودي، الخمول الذهني، الفشل الذريع على المستوى الفكري، والأبعد والأمر الاعتقاد التاريخي الكلاسيكي المنحدر من عصر العبودية في أن الأفريقي ما هو سوى وحش آيروسي، حيوان جنسي ليس له وظيفة خلاقة في هذا الكون الشاسع سوى التفكير في الجنس والفعل السريري.. ليس ذلك فحسب بل الأفريقي برمته عبارة عن قضيب أسود ضخم يتجول في الطرقات ولا يرى العالم كله سوى حلبة كبيرة للمقارعة الجنسية.. يا للهول!

ربما؛ كما يقول لي دائماً أصدقائي الصينيون: إن الأفارقة يرتكبون مخالفات فادحة في الصين.. خصوصاً في منطقةGuangzhou  قوانجو التي تشهد أكبر تجمعاً أفريقياً على الإطلاق في الصين.. ذلك ما جعل معظم الصينيون يعتقدون سوء الطالع نحو الأفارقة !

لكن الأمر ليس بهذه البساطة، حينما يتحدث الصيني عن أفريقيا لا شيء في مخيلته سوى الفوضى، الحرب، الموت اليومي، الدم، المجاعات، سوء التغذية وبكل براءة يسألك:

“هل ما زال هناك آكلي لحوم بشر في أفريقيا؟!”

“Oh my god !”

دائماً أتمنى؛ أن أشاهد بثاُ تلفزيونياً واحداً في القنوات العالمية عن الجوانب المشرقة لأفريقيا، عن الحب، الناس المحبين للآخر، الحياة، التاريخ الناصع، الحضارات، النضالات، العقول، الآمال، السودان، أثيوبيا، نيجيريا، تشاد، النيجر، أوغندا، جنوب أفريقيا، الكنغو، كينيا،  الجزائر، مصر، المغرب، موزمبيق، ليبيا، مالي، موريتانيا، ناميبيا..

ويداً واحدة لأفريقيا.. تصنع المعجزات!

* كاتب من السودان 

زر الذهاب إلى الأعلى