ليلة اتحاد الكتاب… تحالف الشعر والحنين
هنالك في ليلة اتحاد الكتاب السودانيين، والتي نظّمها منتدى مشافهة النص الشعري، حين كان الصحفي والشاعر أتيم سايمون يلقي بأشعاره الباهرة من المنصة وجوراه الروائي والشاعر الجنوبسوداني بوي جون؛ كان ثمة شيء يتواثق ويتواشج داخل المكان تحت إلحاح شديد الوطأة ، خلفته اختيارات سياسية وشعبية حَسَمت قضية مستقبل البلاد عبر خيار الدولتين، السودان وجنوب السودان، فتفرق أيضاً الشعراء والكتاب والمثقفين بين وطنين. أظنني تذكرت لحظتها قول دكتور القانون الدولي في جامعة مراكش الدكتور سعد الرجراجي ونحن على مقاعد الدرس هناك في إحدى محاضراته وهو يستشهد بعبارة فقيه القانون الدولي الفرنسي شارل شومانت فى باب حق الشعوب فى تقرير مصيرها قال شارل شومانت (إذا كان حقّ تقرير المصير مؤلماً فإن النتائج التي تترتب على تجاهل هذا الحق ستكون أكثر إيلاماً). ثمة أثرٌ كان هناك لذلك الألم الذي خلفه تطبيق هذا الحق وقد كان الفقيه الفرنسي صادقاً في مقولته، لكن فضاءات النصوص الشعرية لأتيم سايمون كانت وكأنها تتبادل مع الحضور تأسيس وجودٍ جديدٍ يُضاف للذاكرة الجماعية، مادته هنا هي الإبداع والشعر والحنين، ومحاولة تلك النصوص في إخراج صوت الشاعر/صوتنا من مآزق نسيانٍ قاتم يحاول إقصاء قدرة الشعراء على الحلم والتخييل وتحسس التصدعات الوجودية التي تخلّفها رعونة قطعان السياسة في ركضها واحتراباتها واختلافاتها العبثية، وهنا يكون قدر أولئك الشعراء هو حماية هذا الوجود وتطبيبه جمالياً كلّما سكن في مفاصله القبح.
كانت عن حق ليلة استثنائية وسط جمهرة من مثقفي ومثقفات الشمال والجنوب الذين احتشدت بهم ساحة اتحاد الكتاب، واستثنائية هذا المشهد تتبدى على المستوى الثقافي في أن هذه الأمسية تعتبر إحدى اللقاءات النادرة بين مبدعي الشمال والجنوب بعد الواقع السياسي الجديد الذي قام في عام 2011 وأسس لدولة جنوب السودان المستقلة عن شماله. ليلة الاحتفاء بالشاعر أتيم سايمون رعتها جماعة مشافهة النص الشعري وقد شاهدتُ شعراء ذلك الكيان الإبداعي وغيرهم من الشعراء تحلق عليهم غبطة نافرة من قيد التفاصيل والمجال؛ سترى الأصمعي باشري يثب من مكان لمكان بفرح يلتقط الصور ويوثق للحدث وشاعرنا بابكر الوسيلة يحمل قطعة قماش منهمكاً في مسح الكراسي وتنظيفها من الغبار حتى يهيئ مجلسها لقادمين جدد، مأمون التلب يجلس ساكناً على غير عادته القلقة في أول الصف وهو ينصت بانتباه عميق وصامت، المغيرة حسين حربية كأنما يبادل روحه الابتسام كلما التفتت دواخله، وعثمان شنقر كان تماماً مثل أبٍ قلق ومتوتر وسط مراسم تأهيل أحد أبنائه وينتظر أن يغلق المأذون دفتره على قران الجهات والخرائط ويجهر بمباركته. يوم خاص تضافر فيه الحنين والنص الشعري وبلغا درجة من الدفء والامتنان للشعر والشعراء ولتاريخ ما زال يعلن عن إنسانيته الصرفة بين الشمال والجنوب، ويبديها في كلّ نصٍّ شعري أو رواية أو قصة قصيرة عبر اللغة والسرد والشعر. ترى أيّ لغةٍ هي إن لم تكن لغة الحياة والذاكرة المشتركة؟.
يقول أتيم سايمون في (مناورة السهاد):
[فِيْ شَوْقِ الأَرض
لِجِهَاتِ الذَات
لاَ زِلتُ “أُحَاحِي”
تلك النُّطْفَةَ
المَزْرُوبَةَ
بشوقِ
الغيم
لا زلتُ
هناكَ
مُمدَّدةٌ
رُوحي
وفي أنَفَاسِي
يَلْهُو النُّكرانُ
بطُيوفِ أناشِيدي
الصَّادِحَةِ
كدُخانٍ
صَاعِدٍ
من جَوْفِ
الغابَةِ
الحجريَّة.]
* كاتب من السودان
* تم النشر تزامناً مع ملف الموقف الثقافي الذي تصدره جريدة السوداني