ثمار

قيلولاتٌ من البنِّ والتَرَاتِيلْ

أنس مصطفى

الصَّبَاحاتُ التي تتسللُّ من مخدعِ الأبدِ فتغمرُ الرَّواكيبَ بشمسٍ طازجةْ، الأبوابُ الخشبيةُ الزَّرقاءُ بمزاليجها الصَّغيرةْ، الطُّرقاتُ التي تعبرُ النَّهرَ في المغاربْ،المدينةُ التي حِيكتْ من البنِّ والتراتيلْ، الهَدَنْدَوَةْ مُضمِّدو الكونِ بأبديَّةِ صمتهمْ، عازفو الأزلِ برباباتهم التي تنثالُ نهراً على صَهْدِ الحياةْ، نسوةٌ بثيابٍ ملوَّنةٍ وسِلالٍ يعبُقنَ في الظهيراتِ بالتعاويذِ والحكايَا، قيلولاتٌ تبلِّلها خُضرةُ الوقتِ في البرنداتْ، الطَّريقُ من الأسكلةِ إلى غربِ المدينةِ يمرُّ بطفولاتٍ وجسورْ، يعبرُ السكّكَ الحديديةَ والنَّهرْ، درَّاجاتٌ مزركشةٌ بألوانٍ خضراءَ تجوسُ الدروبْ، ليمونُ البيوتِ يطفئُ الغُرُباتِ في الدَّمْ، شجرُ الحنَّاءِ المرشوشِ بالتَّوقِ في العَصَارِيْ، العنبُ الرَّامِي في مداخلِ البيوتْ، الأسرَّةُ في المسطباتِ تلوِّنُ الحياةَ بالنَّاسْ، رائحةُ البساتينِ في القلبْ، طعمُ المطرِ في الشِّفَاهْ، المنحنياتُ في خَاصرةِ المدينةْ، الكلامُ الذي أزهرَ في المشاويرْ، ما نسيتهُ قوافلُ الحَضَارِمةِ صارَ قناديلَ وشَذَى، الأغنياتُ التي بلًّلها الحنينْ، أمطارُ أغسطسَ تجلو حيشانَاً قمريَّةْ، البرازيليا التي تغسلينَ تحت ظلالها فساتيناً مدرسية زرقاءْ، الشاي الذي تحملينهُ بلا مقدِّماتْ، الخضراءُ التي تطفِّفُ القَسوةْ، ولم تكوني سوى طائرٍ سبتمبريٍّ يحجلُ بين فِخَاخِ الوقتِ والمحطَّاتْ،

وكنتِ شجراً في الدروبْ.

.

.

أمسياتٌ مسرنمةٌ بالتراتيلْ، أقمارُ المدينةِ اليانعةْ على وسائد من نعاسْ، غزالُ البجا الشَّاردِ في الوِهادْ، الكُشْككُ القديمِ في المنعطفْ، السيسبانُ على مشارفِ البيوتْ، البابُ الأسودُ في الأخيرْ، الأسرَّةُ تحتَ الظلالْ، شتلاتُ صباحُ الخيرِ في الفِنَاءْ،

الممرَّاتُ التي تعزفُ صوتكْ، الشبابيكُ التي تضحكينَ عَبرَهَا، ما كنتِ تقولينَه هناك يرنُّ كأجراسٍ أبديَّةْ، وكنتِ ملوَّنةً بالصَّمتِ في المغاربْ، وكنتِ الأناشيدَ والنَّدَى،

ثمَّ هاهي السَّنواتُ والأرقْ، هاهيَ الطواحينُ في العُمرْ، هاهم حائكو العَدمِ،

جباةُ الحياةْ..

لكنَّ ما كنتِ تقولينهُ يومضُ هَاهناكْ، لكنِّي تذكَّرتُ الرتاينَ وقتها، تذكرتُ الأملَ الذي تشتلينهُ في طينةِ الوقتْ، وكنتُ مُحاطاً بالمعازفَ كلها، فكيف الحالُ إذنْ…؟ كيفَ جهاتكِ الشاردةْ…؟ كيفَ البيوتُ والشجرْ…؟ الناسُ في الصباحاتْ…؟ الحافلاتُ والجُسُورْ؟

تَستعَصِي الحَيَاةُ إذنْ…

* كاتب وشاعر من السودان 

زر الذهاب إلى الأعلى