التلّ

(1)
خَلَقوا التّلَّ في أحلامي،
وأراهم يصعدون بهِ، يُوسمون باسمه، وبأخلاق ترابه تتكوّن ملامحهم.
أراهم يقرصون الساعة العظيمة لهذا الكون،
في حلمتها،
ويَشدهون عينها ببلاغة جمالهم.
(2)
في كلّ يومٍ أرى التلَّ،
وهم، القرود ذات المخالب الجذّابة، يتشبّثون بترابه،
ينفضونَ روائحه في الصحف القديمة والشتيتَه،
على بقاع العالم المُختَلَق.
يحشرون ترابه في عين من أنكرَ اللؤم
والقتل
والقيظ المشتت في العروق منذ أن خُلقوا.
في كلّ يومٍ أرى التلّ في القُبَل،
في التشنّج السريع لوجهة العين السالفة،
في الأمشاج الغنيَّة لكواكب الكون المعكوسة على الواقع،
من تصنع متعة العصائر،
وجمال جلود البشر،
وسلامته من كلّ عينٍ واهية الغربة،
من كل شفاهٍ ظلَّت عندك يا حبيبي، تشتكيني،
تشتمني،
وتصنع، بالغواية الفظيعة لما مُنِحَ لي، قفصاً صدريَّاً يليق بهكذا وجود.
كلّ ذلك يَمنح التلّ رشاقةً وحيويةً لم تحدث من قبل.
كل ذلك يجعلني أصرخ باسمك أيّها التل.
حيث شياطين الدرك الأسفل من الجحيم يصعدون،
يتشبثون بثيابك السمائيَّة،
يستخدمونها لكي يُقالُ لهم: قُبِلتُم.
لكنهم يَرفضون،
لأنْ لا وردةَ أشملُ من ذلك،
لأن العينَ قليلة التقوى، والجلد شوَّه كل حدثٍ يُقاتلون لأجل إحيائه،
لأنهم يعلمون أن لا ظلّ للأشجار إلا وهو سائح،
وأن لا عِطرَ لليد المُسلِّمة إلا وهو جارح،
لأن العالم يجثو تحت أقدامهم ليَخدم صعودهم الجليل إلى سطح حياة التل؛
إنهم يصعدونَ إليه بمخالبهم، وبسرعةٍ شديدة،
لأنْ لا مصيرَ أعظمَ من ذلك.
(3)
ما أراه، ببساطةٍ، يتلخّص في الآتي: مساحةٌ شاسعةٌ من الجبال الملتهبة من داخلها، وهذه الكائنات الجميلة ذات المخالب تنبشُ آثار لغات الصخر والجمر، تنبشُ أعماق قلق المياه الغائبة عن المشهد، وتنبح بأصوات الحياة الذليلة. ما أراه يَقَعُ في عينكَ أنتَ، ويُخَربشُ أحداق أيةِ مرآةٍ لم تتحدّث لمن نَظَرَ إليها. ما أراه، كل يومٍ، يحدث. ما أره في ما يسمّونه عالمَ النوم يُغرِقُ ما يسمّونه عالمَ التل.
إنني أَختَل،
ولي في المهاوي اسمٌ لم يُطلَق على شخصٍ،
بل أُطلقَ على كلّ مادّة.
حادَّةٌ لقطةُ الأمّ وهي تَلِدُ الحياة،
حادّةٌ كَلِمَةُ التلّ الذي يصعدون عليه.
(4)
اتصل بها أيها الشاب،
قل لها أنكَ تحبها، وأن لا مُدرَك أكثرَ منها،
أعني الأرض.
* شاعر وكاتب من السودان